Monthly Archives

November 2010

2010, مقالات, نشرة رعيتي

ما الحياة الأبدية؟/ الأحد في 28 تشرين الثاني 2010 / العدد 48

هذا الرجل أو الشاب الذي جاء الى يسوع كان من الوجهاء حسب عدة ترجمات اي عضوا في مجمع يهوديّ أو القيادة اليهودية (السنهدريم). ينعت يسوع بأنه صالح. هذا غلوّ في المدح اذ لم يكن يعلم أن المسيح إله وبالإله وحده يليق المديح أو التمجيد. سؤاله ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية يدلّ على أنه يعتقد انه يجب أن يأتي بأعمال منظمة أو كثيرة لينال الحياة الأبدية. يذكر له السيد بعض الوصايا على سبيل المثال. هل كان الشاب يفتش عن شيء غير الوصايا أو كان مقتنعا ببره؟

كان السيد يعرف أن بعضا من الناس يتمّمون الوصايا ولكن ليس لهم لقاء حقيقي مع الله. يأتيه يسوع بسلوك لم يكن اليهود يعرفونه. «بع كل شيء». كان اليهود يعتقدون أن الغنى والأملاك من بركات الله.

يُعوزك ألا تُدخل حُبّ الأشياء الدنيوية الى قلبك، أن تجعل قلبك في ملكوت الله الذي هو الحياة الأبدية التي انت طالبها. اذا وزّعت، اي اذا بات قلبك منسلخا عن عشق المال وهذه الدنيا، يبقى لك كنز في السماء. ثم قال له: «تعال اتبعني».

لماذا اتّباع بشر (حسب رأي هذا الرجل يدعى يسوع). لو اتّبعه كان فهم أن هذا الإنسان ليس مجرد بشر. كان هذا الزعيم متمسّكا بالمال وربما بمركزه الديني في المجتمع اليهودي.

أن ينسلخ عن كل شيء مغامرة كبيرة عنده. كيف يؤمّن معيشته اي استقراره؟ يبقى مع الله فقط؟ هذا لا يبعث عنده شعور الطمأنينة. لذلك حزن وترك يسوع. اذا كان التحرر من التعّلق بالدنيا شرطا أساسيا للحصول على الملكوت، يعني أنه عليه أن يختار بين الملكوت وهذا العالم. هذا أمر صعب عبّر عنه الإنجيل بقوله ان هذا الإنسان حزن ولم يشأ أن يعتمد الاتجاه الذي عرضه عليه السيد.

لذلك قال الرب: «ما أعسر على ذوي الأموال أن يدخلوا ملكوت الله». هؤلاء قلوبهم في كنوزهم أو كنوزهم في قلوبهم. ثم قويت الصعوبة عند قول الرب: «انه لأسهل أن يدخُل الجمل في ثقب الإبرة من أن يدخل غنيّ ملكوت الله».

فإذا رأى إنسان تزيد أمواله كان عليه أن يعي الخطر على خلاص نفسه. هذا الخلاص مهدّد. فإذا شال أمواله من قلبه، ماذا يضع محلّها؟ يضع محلّها المسيح، ويتعامل بالمال تعامُلا كما تقتضي الحاجة. يعبد الله وحده فيصير إنسانا حرا. في حريته يستطيع أن يخلص. يوزع كثيرا حتى لا يعشق ما بقي في صندوقه أو حسابه المصرفي. هذا التوزيع ليس له حدود عندنا. القلب الذي سكنه الرب يتّسع كثيرا. والله ساكنه يوحي له بالعطاء الكبير.

وضعنا اليوم في لبنان تذكير للأغنياء والموسرين أن الفقراء كثيرون وأنهم يحتاجون الى حنان الله، وهذا الحنان يأتيهم ممن عنده مال وأَحبّ. هذا الذي دنا من الجوع يسألك الله عنه. اذا استطعت ان تنتشل أولاده من الموت، يكتب لك الله ذلك في سفر الحياة.

Continue reading
2010, جريدة النهار, مقالات

الموت / السبت 27 تشرين الثاني 2010

هذا يبدو لي المسألة الوحيدة في الحياة. نحن متمسكون بالحياة لأننا لم نُخلق لنموت ولكن الإنسان أُعطي ان يختار الموت فاختاره فحلّ عليه قصاصًا لمّا ارتضى ان تغلبه الخطيئة المندسّة في كيانه وكأنه لم يصدق ان أمر الخطيئة فيه جديّ جدًا. لم يُرد ان يتصوّر انها تقضي عليه. الجنس البشري معطوب اذًا؟ كل منّا يولد معطوبا هذا واقع نفسنا وجسدنا. لذلك تقول المسيحية بأنه لا بد من مخلّص. هل يرمِّم المكسور نفسه؟ هل يسلم المشلول ويمشي من ذاته؟



نحن نقول ان ما من انسان يحيا ولا يخطئ. فرويد اكتشف ان كلا منا مصاب بعُصاب اي ان في كيانه التواء. ولكن فرويد لا يقول ان احدًا خاطئ. لا يهمّه الأمر كلّه. الشعور الضخم بالذنب عنده عقدة. لماذا يموت؟ ليس في هذا عند العلماء مشكلة. الجسم مختبر خيميائي يختلّ فيه التوازن بين الملح والبوتاسيوم. لا يدخل اليه الأوكسيجين بما فيه الكفاية. تعمّ الأعضاء الفوضى. لماذا يكون كل هذا؟ لا جواب عند العارفين بجسمنا. يعزي بعضنا بعضا بالشعر ان بقينا على صعيد علم الحياة. لا أحد يعرف كيف نرث الموت.



الذي نسميه النزاع -بكلمة عربية واضحة- يدلّ على اننا رافضون الموت طبيعيا من حيث اننا نحس ان فراق الحياة ضدّ ما كنّا نصبو اليه في وجودنا الأرضي. اجل نحن وارثون الفكرة العبرية ان الله يحيي ويميت لاعتقادنا انه سبب الوجود وزوال الوجود. ولكنا نعرف ان الله كله وجود ولا أثر فيه للعدم. وكذلك نعرف من سفر التكوين ان الله سمح لآدم بالموت اذا هو أراد فالله اذًا ليس منشئ الموت. فسّر ذلك بولس بعد ذلك بقوله: «أجرة الخطيئة هي موت». تسرب هو الينا بتسربها. كيف كان هذا؟ لا نعرف الكيف الا بصورة الحية اي بعامل هو خارج الإنسان. ليس عندنا كلام عن منشأ الخطيئة في الإنسان او من الانسان. الموت سر كما الحياة. ظرفه او سبيله الينا هو الإثم اي هذا الذي لم نعد له ولكن انفتحت له الحرية.


# #
#

كيف مالت الحرية الى ما ينتقص منها؟ كيف فقدت الكثير من جمالها؟ كيف تخبّطت؟ في جنوحها بات الشر حدثا وغدا ثقيلا جدا، حملا لا يُحمل هو القاعدة المنظورة او المألوفة وان لم يكن في نشأة الخلق. من يرى الينا لا يرى فينا سمة الخلق الأول. فُقد الجمال الأول، وصارت طرقنا طرقًا الى السقوط ثم الى الفناء فتلازمت الخطيئة والموت الى ان ينبلج فجر الحياة الجديدة بالمنقذ.


في كل هذا ما موت المسيح؟ المسيح تطوع للموت. هذا يجب التأكيد عليه كثيرا لنفهم موتنا في المسيرة التي دشنها يسوع. فإنه ان مات لأجلنا تكون الخطيئة قد امحت بموته كأنها لم تكن. هذا هو المعنى الأول للخلاص. جوهر هذا المعنى ان الحب قاد يسوع الى الموت. ومعنى المعنى انه أراد ان يلازمنا في كل شيء وفي هذا العدم المنظور الذي يسمى الموت. وفي هذا حررنا من خوف الموت حسب قول الرسول: «فاذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو ايضا كذلك فيهما لكيما يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت…ويعتق اولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعا كلّ حياتهم تحت العبودية» (عبرانيين 2: 14 و15).



هذه هي الخطوة للنظر الى أنفسنا أحرارا من وطأة هذه القباحة الرهيبة التي هي الموت. لقد أعطانا الناصري الا نخاف. هذا ممكن عند الذين بلغوا في الإيمان درجة علينا وكأنهم قاموا من بين الأموات. يبقى النزاع من حيث هو ذروة الألم ان كنّا واعين له. النزاع هو المشهد الأخير الذي يترجم تناقض الحياة والموت. ولك ان تعبر من الحياة الجسدية الى الحياة الأبدية وانت في صميم النزاع وان تصعد وتطمئن وتذوق بدايات الخلود. وقد يبقى فيك الإنسان العتيق الذي صاره آدم بعد أكله من شجرة معرفة الخير والشر.


كل منّا عتيق وهو لا يعي عتاقته الا اذا اهتدى الى المسيح اهتداءً كبيرا. قلّة عزيزة لا تخشى نهاية الوجود الأرضي.


الفداء لم يلغِ الموت بمعنى ان القيامة العامة لا تزال مرجوة. ومن بعد ان غفر لنا الرب كلّ آثامنا بقيت فينا آثارها اي كثير من الخلل الداخلي العميق ولكن بقي لنا قيامات بالتوبات وتطلع الى النور الذي يحلّ فينا من بعد موت. ونعبّر عن هذا في دستور الايمان بقولنا: «وأترجى قيامة الموتى والحياة في الدهر الاتي». لماذا لم يتابع الدستور بداءته ليقول هذا: «اؤمن بقيامة الموتى». ربما لأنه في ما سبق تحدث فقط عن الإيمان بالله ولا ايمان الا به اما الحادثة اعني قيامة الموتى فتدخل في مقولة الرجاء.


# #
#


بهذا نقول اننا لا نموت كالوثنينن او الملحدين الذين لا رجاء لهم. لقد أضحى الموت مع المسيح ليس فرحا بل باب مفتوح على النور الذي لن يحلّ بكلّ قوته الا عند مجيء المسيح الثاني. وعندما يقول الرسول: «آخر عدو يبطل هو الموت» يبقى هذا عدوًا حتى بعد اعتناقنا المسيح ولكنه عدو مغلوب في رجائنا. «أين شوكتك يا موت، اين غلبتك ايتها الجحيم» (1كورنثوس 15: 55).


يعني كل هذا الكلام اننا بالمسيح لم نصالح الموت. «وطئ الموت بالموت». لقد صالحنا مع القيامة. نموت غير مقهورين وعينا قلبنا مفتوحتان على الملكوت الذي أطلّ علينا بالمسيح «اقترب ملكوت السموات». نذوق الأشياء التي وُعدنا بها ذوقًا. اجل يوحنا الذهبي الفم بعد انتهاء كلام التقديس في قداسه يقول عن القرابين انها «كمال ملكوت السموات» هذه عندي شطحة صوفيّة لتوحي ان جسد الرب ودمه الكريمين هنا يشبهان الملكوت الآتي بقوته اذ بعد ذلك نموت ولنا على المخلص الدالة نتحول بها عن «المحاكمة والإدانة».


وقد يكون أعظم نعمة ننالها في النزاع او قبله ان نحسّ بانضمامنا الى صدر يسوع وهذا الانضمام هو المغفرة والوعد. هذه هي الطمأنينة التي نصل اليها فيما نشعر بأن الموت على الأبواب. يقرع الباب ونتوقعه ونعرف انه ديس بقيامة المخلّص. نعرف انه هو الغالب فينا واننا ننسلخ عن حضن هذا العالم لنرتمي في حضنه محبوبين ونعرف انه يرفعنا الى صدره لكي نفهم كل شيء.


والفهم هو المجد. لذلك نتكلّم نحن على اجساد ممجّدة اي بانسكاب الضياء الإلهي عليها. كذلك نعرف ان نور المخلص سينزل على الكون بكامله فيسقط منه التراب ليمسي نورا كاملا. وكما قال الله في البدء ليكن نور فكان نور وكان هذا يوما اول سيقول في الأخير ليعمّ النور الخليقة كلها فيقول ربنا للخلائق: هذا هو اليوم الثامن الذي ينهي الأزمنة القديمة لتكون سماء جديدة وأرض جديدة نسيجهما كله من نور. «فلن يكون موت». (رؤيا 21: 4).

Continue reading
2010, مقالات, نشرة رعيتي

والدة الإله/ الأحد في 21 تشرين الثاني 2010 / العدد 47

عيد دخولها الى هيكل اورشليم منذ طفولتها يعود الى ما بين القرنين السادس والثامن للميلاد. هو عيد رمزيّ معناه أن الله هيّأ مريم منذ وقت باكر لتصبح أُمّ يسوع وتُقدّم لنا الخلاص به.

ما من حدثٍ مذكورة فيه العذراء قبل البشارة.

اختيرت القراءة الإنجيلية اليوم لنذكر مريم باسمها، ولكن المذكورة في القراءة هي أُخت ألعازر. التلاوة الإنجيلية تتحدث عن بيت فيه مرتا وعن أُخت لها اسمها مريم. هذه «جلستْ عند قدمي يسوع تسمع كلامه». هاجسها لاهوتيّ. اما مرتا فكانت مرتبكة بشؤون البيت. هذا أمر ذو أهمية ولا سيما أن عندها ضيفا كريما.

نعرف من إنجيل يوحنا أن هذا البيت كان في بيت عنيا. بعد دخول يسوع البيت وجلوسه، قالت مرتا للسيد: «يا رب أما يعنيك أن أختي قد تركتني أَخدم وحدي؟ فقل لها أن تساعدني». يسوع يستطيع أن «يمون» في هذا البيت. إذ ذاك أجابها المعلم: «مرتا، مرتا، إنك مهتمّة ومضطربة في أمور كثيرة، وإنما الحاجة الى واحد». لم يقل: الحاجة الى شيء واحد، ولكنه قال: الى واحد. ربما عنَت الكلمة الحاجة الى شخص واحد وهو أنا. ثم أكمل قوله: «فاختارت مريمُ النصيب الصالح الذي لا يُنزع منها». العمل الأصلح أن نُصغي الى يسوع ونسمع كلامه وتاليا أن نُحبه.

ينتهي الكلام عن مرتا ومريم. يبدأ كلام آخر من موضع آخر في إنجيل لوقا، اقتبسته الكنيسة من هذا الموضع وأَلصقته بالكلام الذي جرى بين يسوع ومرتا ومريم. في هذا الكلام الأخير «رفعت امرأةٌ صوتها وقالت له: طوبى للبطن الذي حَمَلَكَ». هذا كلام فيه تعظيم لوالدة الإله دون أن يتبيّن سبب هذا التعظيم. يسوع لا يُبدي رأيه المباشر في هذا التعظيم ولكنه يقول: «بل طوبى للذين يسمعون كلمة الله ويحفظونها». ليس المعنى أنّ الرب يُقلل من أهمية أُمومة مريم له. ولكنه يرفع أهميتها الى كونها تسمع كلمة الله وتحفظها. أهم من علاقات الدم علاقة الانسان بكلمة الله سماعًا وحفظًا.

هل يعني هذا أن والدة الإله كانت تقرأ الكتاب المقدس؟ هناك أيقونات تُمثّلها قارئة لما جاءها الملاك. هذا ليس غريبا، فما من شك أن علماء اليهود كانوا يُعلّمون المؤمنين. هؤلاء أكانوا أُمّيين أَم قرّاء كانوا يستمعون الى الكلمة في الكنيس يوم السبت كما يستمعون الى المواعظ في اللغة الدارجة.

هذا العيد إشارة من إشارات عديدة على أهمية مريم العذراء، في الوجدان الأرثوذكسيّ. اللافت أن النصوص المريميّة طوال الأسبوع وعلى امتداد الشهور كثيرة جدا. التابع ليسوع لا يسعه أن يُهمل في تقواه مكانة مريم في التجسد الإلهيّ.

Continue reading
2010, جريدة النهار, مقالات

مسلمون ومسيحيون في العالم / السبت 20 تشرين الثاني 2010

غاية في الصعوبة التكلّم عن علاقة هاتين الجماعتين في العالم بسبب اختلاط المستوى الديني والمستوى السياسي فيهما. من حيث المبدأ، الدين والدنيا متلاقيان دائما في الذهن الإسلامي على ما يقول معظم العلماء. من حيث الواقع، المسيحية في الرؤية الاسلامية هي مسيحية الغرب التي كانت منذ الحملات الصليبيّة دائما مسيّسة. هي كانت مدة مئتي سنة قتال بين الغرب الواعي مسيحيته والشرق. ثم جاء الاستعمار الذي استهدف بعض منه دار الإسلام. ولما كان الغرب دائما في حاجة الى عدو أبدل عداءه للشيوعية بعداء لدنيا الإسلام وامتلأ هذا الغرب منذئذ بدراسات علمية عن الإسلام فيها الجيد وفيها السيء.


المشهد هو ان اوربا متقدمة حضاريا على دار الإسلام بعد القرن الرابع للهجرة وكان قبله المسلمون اصحاب الفلسفة والعلوم. وأخذ الشرق العربي الحامل الفكر الإسلامي يتقهقر وانكفأ هذا في ترداد نفسه وعمّ الفقر الشرق بمعناه الحضاري والمعيشي وهذا ما يفسّر جزئيا انتفاضته العاصفة في حركات ارهاب مزوّدة بالسلاح المشترَى من اميركا التي صارت قلب الغرب او بالسلاح الذي صدرته اميركا. بكلام آخر ينحر الغرب نفسه بأسلحة هو ينتجها ولا يشرف ظاهريا على بيعها او توزيعها. اي انه هو الذي يغذي الاسلاموفوبيا ويذهل اذا تلقى نتائجها. في هذه الصورة من المسؤول عن إبادة مسيحيين في كنيسة عراقيّة؟


هذا يعني ان التلاقي بين المسيحيين (وهم غربيون دائما في عقل المسلمين) والمسلمين مستحيل اذ ما هو قائم بالحقيقة ليس الإسلام والمسيحية ولكن الشعوب المسلمة والشعوب المسيحية الغربيّة. هذا ما يقودنا الى سؤال اول هو قدرة العقل الإسلامي ان يفك نفسه عن مزج الدين بالدنيا او الدولة او العالم الإسلامي من حيث هو قوى مما يسميه القرآن الأولى بالمقارنة مع الآخرة اي كيف يترجم سياسيا قول الوحي: «وللآخرة خير لك من الأولى» (سورة الضحى، 4)؟ هل للأولى استقلال كامل عن الآخرة بحيث تكون دار الإسلام مسلحة بالضرورة ضد الغرب المتغطرس والراغب في دوس الفقراء؟ والسؤال الثاني هل من قوى في الدنيا المسيحية شرقية وغربية قادرة ان تبرز كنيسة منزهة عن شوق سياسي؟ ليس عندي جواب واقعي عن السؤالين. ولكن قناعتي اللاهوتية والتاريخية ان روسيا اذا استلهمت ارثوذكسيتها من جديد والبلقان الأرثوذكسي بعد انفصاله عن العثمانيين لا يكمن فيهما عداء للإسلام. الاتحاد الروسي فيه ما لا يقل عن عشرين مليون مسلم يعيشون في سلام. وأتاتورك بعد تخلصه من المسيحيين اليونانيين في الأناضول لم تبقَ في شعبه مشكلة مسيحية.


# #
#


لعلّ هناك سؤالا ثالثا. كيف يعود الغرب الذي اعتنق فعليا الرؤية الاسلامية بمزج الدين والدولة الى صفاء مسيحيته التي لا تعرف هذا المزج؟ هل تستطيع الدول ان يديرها قديسون؟


احد جوانب الوهم ان المسلمين مع محمد عبدو ورشيد رضا وربما المودودي اعتقدوا انهم في حاجة وحيدة وهو ان يتبنوا العلم والتكنولوجيا دون ان يغير هذا فهمهم للإسلام بسبب ان هذا فيه الرؤية الإلهية للإنسان وللكون ولا يحتاج الى رؤية جديدة الى الشريعة والى تفسير جديد للقرآن والى قراءة له تاريخية والإسلام أبديّ اللفظ وما تركه لنا السلف الصالح هو الحقيقة اي اذ وحّد بين الشرائع والفقه والتفسير من جهة وكلام الله من جهة. هذا كان رؤية مطلقة للإنسان والتاريخ الإسلامي مع ان الإطلاق هو وحده لكلمة الله. هنا عندنا مشكلة متروك حلها للمفكرين المسلمين. فهل من بروتستنية ممكنة في الإسلام؟


من جهة مقابلة تعلمنت الدول المدعوة مسيحية وهذا يعني ان لا رجوع في الحياة الأوربية والأميركية الى الله في الحياة المجتمعية. اجل غير صحيح ان اهل الغرب انقطعوا عن الإيمان. من قال هذا لا يتابع الفكر المسيحي في العالم ولكن هذا منفصل عن الفكر السياسي.


هذا يعيدنا الى لقاء فكر إسلامي مجرد عن السياسة والى فكر مسيحي ديني يشرف على السياسة ولا يتلقح بها اي هذا يعيدنا الى صفاء الحياة الروحية في الإسلام والمسيحية معا والى حوار بين العلماء والأتقياء بين الديانتين وأريد بذلك الى تديّن حقيقي فيهما. ان هذا يفترض قراءة محبة صافية من خيار المسيحية للإسلام ومن خيار الإسلام للمسيحية تفرضان التحرر من منافع الأرض ومن الحس بغلبة فكر على فكر خاليين من العنف. ان تبسط ايمانك بسلام هو ان تحب القليل او الكثير في الديانتين. العارفون في دينهم لا يخشون حركة مثل هذه غير ان هذا لا يمكن ان يتم في بلد يقوم على الطائفية السياسيّة. انا لا أنكر على لبنان رغبته في درس الحضارات بهدوء ولكن هذا يقتضي علما بالآخر كبيرا والسلام شرط للمحادثة.


هذا الحوار اذا كان قناعا للتبشير او الدعوة ليس بحوار. هو حرب بغير سلاح. انا لا أنكر شرعية التبشير والدعوة ولكن واقع الوجود يوحي لي بأن المليار والأربعة مليون مسلم والمليارين من المسيحيين سيتكاثرون كلّ في جماعته الى قيام الساعة. وهم كبير التفكير انه يمكنك إسلام العالم او تنصير العالم.


# #
#

ايّ تلاقٍ حقيقي صادق بيننا على مستوى العالم يفترض ان نستقل جميعا عن انصهارنا في اية كتلة دولية. هذا وحده يضمن لنا السلام بمعناه السياسي فلا احتراب بعد اليوم بسبب من تحررنا من كابوس التاريخ الذي فصلنا وبانسلاخنا عن العوامل السياسية الحاضرة التي يبغي اصحابها انقسامنا.



قد ينقصنا هنا ان نذكر ان علماءنا عاشوا فترة في بغداد يتساجلون لاهوتيا في البلاط العباسي في بغداد بدعوة من الخليفة بروح سلام وعلم وتهذيب وكان الفكر يعطى للفكر.


كل دارس للأديان يعرف ان بينها قربى وبينها مباينات غير قابلة للتذليل في معظم الأحوال ولكن الفرق ممكن فناؤه او تجاوزه في احوال وهذا يتطلّب دراسات مقارنة في الأديان ما يساعد على الرؤية السليمة لها.


الا ان المقاربة التي أعرضها هي ان المسيحيين والمسلمين في بلدان عديدة عاشوا ليس فقط في وئام ولكن بتعاون. الموقف الأمثل على ذلك فترة اولى في الحكم الأموي حيث كانوا هم الموظفين الكبار في دولة الإسلام لعلمهم بشؤون المال والإدارة والبحرية وكانوا عارفين بالإسلام وممارسين عباداتهم ويكتبون لاهوتا مسيحيا بالعربية اي ليس موجها حصرا الى الرعية. والصورة عن الأندلس خلال ثمانمئة سنة من التعايش في ظل الحكم العربي ان التفاهم الاجتماعي وكثيرا من تلاقي العلماء كان الوضع السائد.


الخلاصة من هذا الكلام ان التعاقد الاجتماعي بين اهل الديانتين مبدئيا ممكن اذا تيقنّا ان وحدة الدين ليست شرطا بالضرورة للوحدة الاجتماعية وذلك في ظل حكم مدني عصري في كل بلد. بإيضاح أعظم حدة الانصهار في الاجتماع وبناء دولة واحدة امران ممكنان من خلال الإدارة الطيبة للعيش المشترك. ان امورا اساسية كبرى في كل الحقول لا تحتاج الى وحدة العقيدة الدينية. يكفينا الاحترام المتبادل في صدق. غير ان هذا كله يتطلّب جهدا كبيرا موصولا يذهب بنا الى حد النسك. في اللغة المسيحية هذا يقال له المحبة وفي لغة الإسلام هذا رحمة او تراحم او مودة.


من اين تأتي الناس هذه الفضائل؟ نحن نرى انها تنزل عليهم اذا عرفوا العشق الإلهي او ما يقاربه. لا صليبية، لا فتح، لا استعمار، لا نصر من الله. بلا كل هذه لله حق ان يسود بكرمه الدائم لنكون، مسلمين ومسيحيين، كأمة واحدة.

Continue reading
2010, مقالات, نشرة رعيتي

السامري الشفوق/ الأحد 14 تشرين الثاني 2010 / العدد 46

مَثَل أي حكاية، من أجمل أمثال الإنجيل التي تدلّ على الرحمة المجّانية. تبدأ القصة بسؤال أحد علماء الشريعة (هذا هو معنى كلمة ناموسيّ)، والسؤال الذي طرحه هذا صادرٌ عن سوء نيّة، وهو «ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟». أجاب السيّد عن السؤال بسؤال: «ماذا كُتب في الناموس (أي في شريعة موسى)؟». أَعطني جوابا من الكتاب. فأجاب هذا الرجل: «أَحْبب الربّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل ذهنك وقريبَك كنفسك». هذه الوصية هي في الحقيقة مجموعة وصيتين، إحداها من تثنية الاشتراع (6: 4)، والأخرى من سفر اللاويين (19: 18).

أمام كلام يسوع سأل هذا المعلم الرب: ومَن قريبي؟ فقال له ان إنسانا كان منحدرا من اورشليم الى أريحا، فوقع بين لصوص اعتدوا عليه. في القرن الرابع يؤكد المغبوط إيرونيموس أن هذه الطريق الوعرة كانت مملوءة ببدوٍ يسرقون المارّة. كان كاهن من خدّام الهيكل نازلا من هناك من بعد أن أدّى خدمته الكهنوتية في الهيكل، كان نازلا الى أريحا حيث كان بيته. ثم مرّ لاويّ وهو من الذين كانوا يخدمون الهيكل. كلاهما عبَرَ ولم يهتمّ بهذا الجريح الملقى على الطريق. والمفروض أنهما تعلّما شيئا من الشريعة.

أخيرا مرّ سامريّ وهو غريب الجنس والدين أو ذو يهوديّة منحرفة. السامريون كانوا يَقبلون كتب موسى الخمسة وكانوا يرفضون كتب الأنبياء. هذا السامريّ كان علمانيا، تاجرا غالبا يمرّ بهذه الطريق. هذا استوقفه مشهد هذا الجريح «فلما رآه تحنّن»، وأخذ يهتمّ به وبجراحه، وأتى به الى فندق يرتاح فيه بعد أن ضمّد جراحه سريعا إذ صبّ عليها زيتا وخمرا، وكان أملُه أن يُكمل صاحب الفندق العناية به وأَعطى الإنجيل تفاصيل عن هذا.

انتظر المعلّم الناموسيّ جوابا من يسوع، ولكن الرب ردّ على سؤاله (مَن هو قريبي)، فقال هذا الرجل الذي صنع معه الرحمة. الرب لم يحدّد له من هو قريب الإنسان. لم يوضح له من هو القريب مباشرة. سؤال يسوع كان: «أيّ هؤلاء الثلاثة تحسب صار قريبا للذي وقع بين اللصوص؟». نحن لا نقول من هو القريب. نحن ندفع الإنسان أن يصير قريبا بالرحمة والمحبة لأي إنسان من جنسه او من دينه او ليس من جنسه ولا دينه.

هذا المثل يكمل كلام يسوع: «أَحبوا بعضُكم بعضا»، وإن كانت تعني أصلا أَحبوا أهل الإيمان، إنّما شرَحها بولس بقوله: «أَحسنوا الى جميع الناس ولا سيّما الى أهل الإيمان». ليست المحبة محصورة بشخص او بفئة، ولا علاقة لها بانتماء المُحسن الى عقيدة ولا بعلاقة المحسَن اليه بعقيدة او حزب. السامري الشاذّة عقيدته أَحسنَ الى سواه.

لا تنظر الى أية صفة في المحتاج لتعطيه بمحبة او تخدمه. أَعطِ ما عندك أو أعطِ نفسك بمحبة ترَ وجه الله على مَن ساعدت وأَحببت.

Continue reading
2010, جريدة النهار, مقالات

المسيحيون في الشرق / السبت 13 تشرين الثاني 2010

«كنتم خير أمّة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»

هل غدا الذين قتلوا المصلّين في العراق من أمة المسلمين؟ من يقول لهم انهم خرجوا عن هذه الامة اذ ارتكبوا المنكر؟ من الأزهر الى النجف الشريف مرورا بكل مسلمي الأرض من يتلو عليهم من كتابهم: «من قتل نفسًا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنّما قتل الناس جميعًا» (المائدة، 32)؟

لا استطيع ان أصدق ان مليار مسلم وما فوق لا يستطيع ان يضع حدًا لهؤلاء القتلة. خطبة الجمعة ضد الذابحين للمصلين الطاهرين لا تكفيني. الاستنكار في أفضل حال يعني ان عقلك او وجدانك لا يقبل إبادة عابدين لربهم وقت العبادة. الشجب فرض إنشاء في أحسن حال ويبقى الدم المهراق دمًا.

المسلمون امة متماسكة لا تقبل الضيم ولا تُذل. هي شاعرة بوحدتها وشاعرة بقوتها اي انها ترفض المظلوميّة اذا حلّت بها. غير ان هذه الأمة ظالمة لنفسها وقابلة لتشويه صورتها ان قبلت سلطان هؤلاء المجرمين على سمعتها. انا لا أفهم الا يتحرك المسلمون من مكة الى اندونيسيا ضد المانعي الحياة بقطعهم عن الأمة اية كانت التسمية الفقهية لرذل هؤلاء.

قيادة هذا التحرك الإرهابي ليست مجهولة الإقامة. والقادة يتجولون بحرية كاملة في بعض الأماكن الجبلية في آسيا ليست بعيدة عن رؤية الخبراء. والأقمار الصناعية لا تفوتها المعرفة. من يشرف على هذه الأقمار؟ الدول المجاورة وغير المجاورة عندها علم اليقين بهذا الوجود وهي صامتة اي ضالعة. السؤال هو من له مصلحة بإبادة الذين كانوا يصلّون في كنيسة سيدة النجاة. من يستفيد من قتل هؤلاء الشهداء؟ الدول المطلعة على جغرافية هذه الكنيسة في بغداد ما هي؟ الشهداء انتقلوا الى المجد السماوي ويضموننا الى وجه الآب ويشددون الكنيسة لأننا الى أجسادهم المجيدة نحن منضمون. أُسكت صوتهم بلحظات طعنهم وأخذهم مخلصهم الى صدره لأنهم باتوا أحبة.

دماؤهم قدّست العراق ورفعت شعبه البريء الى حضن الله. عظم العراق بدمائهم وعظم المسلمون الصادقون، الخيرون لأنهم وحدوا الناس جميعًا بشهادتهم التي أرست مقدارا من البر في هذا الشعب العربي المصلطة عليه سيوف الاجرام الى ان يقوم الله ويحكم الأرض. والى ان نحج معًا الى القدس.

# #

#

اذا كانت مقادس الشرق زرعت في أرضه البرارة لماذا يجب ان يموت الأبرار، لماذا ينبغي ان تداس الطفولة. ولكن بورك الله وتعالى لتنزل نعمته على الدماء الطاهرة وتنطق بالحق.

من بعد ألمي أشفق على القاتلين الذين أوصاهم كتابهم الا يلبسوا الحق بالباطل (البقرة، 42) ولكني وددت ان أقول لهم انهم لن يقدروا ان يقضوا على المسيحيين لأن لهؤلاء سرا في تاريخهم وهو ان الشهادة منذ العصر الروماني كانت تكثرهم لأنها شهادة حبهم لمن آذاهم. هم غافرون أبدا ولا يحقدون لأن الحقد امحاء الانسانية في الانسان ويخطئ من ظن ان له ثمرا. «من أخذ بالسيف بالسيف يؤخذ» (متى 26: 52). من يبيد الآخرين يبيده الله ومن لا يستعمل السيف الله مملكته وحسبه الله.

حاولنا كثيرا ان نقتنع اننا لسنا اقلية لإيماننا في هذا العصر الحديث ان البشر باتوا مقتنعين ان الدين في القلب وانه ليس اداة تسلط او تفريق وان الناس قادرون برفق ربهم ان يعيشوا معا وان يتشاركوا بحق وان يتجلّوا في كل علوم الأرض ويخدموها لمنفعتهم جميعا. وها نحن نرى ذلك في هذا البلد ونفرح له. ونموذج المشاركة الوطنية عندنا يمكن تصديره الى كل العالم العربي الذي كنا نحيا فيه معا حتى الآن. ولكن لنا عين على العراق وعين على مصر والأقباط الأحبة يستشهد منهم بعض كلّ سنة. وان كنت تعرفهم كما أعرفهم انا ترى ان ليس احد يتفوّق عليهم بحبهم لمصر وبخدمة لهم علمية فائقة في هذا البلد العظيم. الى هذا نوقن ان سوريا ولبنان وما بقي من فلسطين سالمة من الأذى الطائفي ولا محل للخوف على صعيد المواطنة ورجاؤنا الا يمتد داء العراق الى هنا لئلا تفقد العروبة ما فيها من بهاء مسيحي. اما اذا خشي الناس على مصير اولادهم فلا تحملوهم مسؤولية الهجرة. انها المرض العظيم.

في تموز او آب السنة الـ 1975 كان المطران ايليا الصليبي راعي الأرثوذكسيين في بيروت قد جمع في دارته شخصيات لبنانية مسلمين ومسيحيين وكنت هناك فانتصب الشيخ بيار الجميل وقال نحن المسيحيين خائفون وتصدى له تقي الدين الصلح رحمهما الله كليهما وقال له: أليس من العيب على الإنسان ان يخاف فأجابه بيار الجميل أليس العار على انسان اذا أخاف. لست الآن في صدى دعم هذا وذاك ولكني أقول ان الخوف عيب على من مارسه وعيب على من تلقاه لكوننا في المواطنة منزهون ومتعالون عن كل خشية بشرية. احتسابي اننا في لبنان يؤمن أحدنا بالآخر. غير اني أود ان اؤكّد هنا ان ليست فئة منا راعية لفئة اخرى وان الوطن كافٍ ليرعانا جميعا. لا ذمية بعد ان الغتها السلطنة العثمانية في القرن التاسع عشر من القانون وأرجو الا تبقى في الذهن لأن الباقي على أرض الوطن والمهاجرين عنها، اذ ذاك، في خطر.

اود ان أعتقد ان ليس من مشروع يسمى أسلمة الأرض اذ يعني في آخر المطاف ان يهجر المسيحيون اماكنهم بسلاسة وتهذيب.

أنا مؤمن ان المسلمين اللبنانيين جديون وصادقون عندما يؤكّدون تمسكهم ببقاء المسيحيين. لقد نما بيننا الشوق من زمان بعيد والصداقات طيبة كما علاقة العائلات. غير ان هذه العلاقات يجب حمايتها سياسيًا واقتصاديًا فيما نقوّي الدولة كل جوانبها.

الا اننا اخوة مع مسيحيي العراق ومصر واسرائيل وفيها خوف خاص على المسيحيين بعد إعلان نفسها دولة يهودية ولست ابرئها بشكل او بآخر من الاختلاط بالحركات الإسلامية المتطرفة تكفيرية كانت ام غير تكفيرية.

ومسك الختام اننا ملقون على صدر المسيح الذي وعدنا بأنه يكون معنا الى منتهى الدهر. لأنه هو -لا نحن- الدهر كله. نوقن اننا باقون حتى مجيئه واننا أحياء في هذا الجسد او خارج هذا الجسد. ولكن هذا عند المسيحيين والمسلمين مشروع تقوى الى ان يرث الله الأرض وما عليها.

Continue reading
حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة, مؤتمرات الحركة

كلمة المطران جورج خضر في افتتاح مؤتمر حركة الشبيبة الارثوذكسية الـ 42 / دار سيدة الجبل – ادما / الجمعة 12 تشرين الثاني 2010

يا اخوة لن أتكلم كثيرًا عن الحركة في جوهرها إذ ليس لها جوهر وليس لها كيان إلا هذا الذي وضعه الله لأنـها حركة الله. لذلك ليس من تفاهم ممكن بين الذين يعرفون حركة الرب في نفوسهم والاخرين الذين يريدونـها مجرد تحرّك بشري لأنهم هم فقط بشريون جسديون. ليس لهم تفاهم مع الذين يأتون من الروح. كلّ هذا الصراع… ناتج عن كون من يرانا محرَّكين من الروح أو غير محرَّكين من الروح. هذا أساسي، من هنا أنّ التلاقي بين ابناء هذه الكنيسة سمّيناه منذ البدء حركة، وعلينا بحركة الروح فينا وليس تحركات الغيرة والحماسة. فالحماسة لا تنشىء تجمّعًا عمره سبعون سنة.

بعد هذا القول لا بدّ أن ننظر إلى تشكيلتنا كناس، إلى تلاقينا كبشر. أول شهادة أوّد أن أودّيـها بعد أن سمعت شبابنا، زمنًا بعد زمن، وأنا أعرف أن أصغي، أن كلّ أجيالنا واحدة بالرّوح. قد يكون جيل أضعف من جيل بمقدار ولكن ليس جيل بعدُ غريبًا عن هذا الجوهر الأساسي الذي جئنا منه. أنا ما وجدت في تعقبي لحياتنا الحركية، زمنا بعد زمن، جيلا لا يفهم الأساس الذي بُنينا عليه، أو جيلاً انحرف عن التوجّه الأوّل. لذلك رأيت في ما يقولونه، منذ سنوات وإلى اليوم، من أنّ المؤسِّسين كانوا شيئا واللاحقين كانوا شيئا آخر، أكذوبة ذكية. إنها أكذوبة التفريق. الشيطان هو الذي يفرّق. هذا تحديده الأول في الكتاب المقدس. الحياة المسيحية كلّها محبة، الله محبة، ليس من تعريف عن الله حقيقي سوى أنّه محبة. كلّ ما يسمونه الثالوث الأقدس هو تحرّك الحبّ بين الآب والأبن والروح القدس. لذلك من جاء من البغض لا يستطيع أن يفهم أن الحركة هي حركة الروح الإلهي.

الشيء الثاني الناتج عن الأوّل أنه ليس لنا وليس فينا عبادة أشخاص، نحن جماعة أسلمنا لله… بالمحبة وبتنا اخوة. ليس لنا من عنصر تجميع توحيد، إلا كوننا إخوة، والاخوة تعني أنك مع أخيك لكما أب واحد وأم واحدة، وأن هويته أن يكون أخاك. نقول إن المحبة تمتدّ إلى الافاق، هي أفقية أيّ تجمع الذين هم تحت الله، وتشمل الذين لهم أب واحد وهو الآب الذي السموات. إذا كنا اخوة نصارع أنفسنا، نصارع شهواتنا حتى نبقى كذلك، فلا نحتدّ ولا نغضب. الكلام الذي سمعتم منذ عشرات السنين أنه انتم مع بعضكم البعض تتكلمون نفس الكلام ومتراصّين مع بعضكم البعض، كأنكم شخص واحد، هو مديح وليس تهمة.

الآن قد نجد عصبية الأخوة. يوجد تعصّب ضمن العائلة الواحدة، تعصّب الأخ لأخيه، لأمّه. يمكن أن نسقط في هذا ربما، ولكن حسب ما أثبت اختبارنا فإنّ هذا العمل بنّاء، يجعل كلاًّ منا متوكئأ على الآخر، يسنده، يرفعه، ينقّيه. حسب الطبيعة البشرية… يمكن أن يُغرى بعصبية المتلازمين، الإغراء ممكن، ولكن ماذا يعني القائلون: أنتم فئة؟ هذه تهمة أقبلها، يعني أنّ كلّ مجموعة بشرية تقول بمبدأ واحد وترتبط به حياتها هي فئة. هذه تـهمة حلوة لا يجب أن نرفضها. ولكن، طبعًا، في عقول هؤلاء أنتم فئويون، تستكبرون، تستعلون، وترون انفسكم مقرّبين لله أكثر من سواكم… وهذا ما يجعلكم في تحزّب.

هل فينا تحزّب، أم لا؟ هنا نحتاج إلى أن نفحص ضمائرنا وقلوبنا، وإذا وقعنا في هذه الخطيئة نندم عليها ونعتبر الآخر أخا لنا… قيل لنا، في الأجيال الأولى التي عاصرتها، إنكم “بتشوفوا” حالكم، بتفهموا. هذا قيل لي عشرات المرات، أنتم تفهمون أكثر من غيركم، أنا المطران جورج أقول لكم: نعم افهم أكثر من غيري، اذا كنت أدرس الانجيل وأتفحصه، استوعبه، استدخله كياني. لا اريد أن أفحص كل واحد منكم وأدخل إلى عقله لأعرف إذا كان يفهم أو يدّعي. العارف أقلّ يتدرب ليفهم أكثر. هذا ليس كبرياء، أنا أقدر أن أتعهد هذا الفكر الذي أبشّر به، ألتزمه، أنشره، إذا كنت افهم فهذا يعني أني أنشر فهمي ليصبح الناس جميعًا فهماء… أنا لا أزعل إذا اكتشفت أن أحدًا يفهم أكثر مني لأنه يكون قد اقترب من المسيح، لكن لست مُستعدًا أن أساوي بين من أدركه المسيح وصقله ونقّاه، بين من قبض عليه المسيح، ومن لم يقبض عليه.

أنا اعتقد أنه يجب أن نتخلّص من تهمة كوننا فئة لأنها صحيحة، بمعنى أننا ندرك عمق القضية التي التزمناها وبهاءها، لأنها قضية الأنجيل والانجيل هو كل شيء. الذي يقرأنا ويعرفنا واعتنق المبادئ الستة، هذا دخل هذه الفئة، صار منا، دون ان يحضر اجتماعاتنا. هذا هو التفريق الحقيقي. من أخذ موقفنا وتبنّاه بطل جاهلاً، ما عاد خصمًا ونحن حاضرون لنقول أن هناك ألوفا من الناس أقدس منا، وهناك بعض الناس أقوى منا في معركة الإيمان المسيحي. نحن لا نميّز بين المنتسبين إلى الاجتماعات وغير المنتسبين. سنة 1945 كابي سعادة وهو أحد المؤسسين، رحمه الله، وضع مسرحية ومُثلت هذه المسرحية في منطقة اللاذقية وموضوعها: متى تنتهي الحركة أو تُلغى! منذ البدء كنّا واعين أننا تيار ولسنا تجمّعا حزبيا وليس لنا رغبة في أن يبقى هذا التنظيم، أن يبقى الروح، أن يبقى التيار، وطبعا الخبرة ورؤيتنا للطائفة الأرثوذكسية. ان التراخي الأرثوذكسي موجود، الجهل قائم. التنظيم هو الذي يجب أن يبقى لأنه الضمانة لاستمرار الروح القدس في الجماعة، يجب أن نبثّ في قلوب الناس ما يصير بهم حركيين بالروح.

الأمر الثاني المرتبط بهذا ما يُسمى الأبوة الروحية. ما معنى الأب الروحي في اللاهوت الأرثوذكسي؟ هذا انسان يلدك في المسيح لأنه وحّد نفسه مع المسيح وتنقّى كثيرا، وعنده فهم روحي عظيم بحيث إنه يستطيع أن يعطيك المسيح. هذا الانسان نادر الوجود. لذلك نكتفي أحيانا كثيرة بكاهن يتقبل الاعتراف ونقبل شيئا من حكمته وعمقه الروحي… هذا الذي اقترب من الأبوة الروحية. ما وظيفته؟ نحن ما عندنا شيء مثل “مرجعية التقليد” عليك أن تتبع تفاصيل ما يقوله لك المرجع في المذهب الشيعي وتصير مقلّدًا، نحن ليس عندنا، كأرثوذكس، مرجعية لاهوتية. الأب الروحي في كنيستنا هو من قدّم لك كلمات انجيلية أو مِن الآباء حتى تدنو من المسيح، ولكنّ لا يقول لك مثلاً: اترك هذه وتزوج بأخرى، لا يستطيع أن يتحكّم الأب الروحي بحياتك ومشاعرك. يقول القديس الروسي نيل (القرن الرابع عشر): “إذا لم تجد أبا روحيا إقرأ الانجيل وهو يكون أباك الروحي”. الأشياء بهذه البساطة، “أنتم انقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به”.

المهم الأخوّة الروحية بينك وبين الشباب والآخرين. إلى هذا يأتي الكلام على علاقتنا بالأسقف، الأسقف يعني المراقب، ولكن من يراقب وماذا يراقب؟ هو يرى المواهب الروحية لأنه أخذ شيئا من الروح القدس بوضع الأيدي عندما رُسم، ويراقب المواهب عند ابنائه، من لديه المواهب الادارية أو التدبير (كما عند بولس الرسول) نسند إليه عملاً إداريا، من يفهم باللاهوت نسند إليه منصب تعليم. حين قال بولس الرسول “أطيعوا مدبريكم” فهو افترض أنه على قدر محبته فإن كل كاهن أو اسقف يسهر على نفسك. جعل بولس الرسول دائما ساهرا. الحُجر الذي نسلّمه للكاهن هو لسماع الاعترافات ولا يصنع منه أبا روحيا. الأسقف يراقب المواهب ويعظّمها ويدفعها إلى الأمام أو إلى فوق، هو خادم المواهب ويُسرًّ بالمواهب.. الأسقف يرى ويجمع المواهب مع بعضها البعض وينمّيها، وعندما ينمّيها يصير أبًا روحيًا، وإن لم ينمها يبقى مطرانا ولديه وظيفة محدّدة في “المجتمع” الأرثوذكسي.

أخيرًا وصيتي أن تقرأوا يا اخوة، هناك فرق بين من يقرأ ومن لا يقرأ. الانسان الذي يُصرّ أن يبقى جاهلاً أو يعرف قليلاً لا مكان له عندنا لأنه لا يستطيع أن يخدم. عليك أن تعرف أقصى ما يمكن، عليك أن تحب إلى آخر حدود المحبة، لأنك بدون محبة لا يمكنك نقل فكرك إلى الآخرين. عندما نرسم كاهنا، بعد أن تتم الاستحالة نسلّمه الحمل ونقول: “خذ هذه الوديعة”، نعطيه قربانا لكنه وديعة، إنها تشير إلى الجماعة، إيّ إلى الكنيسة، ونقول “واحفظها سالمة حتى مجيء ربنا يسوع المسيح حيث أنت مزمع أن تسأل عنه”. أخذتم الحركة وديعة ، حافظوا عليها لأنَّ الرب سيسألكم إذا كنتم مخلصين.

Continue reading
2010, مقالات, نشرة رعيتي

المسيح سلامُنا/ الأحد 7 تشرين الثاني 2010 / العدد 45

من هموم بولس في هذا الفصل من الرسالة الى أهل أفسس أن يُبين الوحدة التي قامت بموت المسيح وقيامته بين اليهود والأمم (الوثنية). لذلك ذهب الرسول الى القول الأخير، فلم يقل ان الرب أقام السلام، ولكنه قال انه هو السلام. كان اليهود يحتقرون الوثنيين، فجاء بولس وقال ان السيد «جعل الاثنين (أي الأُمتين) واحدًا، ونقض في جسده حائط السياج الحاجز (وهو الناموس الفاصل بينهما) وأبطل ناموس الوصايا» أي الفرائض الشرعية (لا تمسّ الموت، منع أكل الخنزير) لا الفرائض الأخلاقية المتمثّلة خصوصا في الوصايا العشر.

لم يقل بولس في رسالته ان اليهود والأمم صاروا أُمة. قيلت في مكان آخر انهم صاروا «إنسانا واحدا جديدا»، ويعني بذلك أنهم صاروا جسد المسيح. وأوضح توا بعد ذلك أن هذا صار في الصلب. ينتج من الصلب البشارة بالسلام.

ينتج من هذه الوحدة أن لليهود والأمم معا التوصل الى الآب في روح واحد أي في الروح القدس الواحد. فاذا كنتم في طريق واحد الى الله «فلستم غُرَباء بعد ونُزلاء». إنكم جميعا إخوة في الكنيسة و«مواطنون القديسين». ربما عنى بهذه العبارة مسيحيي أورشليم، وربما عنى جميع المؤمنين، وهي عبارة مرادفة لمن سماهم أهل بين الله.

«وقد بُنيتُم على أساس الرسل والأنبياء». يعني بالرسل طبعا الاثني عشر. «وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي». أما «الأنبياء» فتعني كلمة الأنبياء في العهد القديم، وهذا ما يُثبت لنا المعاني التي قصدها الله في العهد القديم الذي بقي في الكنيسة يُقرأ عشية الأعياد الكبرى وفي صلوات الصوم ومنها القداس السابق تقديسه.

وأيّة كانت الحجارة القديمة والحجارة الجديدة لهذا البيت (الكنيسة)، يبقى المسيح «حجر الزاوية»، وهو ما يُسمّى في لبنان «حجر الغلق» في بناية العقد الذي تتماسك به كل جدران الغرفة. لذلك يقول الرسول «ينمو هيكلك مقدسا في الرب». وهو هنا لا يريد الكنيسة كمبنى حجريّ ولكن جماعة المؤمنين كمبنى روحي في هذا البناء الروحي تُبنون أنتم يا أهل أفسس أيضا مسكنا لله في الروح (القدس).

بالمعمودية والميرون والقرابين تصبحون حجارة روحية في هذا المبنى الجديد المتناسقة أعضاؤه بالروح القدس. وتنمون كل يوم في الروح الإلهي الذي أخذتموه في المعمودية. كل منكم نال نعمة التبنّي لله، ومجموعتكم أبناء الله ناتجون من احتضان يسوع إياكم.

Continue reading
2010, جريدة النهار, مقالات

«اللهمّ ربِّ الأطفال» (قداس باسيليوس) / السبت 6 تشرين الثاني 2010

طفل له من العمر سنتان وثمانية أشهر بعد أن ودّعني قال لي: «سلّم على يسوع». لماذا جمعني مع السيّد؟ هل وجه الكاهن الملتحي ذكّره بأيقونة المسيح؟ أيًا كان الجواب العلمي المفترض أظن ان هذا الولد هو من دنيا لا يبلغها البالغون. أخته تتفوّه بكلمات لا يُصدّق ان مضمونها ممكن وروده عند طفلة كان لها من العمر خمس سنين لما قالت ما يفوق التصوّر عند ذوي العقول الكبيرة.

عند الشاب او الكهل لا يعني لي التفوّق العلمي شيئًا. هذا تحصيل ودربة على وراثة. الأطفال يرثهم الرب بدفء خاص ويتقبّلهم حضن يسوع القائل: «دعوا الأطفال يأتون اليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السموات». المعروف في كنيستي ان الطفل غير المعمّد كالمعمّد يقتبله الرب في مساكنه ولا يُحرم رؤيته. ذلك ان الله طريء وأيقونته طراوة الصغار حتى تزول الشراسة عن وجه الأرض.

نحن أمام سر لا نخترقه. ربما يدركه علماء النفس. ولكن ماذا تحت النفس الظاهرة، في قلب الكلمة؟ ليست مسألتي ماذا يأخذ عنك الطفل ولكن ما تأخذه انت عنه. كيف تتماهى دنياه ودنياك واللغة الظاهرة واحدة. في الحقيقة ان الألفاظ واحدة وما تعنيه لا تناله انت كما هو معطيه. انت امامه متلق ان رمت ذلك وان لم ترغب في ذلك تضيع عليك غنى كبيرا. ربما فقدت فرصة طراوة ترغب في استعادتها او فرصة بساطة على قدك لأن الصغير يعديك بساطة.

لاحظوا ان باسيليوس الكبير دعا الله ان يربي هو الأطفال كأنه يعرف ان تربية الوالدين قد تكون ضعيفة احيانا وقد تكون زائلة وان التعاطي بين الأجيال قد يكون مؤذيا وكأن باسيليوس يؤمن بأن الرب يهذّب الصغار مباشرة اي يرثونه ولا يرثون ذويهم. اجل من التربية ان تكرم اباك وأمك وقد لا يأخذ الوالدان من أولادهم شيئا في حين ان الخضوع يربي من يخضع ومن يخضع له. لا توريث في التولّد بالضرورة. الوراثة الروحية نعمة لا يعرف احد منا كيف تنزل اذا نزلت.


# #
#

أجل يتوسط الله ذوينا لإنشائنا على صورته. غير ان الرب يستغني عنهم احيانا وقد جعل نفسه ابا قبل الدهور. وهو يلدنا مباشرة بعطفه اذ ليس احد في الحقيقة وديعة عند أحد. ولو كان كل الناس اولاد ذويهم روحيا لماتت الانسانية اختناقا او تصحرت قلوبها. كل البشرية على الوسطاء التربويين الذين يتعاقبون لها علاقة عمودية مع الله اي انها تولد من فوق ويبقى فيها ما استحدثه من السماء. ترجموا هذا كما شاء تراثكم الديني نحن في هذا المعنى ابناء الله، ابناء كلمته وروحه الى ان يفسدنا الدهر او تحفظنا النعمة.

واذا أعطى الفضل الإلهي ذوينا ان يتوسطوا بين فضله ورعايتهم فالطوبى لهم. فيكون، اذ ذاك، انجابهم بركة لهم وتقديسا حتى لا يفتخروا بعطاء جاءهم وسلموه ليتزكوا هم ويجلسوا على آرائك حب إلهي يحسبونه هم حبا بشريا. لعلّ الكثير من سر الزوجية وما يعقبها من أبوّة وأمومة كامن في هذا الإمداد الروحي اذ البشر الذين تستخلف يظلون اجسادا او يصبحون مرشحين للملكوت.

أجل الملكوتية ليست حكرا على الأطفال ولكن لك انت ان تذوقها ان عرفت ان تبصر وتتبصر لئلا تدركك الشيخوخة الروحية وهي ليست محتومة ان أصغيت الى ما فوضك الله اياه للاعتناء بأولادك بوصفك وسيط الله للعناية.

تعب الوالدين الحقيقي انهم لا يعرفون المستقبل الروحي للطفل. عليهم هم ان يقتربوا من القداسة علها تنتقل ولكن الخوف انها لا تنتقل دائما او تنتقل عيوبهم مهما كانوا كاملين ذلك ان القلب البشري مسرح للحسنات والسيئات وقد تصدم السيئة قلب الطفل الكثير الحساسية. اذكروا ما قال السيد: «ويل لمن تأتي عن يده العثرات». مشكلة الحياة العائلية انها كثيرا ما تكون ظرفا للعثرات. وعندنا نحن اللبنانيين ميل للغضب والشتم والسُباب. هذه تجرح كثيرا ثم بعد جرحها او معه يتعلّم الطفل الكلام البذيء الطافح من قلب بذيء. ان لم تكن مالكا عفة اللسان فأولادك غير محصنين والشر اسرع انتقالا من الخير عند معظمنا. ابنك او ابنتك هدية الله ولكنها هدية له. ولدك وديعة عندك ونفسه مردودة اليه او تصبح فريسة للشيطان وانت تدان.

# #
#

قال لي رجل مرة في حديث بيننا دقيقة مسؤليته: انا متزوج منذ خمس وعشرين سنة ولم أسهر مرّة خارج البيت لأحفظ أولادي. هذا حد في التربية لم يبلغه الكثيرون ولكنه مثال يحتذى جلّه ان لم نستطعه كله. ان كنت تحسب زواجك تفويضا إلهيا هذا يتطلب منك نباهة كثيرة لئلا تخسر نفسك. ان كنت غير قادر ان تحمل ابوة الله يصبح زواجك ضلالا او لهوا او ظهورا اجتماعيًا ومكانا للتيه.

لم يولد الولد للغنج كما لم يولد للقسوة ولكنه جاء ليرث عطاء الله بواسطة راعييه اي أبيه وأمه. هل يجد ابنك عندك مرعى؟ هل يجد فيك حياة؟ هذا يتمّ ان بذلت نفسك عنه والا أكلته الذئاب. هل تريد ان يخطفه الذئب ام تطرد انت ذئبيتك وذئبيّة المتصلين به لتستحق ان تسمى راعيا صالحا؟

التربية مشكلة كبرى ولا تتم بلا الرضاء الإلهي ويقولون لك اجتنب الكبت. استاذ الكبت زيغموند فرويد لم يقل ان الكبت يأتي من التربية. قال انه يأتي من طفولة اعوجّت بسبب من العقد وهي ليست من مجال الوعي. ولكن ضبط نفس أولادك ليس كبتا. انه تطهير والتطهر فيه ان يحس انه قادر ان يصل الى بلوغ ناضج وهذا بعض من الاستقامة. والاستقامة مفتاح العظمة الروحية الكبرى.

تعلم من طفلك الطراوة والعلاقة المباشرة التي لا رياء فيها. تعلّم ان تبكي ولا تتعلّم منه ان تخاف. واذا عرف انه محبوب كثيرا يطرح عنه الخوف. بمعنى، ابنك معلّمك الارتماء في حضن الله كما يرتمي هو في حضنك. كل الحياة احتضان اي ثقة والثقة تقودنا الى التبادل الذي تكتمل به الشخصية. والشخصيّة الكاملة هي الشخصية الحرة التي لا انغلاق فيها.

انت لا تصر طفلا لأن هذا بعض من نقص ولكن كن كالأطفال في قلبك اي تحرّر من العصبيّة ومن القسوة، يبقى، اذا ذاك، قلبك كبيرا شبيها بقلب الله.

Continue reading