Monthly Archives

December 2014

2014, جريدة النهار, مقالات

السنة المطلة / السبت في 27 كانون الأول 2014

ما نفعها ان لم يطل الله عليها أو بالحري ان لم يطل هو على كل واحد منا. الجدّة منه وفيه فالسؤال إلينا جميعا كيف نفتح أنفسنا لينزل الله إليها. لا ينجو الإنسان اذا ظل يظن انه يجيء إلى نفسه من خارج نفسه. الأحداث لا تطل عليك ان لم تفتح في نفسك نافذة لتتقبلها. فأنت الحادث الدائم وما من شيء آخر. أنت المتجدد. فالجديد تاليًا انك مولود اليوم في النور. لا شيء يطل عليك الا النور ان أردت الا تبقى عتيقًا. لك ان تنعتق من ماضيك أو مما عتق من ماضيك فأنت جديد أو عتيق وليس السنة.

هل تريد ان تصبح إنسانًا جديدًا، غير مدين آليًا لماضيك فلا تصير عتيقًا بماضيك، هل تصر على الكسب أم ان تكون؟ معنى السؤال هل ترى انك مكون مما هو خارج عنك، من المال أو من الأحداث أم ترى انك مؤهل بنعمة الله ان تصنع الآتي مع الله؟ السؤال الحقيقي هو هل أنت حتما وريث ماضيك أم عمل النعمة التي تنزل عليك بالرضاء الإلهي؟ لذلك كان السؤال هل تتكل على أحداث ترجوها لكي تعطيك شيئًا من الوجود أم تلتمس هذا الوجود من ربك مع الجهاد؟ وهل تؤمن ان العتاقة ليست بتقادم الزمان ولكنها شيخوخة نفسك وارتضاؤها ذاتها على حساب تجدد ينزل عليها من فوق؟

في الحقيقة ليس من سنة تطل ولكن النعمة الإلهية ان دعوتها لتترجم لك الرضاء الإلهي. أنت لا تدعو السنة، تقدم نفسك للرضاء فإذا انسكب صرت إنسانًا إلهيًا وكل شيء آخر يزاد لك.

ان كنت مؤمنًا لا تنتظر السنة الآتية ولكن النعمة. الأيام لا تطل. البركات تأتي. الزمان ان لم يكن مكان الله ليس بشيء. ما يريده الله منك ان يدخل إليك. هو عارف انك بهذا تكون. السنة الجديدة تنتظر منك توبات. هذا وحده جديدك لأن التوبة ليست تكرارا لتوبات. انها خلق. بمعنى حقيقي هي خروج عن مألوف الزمن بحيث لا تكون آتية منه ولكن من النعمة. ليس لك تحرر من وطأة الزمن الا بانسكاب النعمة عليك.

الأحداث أحداث. انها متشابهة ولكن النعمة فيك يمكن ان تكون جديدة ومجددة. هي لا الحدث الإطلالة لأنها وحدها الفرح. لا تنتظر حدثًا يغير حدثًا بل عليك ان ترجو تجديدا لنفسك، انقلابا تسميه توبة. ليس المبتغى فقط العودة عن أخطاء الماضي ولكن رجاء مستقبل وضاء. هذا يعني ان المرجو موعد مع الله. انه وحده يجدد النفس.

ماذا ينفعك زمانك ان لم تنتظر الله فيه؟ أنت والله فيك صانع زمانك. لا تنتظر فقط السنة الآتية، اصنعها. اذا أطل الله عليك بطاعتك لك سنة جديدة أي مجددة فيها الأيام بالنعمة. اذهب والنعمة في فمك وعلى يديك. اربط مصيرك بالمحبة. انها منقذتك دائمًا.

اجعل كل يوم من سنتك مجددًا بالنعمة. لا تنتظر اليوم، اقتحمه ليكون بك مليئًا من الله. المهم ان يطل الله عليك، ان يكون هو ساكنًا كل يوم من أيامك. لا تخشَ الأحداث السيئة. يمكن ان تكون تذكرة بالله.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الله تحت / السبت 20 كانون الأول 2014

المسيح في العالم منذ نشأة العالم باعتباره فكر الله. ونحن لا نعيد لحدث ظهوره من مريم إلا لنذكر انه ظهور الله. والمسيحية كلها في هذا تقول ان الله بمسيحه سكن في العالم جسديًا. كنا نعرف قبل مجيء المخلص أن الله معنا، لكن مع المسيح رأيناه معنا وساكنًا فينا. في اليهودية كنا ندرك أن الله فوق، ومع يسوع فهمنا أنه معنا وفينا، أي بالمسيح ألغيت المسافة بين السماء والأرض، لذلك إذا سألت الطفل المسيحي هل الله فوق يجيبك لا أعرف. أنا أعرف أنه في قلبي.

عندما نقيم الميلاد لا نعيّد لحدث مضى ولكن لاستمرار هذا الحدث. المسيحية كشفت أن السماء ليست فوق بل إنها فيك. إنها أنزلت الله على الأرض، بعد ذلك صرنا نصعد إلى السماء. في اللغة المسيحية نقول إننا في الله وأن المكانية كلها لا معنى لها.

يصير الميلاد حدثًا دائمًا إذا وعيت أن يسوع يولد فيك عند رضاه وتفهم أنه أبطل المسافة بين الأرض والسماء أي كل بعد عن الله. طبعًا عليك دائمًا أن تقول أن الله فوق لئلا تقع في وحدانية جوهرية كافرة ولكن إن لم تحس أن الله فيك لا تكون انقطعت عن اليهودية الكامنة فيك. يسوع كان حدثًا ليبقى. والسر في هذا أنه فيك وإنه غير مندمج بآن لئلا تقع في الحلولية والعيد يدعوك أن تسلم له لإيمانك أنه الكل وإنه كذلك لأنه واحد مع الآب.

هذه هي حلاوة الحياة في المسيح أننا نعرف أنه واحد مع الله وواحد معنا أي أنه مكان اللقاء بيننا وبين أبيه. من لم يعرف المسيح في حياته ماذا يعرف عن الله؟ الرب يعرف الذين هم له. الله مع العاشقين.

المسيحية معية ولكنها ما ألفت أن ثمة هوة بينك وبين الله في الطبيعة. بمعنى أنك مخلوق وهو خالق. ولكن المسيحية ردمت هذه الهوة بالحب لأنها جعلت الخالق ساكنًا في أحشاء امرأة.

الله فوق ومعنا. هذه هي اليهودية والمسيحية معًا. الله فينا هذه هي المسيحية وهذا هو معنى التجسد. المسيح في الإنسانية توقًا منها وإذا أرادت الخلاص فحقيقة منه ومنها.

المسيح صار إنسانًا فردًا بمعنى أن له كيانًا يميزه عن كل بشر. وهو صار في الإنسانية بتجسده ومع كل إنسان بحبه ولاسيما في موته وأنت مدعو به وفيه أن تصبح إنسانًا كاملاً تبلغ «قامة ملء المسيح».

كان التجسد التعبير الأخير لحضوره في العالم وما كان البدء إذ البدء كان الكلمة أي هو. والتجسد لا يعني تحول ابن الله إلى كيان جسدي، ولكنه يعني ضم بشرية الإنسان، كل إنسان إليه بالتجسد والحب الهادي بالتجسد.

عليك دائمًا ألا تنسى أن المسيح فوق لكي تعرفه إلهًا وأن تدرك أيضًا أنه معك لعلمك أنه يحبك. هو ما صار إنسانًا إلا ليقول لك ذلك. طبعًا قال هذا بموته وقيامته الفصحية والأخيرة وكفتنا.

حق وجميل أن تذكر أن المسيح إنسان لتحبه حقًا ولتعرف أنه قريب. المسيح جعل بين الله والإنسان ملامسة أي ما هو فوق الإيمان، ما هو حب. هذا لم يكن معروفًا بقوة حتى مات يسوع على الخشبة. هناك نطق أنه المحب وهناك فهم البشر أنه واحد معهم وواحد منهم. عرفوا أن الله ليس فقط فوق وأنه تحت. الإقامة تحت لا تأخذ شيئًا من حبه.

وإذا نزل يسوع إلى أسفل هذا يعني أنه ساكن جميع الناس وأولئك الذين قيل لهم إنهم تحت. أنت لا يمكنك أن تستحيي بمقامك لأنك حيث كنت يكون المسيح معك. أنت لست كبيرًا بأحد. أنت كبير به.

أنت تفهم أن يسوع مع الضعفاء، الأغنياء منهم والفقراء لأننا كلنا ضعفاء. إنه مع المرضى، كل المرضى والمكسورين في عقولهم أو همتهم والذين يهملهم ذووهم وأصدقاؤهم ومع الذين يضطهدهم ذووهم وغير ذويهم أو مع الذين لا يحبهم أحد ولو أحبوا. إنه ليس مع المفتخرين بقوتهم أو جمالهم أو علمهم. هو مع الذين لا يقولون شيئًا عن أنفسهم ولا ينظرون إلى أنفسهم كما في مرآة. هو مع الذين لا يحس بهم أحد، مع المطرودين إلى الصحارى، مع الذين أبعدنا عنهم قلوبنا فألقيناهم في العدم. اذهب إلى الذين صاروا في العدم وأعطهم الله. هم لا يتوقون إلى شيء دونه. اذهب إلى الذين حرمناهم حبنا لأنهم صغار. دائمًا كن مع الصغار. هؤلاء هم من اصطفاهم الله فجعلهم حصته. الرب ليس مع الذي اعتقد نفسه موجودًا. إنه مع من حسب أنه عديم وأنه ضائع، وفي ضياعك إن لم تجد ربك لا تجد شيئًا.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

الجنس والمحبة / السبت في 13 كانون الأول 2014

أنت تستدعي الجنس أو تعامله في الحياة الزوجية فقط. هذا ما أعرفه موقفا لديانات التوحيد. ذلك لأن الجنس لا يقتصر على كونه مكانا للحب ولكنه يتعدى ذلك إلى كونه مركزًا للحياة العائلية بما فيها إمكان الإنجاب. هذه مسلمات عند أهل التوحيد كلهم. لذلك نمسك عن الجنس في حال العزوبة. أنا أبدأ تأملي من ان كل شيء قائم في هدفه. اذا كنا متفقين على ان الجنس له وظيفة حتى نهايتها يكون في اللذة مستهدفا الإنجاب. أنا ما قلت انه وظيفة فينا محصورة بالإنجاب ولكني ما قلت ان لك ان تتحدث عنه بصورة كاملة مقنعة ان أقصيت الإنجاب عن هدفه.

اذا قبلنا ان اللذة مرافقة لنشاطنا الجسدي نقول أيضًا انها ليست غاية الجسد. وضعها الله فينا لترافق نشاطنا البشري في مجال أو آخر ولكن كل مجال له هدفه في الحياة الإنسانية الكاملة. ليس من مدى بشري غايته اللذة. أنت تأكل لتعيش. في طلبك العيش تعثر على اللذة. هي مرافقة للغاية وليست الغاية. لذلك كان الاستلذاذ من أجل نفسه ضربا للغاية. الله وضع فينا لذة الجسد لا لأجل نفسها ولكن لأنه يريد الحياة وجعل اللذة دافعة إليها. هي وسيلة وان جعلت الوسيلة غاية تخطئ.

تربيتي الفكرية أتتني من التراث بمعنى اني لا أخلق الحقيقة، ولكني استمدها من كل البهاء الروحي الذي سبقني في الحضارات التي أذوقها. أنا لست وليدا للحظة مولدي. أنا من التاريخ الذي جاءني من المسيحية أولا ومن كل ما يتصل بها أو يحن إليها. أنا أكره كلاما في العلمانية لا ينتسب إلى شيء. لا شيء يقنعني انك لست من أصل مسيحي أو إسلامي مهما قلت. ان كنت مسيحيا فألحدت تكون تربيتك المسيحية المغلوطة قادتك إلى الإلحاد. هكذا لو كنت مسلما. ما من إنسان يأتي فكريا من العدم. أنا كاتب هذه السطور أعرف اني أتيت من الكنيسة الأرثوذكسية ومن الشرق الأدنى ومن لبنان ومن اللغة العربية ومن دوستويفسكي وبرغسون وبعض آخرين. لا يولد أحد من عدم أو من ماضي تأملاته فقط. بعضنا ألصق بأمه الأرض وبعضنا ألصق بالله. نذوق الكون مختلفين ونتقارب بالمحبة التي نزلت علينا.

الجنس أحد أمكنة المحبة ولكنه ليس المحبة كاملة. لا شيء في النظر الى الانسان الكامل يسمى الحياة الجنسية. هذه فيها حد أدنى من الحنان عند أقوى الناس شهوانية. اذا طغت قد يعمى الانسان ويتكلم عن حياة جنسية. الانسان حياة ويأتي الجنس تعبيرا عن الحياة لأن الجنس هو من الانسان كله ان كان الانسان موحدا. العزل بين الانسان وجسده ليس له أساس في كياننا البشري. انت اذا اعتزلت ممارسة الجنس لسبب روحي او انضباطي لا تبيده. الميل الى الجنس الآخر في أقصى درجات العفة يبقى مشاركة. درجات التعبير تختلف.

Continue reading
2014, جريدة النهار, مقالات

وجه المسيح / السبت في ٦ كانون الأول ٢٠١٤

اذكر فيما نحن ذاهبون إلى الميلاد ان الكنيسة تسمي الغطاس عيد الظهور لكوننا نكترث للمعاني أكثر من اكتراثنا للأحداث. فالكنيسة تهتم في الحقيقة لمولد السيد ولكن بخاصة لكونه إطلالته على العالم. القصة قصة تواصل مع المخلص لا ذكرى تاريخ.

الكنيسة في طقوسها تسمي الميلاد ومعمودية السيد كليهما معًا عيد الظهور. لا تذكر حدثًا بمقدار ما توضح الحدث لقاء بالسيد. الكنيسة ليست وراء تأريخ. الحب مبتغاها. لا يهمنا في التعييد ان نعرف على وجه التدقيق متى ولد السيد. يهمنا السيد نفسه. الكنيسة لا تعمل عمل المؤرخين. تذكر التاريخ لكي تحب. اهتمام الكنيسة بتاريخ السيد على الارض ليس من أجل كتابة التاريخ ولكن من أجل تأكيد حقيقة المسيح. نحن نعبد إلها قائما في الجسد. لنا إله ظهر في تاريخ الناس. إلهنا شوهد ولمسه الناس. الأهمية الكبرى ليسوع الناصري في تاريخ الأديان انه كشف لله وجها جديدا هو ان الله جعل نفسه منظورا، قائما ليس فقط فوق الناس ولكن مع الناس. أجل إله العهد القديم كان مع الناس انما عبرت المسيحية عن ذلك بقولها انه آكلهم وشاربهم ومات كما يموتون. موت المسيح هام جدا ليس فقط بسبب الخلاص ولكن لضرورة الكلام على ان السيد وجد نفسه معنا في كل شيء بما في ذلك الموت. صحيح ان المسيح حي ولكنه حي في الجسد إلى الآن بسبب من موت تغلب هو عليه. وجه المسيح إلينا من بعد التجسد هو انه حي من موت. هذا يعني اننا لا نستطيع ان نقبله حيا الا اذا قبلناه قد مات. من هنا أهمية تصوير المسيح المصلوب في الفن الصحيح ان عينيه مفتوحتان. ليس انهما كانتا هكذا تشريحيا ولكن بمعنى انه على الصليب كان غالبا للموت.

أنا لم أكن شيئا قبل ان أحبه فعلمت انه أحبني أولا واني بذا وُجدت. اعلم اني مهما أحببت لا أزيد شيئا على المسيح. به يبدأ كل شيء وبه ينتهي كل شيء. القصة قوله انه يحبني. أنا اذًا موجود فيه. هل من شيء يعمل الا ان أعرف اني حبيبه؟

اعرف ان لا شيء يزاد على ذلك. هذه المحبوبية تكفيني. المسيح محبة وإطلالة محبة ولكنها دائما محبة في موته ومن خلال موته. الحديث عن القيامة مضمونه أولاً الموت ثم الغلبة على الموت. وجه المسيح يبدأ وجها داميا على ان نتجاوز الدم بانبعاث السيد. كل حديث عن موته بلا حديث عن قيامته خطأ وكل تجاوز لموت بحديث عن القيامة خطأ. موت وقيامة معا هذه هي الحقيقة.

Continue reading