Monthly Archives

March 2016

2016, جريدة النهار, مقالات

الإنسان المريمي / جريدة النهار – السبت في 26 آذار 2016

الإنسان المريمي هو الآتي من الله بالروح والحق. ولكن عليه ان ينتمي إلى التوحيد. ان يوحد الله تعني ان يعتبر ان ليس له ثانٍ أي ليس له مثيل ولا يجمع اليه آخر فلكونه غير مكتفٍ بذاته يعطيك ذاته. مريم لم تأتِ من أحد بمعنى انها لم تستمد ذاتها من أحد. كانت النعمة وحدها تنشئها. بهذا المعنى كانت آتية من الله. وإذا كان هناك معناها المطلق فإنها ليست مدينة لأحد بمنزلتها عند الله. لا يعني شيئا ان لها أبا واما. هي وليدة الله بمعنى يفوق العقل.

هذه العلاقة المباشرة بين الرب المعطي والإنسان المعطى له لا تكررها علاقة أخرى في الوجود. لذا صح في نظري ان تعتبر علاقة بعض بالله وحدانية. ليس لكونهم لا يحبون البشر بل بالعكس إذا استقووا بمحبة الرب يوزعون أنفسهم توزيعا عظيما على الناس وإذا صح ان نعتبر مريم أم المؤمنين الموحدين فهذا لكونها مستقلة عنهم تمام الاستقلال. هي منهم بالجسد وأعلى منهم بسبب من طهارتها الكاملة. المؤمن الحق ملتزم الدنيا وليس منعزلا عنها. وفي لصوقه بالدنيا يبقى ملازما الرب. أنت لا يصح ان تنعزل الا عن الأشرار. الصالحون تلازمهم لأن بعضا من صلاتك يأتي منهم. الصالحون في مشاركة، في سر تعاطي الحق الذي فيك. في الحقيقة نحب بعضنا بعضا لكي نعرف الله. ليس من معرفة بالعمق بيننا بالتعاطي العميق الا بالمحبة المتبادلة. الفرد الذي ليس عنده محبة للآخرين لا يحب الله لأن الله تراه في الآخرين. ان تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك وان تحب الناس وصية واحدة. لا تستطيع ان تحب الله ان لم تكن مع الآخرين. الله لا تراه ولا تستطيع الحكم انك معه ان لم تحب الإخوة. الله الذي معك وفيك هو الإله الفاعل. لا رؤية لك غير هذه.

مريم حصتنا جميعا إذا صارت لنا مثالا. نحن مريميون ان ولدنا المسيح في الآخرين. وهذا في تراثنا مطلوب. أنت مريم أخرى ان أعطيت الناس المسيح.

مريم أم يسوع بالجسد ومنه بإشعاعها. الإنسان المريمي هو الآتي من الله بالروح والحق أي الذي لا يترك شيئا لنفسه إذا ارتمى على ربه: «أنتم في العالم ولستم من العالم»، العالم مكان الوجود. أنت مع الله في هذا العالم وفي غيره ليس لك مكان.

مريم عرفت ان مكانها هو المسيح أي انه منشئها. اتمنى الا يلجأ إليها وحدها مسيحي في الدعاء لأنه ان لم يتلازم اسمها واسم يسوع لا تكون شيئا.

كل قيمة العذراء انها من ابنها. فإذا نظرت إليها على حدة تلاشيها. ليس لنا ان نرى أحدا خارج المسيح. بلا المسيح لا يبقى لأحد وجود. سرنا في الكنيسة التراثية اننا إذا رأينا إلى القديسين يكونون مع السيد وإذا رأينا إليه ولم نذكرهم يكون هو معهم. هو لم يفصل نفسه عن أحبائه. أليست معية السيد والذين هم له هي الحقيقة التي يراها أبوه؟ لماذا يظن بعض اننا إذا ذكرنا مع المسيح أحباءه نكون في حالة إضافة بشر إليه. من قال لكم انه لا يحب ما تسمونه الإضافة؟ أليست هذه توحيده بأحبائه؟ أنا ما شعرت يوما إذا سمعت المؤمنين الآتين من التراث انهم إذا ذكروا مع السيد القديسين يريدون ان يضموا إليه كيانا لا يحبه. من قال ان القديس يرى نفسه شيئا؟ لماذا هذا العزل المصطنع بين من نسميهم قديسين والمؤمنين الآخرين؟ الكاثوليك والأرثوذكس الفاهمون لا يعيشون ازدواجية إذا ذكروا المسيح وأحباءه معا.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

استقامة الرأي / جريدة النهار – السبت في 19 آذار 2016

غدًا هو الأحد الأول من الصوم في كنيستي ويسمى أحد الأرثوذكسية وتعني في العربية أحد إستقامة الرأي. منذ القرن الرابع أو قبيله استقامة الرأي تدل عند أصحابها على التراث السليم الذي تسلموه من الأوائل وضد الاستقامة هذه الهرطقة أي البدعة. في هذا المقال المستقيم الرأي عبارة تعني المحافظ على العقيدة السليمة البارزة من بعد الأناجيل عند المسيحيين القابلين المجامع المسكونية وهي سبعة عند الكاثوليك والأرثوذكس وعند غيرهم هي أقل مع التأكيد على أن المسيحيين كلهم لا يختلفون في مضمون إيمانهم ولو قال بعض بأربعة مجامع ملزمة وآخرون بسبعة أو أكثر. بتبسيط الكلام ليس من إختلاف جوهري في العقيدة بين المسيحيين. كلهم يؤمن بصلب السيد وقيامته والثالوث وغير ذلك تفاصيل. بصورة عامة وأكيدة المسيحيون إيمانهم واحد أو كان واحدًا قبل ان تعلن الكنيسة الكاثوليكية أولية البابا وعصمته عقيدة السنة الـ1870.

نحن والكاثوليك والإنجيليون نقول في المسيح قولا واحدًا. أما إذا قال أكثرنا أن له طبيعتين وبعضنا أن له طبيعة واحدة فمضمون الكلام واحد أي إنه إله وإنسان معًا. ليس فريق يدمج بين ألوهية السيد وناسوتيته بفصل الواحدة عن الأخرى. في حقيقة المعنى المقصود ولو اختلفت التعابير لا فرق إطلاقًا بيننا في الحديث عن جوهر المسيح. اختلفنا في الكلام ولم نختلف في حقيقة إيماننا. فإذا كان الإيمان هو الإيمان بما هو المسيح فما من فرق بين أي فريق مسيحي وفريق آخر.

على صعيد الكلام في المسيح كلنا مستقيمو الرأي. الباقي كلام في غير المسيح. إعلان كنيسة روما رئاسة البابا وعصمته عقيدة السنة ١٨٧٠ كان شيئًا جديدًا. هل الكنيسة الكاثوليكية تخرجنا اليوم عن استقامة الرأي إذا لم نقل بعقيدة أعلنتها سنة ١٨٧٠ فقط إعلانًا رسميًا أعني رئاسة بابا روما وعصمته؟ ما أعرفه أن كنيسة روما لا تحسب الكنيسة الأرثوذكسية في حالة بدعة. ترى انها في حالة انشقاق والانشقاق حاصل في الكنيسة الواحدة ولا يؤلف كنيستين. في التحديد الدقيق الأرثوذكس والكاثوليك في حالة ابتعاد ما لم يصدر موقف رسمي من أية منها بتخطئة الأخرى عقائديا.

هل تتضمن عقيدة رئاسة البابا وعصمته المعلنة السنة ١٨٧٠ تخطئة صريحة للكنيسة الأرثوذكسية؟ إن تسمية كل واحدة للأخرى كنيسة شقيقة ليست تسمية تهذيب، انها قناعة. لا تعني كيانًا مستقلاً آخر. حتى الآن لم أعثر على نص كاثوليكي يتهّم الأرثوذكس بالانحراف العقائدي أو الكنسي. نحن إذًا في موقف التناظر بين إخوة. في اللاهوت لا نستعمل تعابير للتهذيب الإجتماعي. ومهما إشتد النزاع بين المتعصبين فالمهم وحدتهم التي يراها المسيح.

أنا ارتضي من المسيحيين من لا يخاطب مريم في الصلاة على الا يكفر الذين يخاطبونها. صلّ كما شئت ولا تفصلني عنك. أنا أعرف من البروتستانت من يحبون مريم حبًا كثيرًا. لا يخاطبونها بالصلاة هذا شأنهم على الا يكفروني إن خاطبتها. ليس عندي شيء على من لا يحب أن يخاطب مريم على أن يتركني حرًا في مخاطبتها. أنا أحزن أن مسيحيًّا يأبى أن يخاطب مريم لكن لا اضطره إذا رأى في أنه في ذلك يفتقر من حبه للمسيح.

من رأى إنه إذا استشفع القديسين ينقص من محبته ليسوع هذا له ومن رأى أنه يحب القديسين مع يسوع فهذا له أيضًا. لا يكفر بعضنا بعضا بلا سبب. الله يدين من يشاء إذا أتت دينونته. لا تستبقوا الدينونة حسب خاطركم. من أنا لأدين أحدًا؟ الله وحده يدين.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الرؤية / جريدة النهار – السبت في 12 آذار 2016

أنا لست غريبا عنك يا رب لأني أراك. قربني اليك كي أشبع من رؤية وجهك. ما من وجود الا في وجهك. ألقِ نورك على الناس كي أراهم. ليس في أحد من نور الا ذاك الذي ينزل منك. بقدر ما يتشبهون بك يصيرون وإذا سعوا إلى وجوه يتيهون. ربِ اكشف وجهك حتى نرى. لأنك أنت الذي تضيء الوجوه فنقرأك عليها. لا اريد ان اعرف الا وجهك. خلصني من الوجوه.

لا تجتمع الظلمة والنور. بدد ظلام العالم كي يصبح كله نورا فنراك فيه. من أنا يا رب؟ انا لست احدا حتى تسميني. ولن تسمي الا ذاك الذي أحببت. ان تحب هو ان تعرف. هل تعرفني يا رب قبل ان أصير ما تريده ان أكون؟

أنا أصوم لكي يظهر فقري ان كل شيء منك. الصوم إذا سرنا إلى أقصاه خبرة العدم أو الموت. لذلك جعلوه قبل يوم القيامة. يجب ان تصوم جيدا لتأتي من الجوع أي من العدم وتعرف ان المسيح كل شيء. صومك لا يزيد على المسيح فيك شيئا لتذوقه. كل ما تقوم به ان لم يقدك إلى وجه المسيح جليا باطل. لا تكفي العذراء ولا القديسون ليكشفوا لك المسيح. مرة في حياتك ان ذقت انك كنت في حاجة إلى هذا الوجه تعرف انك لا تحتاج إلى آخر. يكفيك حتى تفهم كل شيء. آخر المعنى انك اذا لم تحظ برؤية يسوع واحدا ووحيدا لا تكون رأيت شيئا. القديسون لا يضيفون على نوره أية لمعة. هو لمعانهم. تلقائيا إذا رأيته في عمق تراهم. هو يجمعهم اليه في القيامة. فإن عيّدت تلقاهم. لا تفتش عن القديسين. هو إذا جاء اليك يأتي بهم اليك. صح انهم إضافة ولكنهم إضافة تشع بنوره.

من رآهم رآه. من رآه يرى الآب. رؤية المسيح تبدأ في انك لا تستطيع ان تشهد وجها آخر بذاته. ان تتحير بين وجه السيد ووجه آخر يعنى انك ما رأيت السيد. ان تحب يسوع تعني على الأقل الا تقارن بينه وبين آخر. ان كنت قادرا ان تراهم فيه تنقذهم. ولكن ان أحببت يسوع لا تلغي أحدا لا تقدر ان تراه منفصلا عن يسوع او آخر عنه. من احببت تحبه في المسيح اي لا تحب فيه شيئا يخالف المسيح وإذا لم تفعل هذا تكون عابدا لمخلوق. الوجوه الجميلة لا استقلال فيها عن السيد لأنها تكون سائدة عليك. أنت تجمع الوجوه إلى المسيح أي تحب ما تراه فيها منه والا كانت من هذا العالم. كيف تكون غيره ولا تكون منه؟ كيف يكون أحدنا مستقلا عن المسيح ولا يكون بزاوية منه من المسيح؟ هل تعد من أحببت ام تجعلهم واحدا في المسيح؟ الرب يسوع وحده يعدد من أحب ويجمعهم فيه لأنه المكثر والموحد. كيف تراه واحدا ووحيدا وتراه المكثر معا؟ ان تكون واحدا معه ولا تكون في عزلة. أنت تعرف هذا ان فهمت انك معه وحده تنال كل شيء اذ لا شيء بدونه. الراهب نسميه في اللغة الأصلية المتوحد أو بالأقل المستوحد بمعنى انه انفصل عن كل شيء وجعل نفسه واحدا في المسيح أو جعل العالم كله فيه لما صار هو في المسيح. كيف يرى المسيح وحده ولا يصبح بطريقة ما هو المسيح؟ هذا هو سر الحب ان الاثنين يصيران واحدا ولا يُلغى واحد منهما.

في الرؤية ترى المسيح وحده ولا تشاهد نفسك. هو يراك لأنه يحبك أنت موجود في محبوبيتك. وعند ذاك لا تسأل عن موضعه وهو لا يراك الا في موضع محبته. هي مكان وجودك.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الدينونة / جريدة النهار – السبت في 5 آذار 2016

مذهل نص الإنجيل في كنيستنا غدا حيث تجمع كل الأمم إلى المسيح حتى يدينها فيميز فيها بين الخراف التي هي له والجداء التي ليست لأحد أي يفرق بينها بمعنى انه يعلن اعتراف بعض به وبعد بعض عنه. في الحقيقة ان ما يعلن انه سيكون هو كائن لأن الله يدين قبل اليوم الأخير ما دمنا عائشين فتفرق بين قلوب له وقلوب ليست له أو في كل قلب بين ما هو له وما هو عليه. الله كائن أبدًا ولا يرجئ دينونته. هو الجامع والمفرق، هو العارف من هم في السماء ومن هم في النار. وما الدينونة سوى الإعلان الصريح عما كان كل واحد منا عليه. من هنا ان الواعي روحيا لا ينتظر الدينونة الأخيرة ليجعل نفسه تحت حكم الله. الدينونة إذًا عملية دائمة لله، حكم له في كل مخلوق. لذلك حق اعتقادنا اننا نكون هنا في السماء أو هنا في الجحيم على رجاء الرحمة.

طوبى لذلك الذي جعل نفسه تحت حكم الله أي ذاك هذي يعترف انه خاطئ دائما أي طوبى للذي لا يرضى عن نفسه ويرى أبدًا انه في حاجة إلى الرحمة. من اعتقد ان خطاياه مغفورة له دائما بلا توبة نزل إلى الجحيم. يعجبني دائما قبل بدء المناولة عندنا ان الكاهن ينادي: «بخوف الله وإيمان ومحبة تقدموا». خوف الله يسبق الإيمان والمحبة. المسيح لم يلغ خوفنا من الله. ضم إليه المحبة. العهد الجديد لا يلغي الخوف الذي في العهد القديم. ينقيه إذ يجعله توطئة للمحبة. المسيحية ليست اختلاطا عاطفيا مع الله. هي قبول لمحبته وتاليا خضوع له. هي التزام منا بعد ان كانت منه التزامًا بنا.

في هذه الثقة تتم دينونة الله، ولكن ليس من غفران الا بعد قبولنا ان ندان ونخضع للحكم. لا محبة لله عندنا الا إذا قبلنا دينونته أي إذا قبلنا تطهيرنا منه. من لا يقبل الدينونة يخلط نفسه بالله وهذا جحود.

يخطئ تاليًا من اعتقد ان الدينونة هي حصرا في اليوم الأخير. انها عملية جارية بيننا وبين الرب. أنت لا تصعد إلى السماء فقط في اليوم الأخير. أنت الآن في السماء أو في النار، هذا تابع لمقدار حبك. بكلام آخر إذا دنت نفسك لا يدينك الله. السماء قائمة ما دام الله والجحيم قائمة ما دام الله والله فيهما بفاعليتين.

Continue reading