Monthly Archives

August 1997

1997, مقالات, نشرة رعيتي

الكتمان/ الأحد في 17 آب 1997/ العدد 33

قـول سائر عندنا: “المجالس في الأمانات” اي انك لا تذيع امرا تسلمْتَـه في مجلس اصدقاء وأَسَرُّوا لك به لأنهم اطمأنوا الى كونك تحفظ الأسرار. ما من شك ان كثيرا من الأخبار يتعلـق بأمور الناس الشخصيـة ويـؤذيهم أن تُعرَف. ما يمتّ بصِلـة الى الحياة العائلية والى أتعاب الناس او ما يواجههم من صعوبات في حياتهم المهنيـة تُكشف لك لكـونك قادرا على النصيحة او من باب بث الشكـوى او وصلت اليك لكون الناس يتسلَّون بما يحلّ بالناس.

         قد تعـرف تفاصيل ائتُمنتَ عليها لتساعد على حلها. إن نقلتـها لمن كان الكلام عنـه وسَمَّيتَ من نقلها اليك تجعل خلافا بين من حدَّثك ومن انت تحدثـه، ولهذا قال الكتاب: “الساعي بالوشايـة يفشي السر، والأمين الروح يكتم الأمر” (امثال 11: 13). قد لا تقصد الوشاية ولكنها الثـرثـرة ساقتـك الى الحكي.

         عنـدما تشعر بجـو حار وأنّ كبيـرا في القــوم روى لك شيئا عن كبير آخر فامتنعْ عن روايـة هذا الكـلام حتى تبـقى موضوعَ ثقـةٍ وحتى يجتنب الكبيران الخصام. اذا أَسَرَّوا لك بأمر وأحسستَ انك قادر ان تساعد  فاستعمل من هذا الكلام ما يفيد وما لا يُدخل التشنـج الى النفـوس.

         ليس الكاهن وحده مرتبطا بسرّيـة الاعتراف. كل منا مقيَّد بكتم ما عَلِمَ به الا اذا آذى سلامة الدولة او كان فيه تخريب للكنيسة. لا ينبغي مثلا ان يحدث صِدام كبير في الرعية دون ان يعلم به المطران حتى لا تتصدع وحدة المؤمنين. غير هذا يكون من باب الثرثرة. كل إفشاء لمتاعب الناس وخطاياهم نميمة. النميمة خبر صحيح لا تجوز روايتـه.

         النقد البنّاء يجري بينك وبين من تريد إصلاحه. احيانا يجوز لك ان تحلل كلام الناس من حيث انه كلام أُذيعَ، وان تنقده موضوعيا، ولكن لا يجوز لك ان تذم قائلـه. ربما ساغ لك احيانا ان تحلل تصرفا بات مكشوفا او مواقف عُرفَتْ، ولكن لا تدع الناس يحزنـون بسببٍ من انتـقاد لاذع كثيرا ما أخفى حقدا.

         المجتمع الكنسي مليء بالأخبار الباطلـة.  وعند الفحص يتبين لك ان الكثير الكثير عارٍ من الصحة. لماذا مَن عَرَفَ خبرا عن اكليريكي لا يذهب اليـه ويعاتبه بدل ان ينشر الخبر في مجالس الثرثارين؟ هذا باع وهذا تَمَلَّـك باسمه الشخصي. كيف تثبت هذا؟ القال والقيل تجعل النفـس في حزن، وكثيرا ما كان الحزن شديدا.

         الخلاص في الصمت. “ان كان احد فيكم يظن انه دَيِّنٌ وهـو ليس يلجم لسانـه بل يخدع قلبـه فديانـة هذا باطلـة” (يعقوب 1: 26). وقمـة القـول: “اللسان نار. عالم الإثم. هكذا جُعل في اعضائنا اللسان الذي يدنس الجسم كلـه ويضرم دائرة الكون ويُضرَم من جهنم” (3: 6).

         القاعدة في هذا ان تمـدح الناس في غيابهم وان تكتم ذنـوبهم حتى يحجب الله عن عينيه ذنوبك. لا تَقُلْ إلا ما هـو نافع للبنيان. واذا لم يُفشَ ما قلتـَهُ في الخفاء فأقلُّـه انـه يعثّر. اذا عَرفـتَ شيئا من هذا القبيـل فانسَهُ لئلا يصيبـك انت قنـوط وتقع بواقعيـة مريرة وتهـمل رجاءك. اذا تأكد لك خطأُ واحدٍ من الناس فاذكر هذا الأخ في دعائك وانسَ الخطيئة، لأنك ان أَقمتَ على احد خطيئتَهُ فالخشية ان تقع انت فيها. لا تذكر سيئـة ولا تحاسب عن سيئـة لأن هذا باب للحقد.

Continue reading
1997, مقالات, نشرة رعيتي

سلام المسيح/ الأحد في 3 آب 1997/ العدد 31

تبدأ الطلبة السلامية الكبرى في القداس الإلهي والخِدَم الأخرى بقول الشماس: “بسلام إلى الرب نطلب”، اي نرجو ان نكون في سلام مع الله لنتمكن من الصلاة. ثم نقول “من اجل سلام كل العالم”. وهنا يبدو للسامع اننا نطلب السلم العالمي بين الدول، ولكنه سرعان ما يفسر: “من اجل السلام الذي من العلى وخلاص نفوسنا”. وهنا يتضح انه ان كان صلح بيننا وبين الرب نتمكن من إشاعة الهدوء حولنا في العلاقات الشخصية، في العائلة وفي المجتمع. السلام الذي لا يتصدع بمصالح الدول والأفراد والخصومات ضمن العيلة او الرعية هو الذي ينزل عليك من فوق.

          المؤلم ان في الدنيا صالحين في كل الشعوب ولكن السياسة ليست في ايديهم. والفاهمون كثيرون، وما السياسة في أيديهم “والإنسان ذئب للإنسان”. وسوف تبقى الحروب بين الشعوب القوية والشعوب الضعيفة ما لم تتحول الشعوب في رقي اخلاقي عظيم وتنمية وازدهار لتفهم ان مصالحها هي في ان تنمو جميعا وتنمو معا ويظل كل شعب على فرادته وأصالته وحقه في الاختلاف. ان نؤمن بحرية الآخرين شرطا للسلام، واكتمالا لسلامنا نحن، هذه قمة في حياة الشعوب.

          وهنا يبدو من المعقول ان تبقى مجموعة بلدان فيما بينها في سلام موطد بعد ان تكون اكتشفت أن الحرب يدمرها جميعا ولا يبني شيئا ولا يؤمّن سيطرة وأن من تستبعده سوف يثور عليك ليستعبدك. هكذا اخذت تتجلى – بعد مخاض عسير- ان الطمأنينة عبر الحدود ممكنة لأن القيم الانسانية صارت اقوى في النفوس من التوحش. ربما كانت المجموعة الاوربية مثالا على ذلك. سعي الى تعاون وربما الى توحُّد نتج عندها من كونهم ذاقوا مرارة حروب وتبنّوا مبادئ من الإنجيل ترجموها قِيَما اجتماعية عندهم. طبعا هناك قناعات اساسية ذات مصدر ديني تتشبع بها المجتمعات وتتحول سياسة.

          في الأساس ما حاولَتْ هيئة الأمم ان تعمله سلام مؤسَّس على حقوق الإنسان التي صارت عند اهل الغرب قيما مقبولة، موضوعة في تعبير بشري، دنيوي دونما صلة ظاهرة مع الإنجيل ولكنها آتية من الإنجيل ما في ذلك ريب.

          هل نحلم بسلام عالمي؟ هذا كله متوقف على الصدق وليس في معظم الدول صدق. والصدق بدوره ناتج من التعفف عن العنصرية وشهوة التوسع والسيطرة الاقتصادية. اجل، سيبقى على عشرات بل مئات من السنين امرا ضبابيا.

          نحن إلحاحنا على العدل. لا سلام بلا عدل للجميع. قد يُفرَض السِلم ولكنه لا يبقى. بطريقة او اخرى، إن لم يكن “سلاما من العلى” لا يستقر في الأرض. هذا هو معنى البشارة عند مولد يسوع. “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام”. إن تَنزَّلَ نزل عليك شيء من فوق تنشره هنا سلاما.

Continue reading