خميس الصعود الذي أقيم منذ يومين مجهول معناه كثيرا عند عامة الناس مع انه على كثافة الأعياد الكبرى عندنا وفي تقديري أن إعراض الناس عنه انهم يرون ان كل شيء عند المسيح ينتهي بقيامته. غير أن الرؤية الكنسية المجسدة في الأعياد ان الصعود مواز للتجسد اذا اعتبرنا التجسد نزولا إلهيًا على الأرض.
ولكن إذا عزلت نفسي عن العقيدة مؤقتا بحد نفسها لأرى نتائجها في الفكر أفهم أن صعود المسيح هو كلام عن صعود جسده إلى السماء. ولكن ما معنى ان يصعد والمسيح الإله ليس محصورا في مكان؟ الفكر وراء العبارة ان الإله الكائن في المسيح اتخذ البشرة اليه ولكونه ألهها -وهذا معتقدنا- صارت واحدة مع الطبيعة الإلهية دون اندماج بها أو انصهار أي بتمايز الطبيعتين. هذا هو سر المسيح الذي لا نسبر غوره.
هذه هي قدرة المسيحية انها تتكلم عن اتحاد الانسان بقوى الإله غير المخلوقة دون ان تنصهر بها. نحن نقول بالتجسد ولا نقول بالحلولية أي لا نقول بانصهار الطبيعتين. هذا سر لنا وأمامنا ونلتقطه بالقلب ولو فاق معقولنا ومعناه اننا، حقيقة، في الله وما ذبنا به. بيننا اتحاد وتقابل بآن. غير ان فرادة العقيدة عندنا اننا لا نقف عند مجيء الله الينا بالتجسد بل نضيف اننا نعود إلى الله ليس فقط بالروح ولكن بالجسد القائم من القبر. وهذا من منطق اللاهوت عندنا. فإن الله نزل لكي نصعد ومعنى ذلك ان الأقنوم الثاني صار إنسانا لكي يصبح الانسان إلها لا بمعنى اتخاذه جوهرا إلهيا لأن هذا يكون ذوبانا في الله ولكن بمعنى اشتراكه بالنعمة الإلهية وهي غير مخلوقة.
ليس في العقيدة المسيحية جغرافية. فإذا قلنا ان السيد نزل إلى الأرض لا نعني لحظة انه قام بانتقال مكاني اذ الله لا ينتقل. نعني ان الابن ضم اليه جسدا انسانيا في اتحاد لا نفهم طبيعته ولكنا نعرفه بالإيمان.
الإيمان معبّر عنه بقوالب بشرية. بغير هذا كيف يأتي الإيمان إلى الانسان. نحن نعرف محدودية التعبير اللاهوتي. نحن مضطرون إلى كلام وبلا كلام ليس دين. ولكن تتجاوز أنت محدودية الكلام بالإيمان. والذين بلغوا هذا التجاوز هم المؤمنون.
نحن لا نفهم فهما عقليا كيف ان المسيح في السماء ولكنا ندرك في قلوبنا المؤمنة انه فوق المكان والزمان لأنه حامل جسد القيامة. المسيحية عندها هذه الفرادة انها ترى المسيح حافظًا جسده بعد القيامة ولكنه جسد قائم في المجد أي غير خاضع لتقلبات الأجساد وغير قابل للموت. لا تستطيع انت ان تضع المسيحية في قالب عقلي ولكنك لا تستطيع أيضا ان تراها مناقضة للعقل. هي ترى شيئا آخر من العقل.
كيف نكون، نتيجة لذلك، نحن وأجسادنا صاعدين مع اننا لا نزال على الأرض؟ اذا خضعت للجغرافية لا تفهم هذا. اما الذين هم في المسيح فيفهمون كل شيء. أنت في مكان ولكنك ان كنت في المسيح لا تبقى محصورا في مكان.
ماذا نعني ان قلنا ان المسيح جالس عن يمين الآب؟ نحن لا نقصد شيئا مكانيا. نحن نعني ان جسده القائم من القبر له كل المجد الذي في الألوهة أي غير خاضع للموت وتاليا نعني اننا نحن أيضا مع الله لأننا بتنا في روحه.
إلى هذا إحساسنا في الروح القدس الذي صرنا اليه ان أحدا لا يقدر علينا شيئا.
العجب في هذا ان ترى انك من الأرض وفي حدودها وامكاناتها وانك تجاوزت الأرض بالإيمان. العجب انك في هذا الجسد ولست خاضعا لهذا الجسد. بمعنى عميق وحقيقي أنت ترى الله واذا لم تكن من أهل الرؤية لا نستطيع ان نعطيك الرؤية. هناك فئتان من الناس لا تلتقيان، الفئة التي تشاهد الله وتلك التي لا تراه. هذه هي الهوة الروحية بين الناس.
Continue reading