موت الكبار يدفعك الى الحلم بوطن مستحيل. لا يحق لي اليوم بسط كلام راسخ في أبدية الله حسب المألوف في هذه الزاوية. لا أستطيع ان أحيد عن لبنان وقد تهتز بعض من أركانه وقد وضعت الغشاوة على الابصار.
اللعبة الديموقراطية تتضمن اغراء كبيرا، اذ تضع الحق كله في حيز والباطل في حيز. هذا يقوى في العالم الثالث المنفعل ابدا وحيث مساحة الدولة تتقاطع ومنافع الافراد. ومن هنا الهدر والسباب والشتيمة مع ان تراثنا الوطني لا يخلو من تروض على اللباقات.
مع ذلك كله أظن أننا وسط هذه العاصفة الرهيبة اخذنا نبني بلدا اتضح واحدا في اقسام منه كثيرة. أجل هناك لغة خشبية ولغة الحياة الصاعدة من قلوب المجروحين. انت على هذه اللغة او تلك. مع ذلك، التاريخ القاسي لا يضغط على الرؤية ضغطا كليا. غير ان المشكلة الحقيقية ليست في الحوار او انعدام الحوار. انها في الخيارات التي اتخذها الفرقاء وتبدو عند كل فريق ثوابت.
لست ديانا لأتسلل الى وجدان كل من واضعي السياسة عندنا وان كان وضع البلد منذ مئات السنين يدل على ان الكلمة عند بعض الناس متفلتة من ضمائرهم. كل شيء يدل على ان بيننا زبائن غير مقتنعين بما يقولون او يخشون القول. ذلك ان في البلد فاعليات مرهونة للخارج. ما من شك في ان القضية المركزية عندنا قضية الحضور السوري بما هو أمني وعسكري وسياسي. هذه كلها اذا أجمعنا على فحصها في اطار الطائف لها مبدئيا امكان معالجة. لم يبق في تتبعي خلاف تفسيري حول الطائف. الخروج الى البقاع بدءا من خط حمانا – المديرج – عين دارة مسألة نصوص واضحة لا تحتمل التأويل. الحضور العسكري السوري مسألة سياسية بامتياز وليست مسألة استراتيجية عسكرية. والسياسة غير ساكنة، نهر ولكن ليس فيه مواسم جفاف. لقد مشينا من بعد الطائف خمس عشرة سنة وجُرحنا وبكينا وعلقنا أوتارنا ولم نغنّ. وبقي مرجأ النص ومرجأ الروح.
ما يذهلني ان بعض السياسيين في لبنان يرفضون واقعيا تطبيق القرار 1559 في ما يختص بخروج الجيش السوري في حين ان سوريا تصرح انها مع الشرعية الدولية ولو ذكرت بأن هناك قرارات اخرى يجب تنفيذها.
من الممكن ان تبدأ الشقيقة بتطبيق الطائف للدلالة على انها لم تتخل عنه. ان اعادة الانتشار لا يمكن ان تكون صورية. فلنطبق الطائف سريعا فقد تهملنا الامم المتحدة في تطبيق 1559 ومن المعروف حقوقيا ان التشريع الدولي يسود التشريع المحلي. وهذا الامر لا يمكن التلاعب به.
ان الضعف في موقف الموالاة هو في امتداحها سوريا باسهامها الكبير في انهاء الحرب اللبنانية وفي الدفاع عن المسيحيين في بدايات الحرب الاهلية كأن أحدا ينكر ذلك او كأن أحدا لا يحفظ الجميل. انا لم أسمع مسؤولا او مفكرا او صحافيا لا يرحب بعلاقات جيدة، أخوية مع الشقيقة الكبرى. لكن جودة العلاقات تفترض انهاء ملف الحضور السوري العسكري. عند ذاك يمكن تجديد شهر العسل بيننا وبين سوريا حبيبتنا بصدق ألا يستطيع الحكم السوري ان يشتري هذا الحب بسحب جيوش لا نفع لها حقيقيا من ابقائها على أرضنا.
الكل يتكلم على شوائب في العلاقات. وكثير من هذا القول يأتي من طرف الموالين ولكني لم أسمع وصفا لهذه الشوائب من هذا الطرف او تعدادا لها او محاولة لازالتها، ربما كان هذا بدءا لحديث بين الاطراف المتصارعين.
القرار 1559 هدية. لماذا لا نفاوض الامم المتحدة لنقول لها دعينا نطبق الطائف في مرحلة اولى ثم ننظر دوليا في تنفيذ القرار الاممي؟ تسمع أحيانا ان السوريين وحدهم قادرون على نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية. لماذا لم يفعلوا ذلك حتى اليوم؟ ولماذا هذا السلاح والفلسطينيون لا يتنازلون عن حق العودة وهو لا يساعدهم على العودة؟
ولماذا استقرت هذه القناعة ان السوريين وحدهم قادرون على نزع السلاح الفلسطيني؟ أين جيشنا؟ نحن لا نقبل بالاعتداء على فلسطيني واحد في المخيمات. ولكن هذه مسألة عربية ولا أخال ان السلطة الفلسطينية مصرة على بقاء هذه المخيمات. ماذا يمنع ان يتمتع الفلسطينيون بكل كرامة وكل حرية وحق العمل في الوطن اللبناني؟ ضد من يحمل الفلسطينيون سلاحهم وقد أكد الرئيس لحود عشرات المرات انه لا يرضى عن عودتهم بديلاً.
هناك جزئيات أساسية لا بد من مواجهتها مثل قضية جنسية مزارع شبعا. فاذا كانت لبنانيتها قائمة في القناعة السورية فلماذا لا توثق ذلك؟ ماذا يمنع ترسيم الحدود حتى يتضح اذا كانت مسؤولية المزارع تقع على عاتق السوريين أو على عاتق المقاومة؟ هل يضر حزب الله ان يدخل في وضوح هذه المسألة؟ لقد مجدنا المقاومة عن حق بعدما غيب الجيش عن حماية الحدود. المقاومون هم كانوا في أوروبا المحتلة في الحرب العالمية الثانية أنصارًا للجيوش الحليفة وما كانوا بدلاء.
فاذا كان حزب الله يؤمن بوحدة البلد ممثلة بوحدة الجيش ألا يكون في دوام تسلحه في حالة الموازاة للجيش؟ اليست الموازاة تأكيدًا ضمنيًا لثنائية الدفاع عن الوطن؟ أسئلة لا أذكر ان أحدًا طرحها بهذا الوضوح. اذا انتهى التحرير فالسلاح سلاح الدولة اذا أدرنا فعلاً ان نؤكد اننا شعب واحد في كل اطيافه.
# #
#
الى هذا النغمة الدائمة ان سوريا لا تخرج تحت الضغط. هل هذا البلد الصغير قادر على ان يمارس أقل ضغط على الجارة الكبرى؟ ما هي وسائله؟ ما نفوذه؟ما جرأة حكامه؟ بقوة من هم حيث هم؟ من يصدق قول القائلين ان السوريين يخرجون بعد اتفاق بين الدولتين؟ من يتفق مع من؟
ان سوريا في حاجة الى نهضتها والى جيشها للدفاع عن نفسها. واذا هاجم العدو البلدين فمن المؤكد اننا نوحد قوانا العسكرية.
ان الأحداث التي نعيشها تشير الى ان الشعب اللبناني يتوق أكثره الى حرية حقيقية. واذا ترك له حرية التعبير فكله يريد الحرية. أجل، نحن دولتان وهذا مؤكد في الشرعية الدولية. لقد التقى الشعب اللبناني صفًا واحدًا بعد اغتيال الرئيس الحريري، متراصًا. وهذا أقوى من التوازن الذي رغب فيه الطائف بين الأطياف اللبنانية. لقد تجاوزنا الطائف معنويًا ولو لم نتجاوزه حقوقيًا. خمسة عشر عامًا جعلتنا نكتشف بعضنا بعضًا ونؤمن اننا شعب واحد. وهذا يحتاج الى تغيير في بنية الدولة وانماء مواردنا والتصدي موحدين للمشاكل الاقتصادية والسياسية في جسمنا الوطني. ولنا طاقات عقلية كافية لننظم بلدنا خير تنظيم، خصوصًا ان نظامنا هو غير النظام السوري ونحن أدرى بشؤوننا من الجار. وليس لنا مطمع بتوصيات نقدمها له. وأنا واثق من أن القوى الخيرة في سوريا تريد لنا الخير تكملة لها وتعاونًا. والتعاون يفترض فلسفيًا انك موجود وان الآخر موجود. لماذا لا يكون بيننا وبين دمشق اتحاد شبيه بالاتحاد الاوروبي يحافظ فيه كل بلد على سيادته ويتكامل والآخر. ولكنك لا تتعاون الا اذا كنت مرتاحًا الى ان الآخر يريد لك الازدهار والحرية اللذين يريدهما لنفسه.
لا يستطيع لبنان ان يترك لسوريا ان تغادره فقط اذا نزل الالهام عليها. قد لا يهبط الالهام. قد يقوى الطمع. هل نبقى الى الأبد محضونين حتى تحس سوريا ان هذا الاحتضان عبء عليها أم نفيد من الفرص المتاحة من داخلنا ومن الوضع الدولي لنحصل على الاستقلال الفعلي في سياستنا الداخلية وتسيير اعمالنا ونتعاون في السياسة الخارجية كما كنا نفعل باستمرار منذ اعلان استقلالنا؟
هناك مجالات كثيرة يمكن تفحصها معًا بنية سالمة وصدق كامل للتكامل نحن وشقيقتنا الكبرى. لقد حان أوان القطاف اذ حان أوان الصدق.
Continue reading