الأزياء العارية /الأحد 17 تموز 1994 /العدد 29
كتبت عن الاحتشام في الكنائس ولا سيما في الأعراس. ولكن «لا حياة لمن تنادي». اتساءل اليوم عما اذا كانت صبايانا والكهلات اصبحن غير حساسات الى هذا الجانب من عفتهن الذي يقضي بالحشمة في كل مكان. فالطهارة ليست ملزمة في المعابد فقط ولكن في المجالس كلها والطرقات، والذريعة طبعا ان طقسنا حار، ولكن الحر واقع على الرجال ايضا ولم يمت احد من الحر. وعندما نسأل: لماذا كل هذا العري يصفعنا الجواب: هذه هي الموضة، وكأن المرأة محكوم عليها بالعبودية للزي.
نحن لسنا ضد ان تبدو المرأة جميلة ولكن هل يقضي الجمال ان تكون المرأة مثيرة لمن وقع نظره عليها؟ لا يقنعني احد انها غير واعية لمفاتنها عندما تبرزها وانها لا تفتش عن ان تلفت النظر الى محاسنها بما فيه التخيل الفاسق عند الرجال. أليست المرأة مسؤولة عن رفيقها الرجل؟ انا اعرف بما سمعته من بعض الشابات ان الوالدات تحضهن احيانا على هذا التعري. وضعنا الأخلاقي اسوأ اذن مما تصورت.
القضية ليست قضية ازياء لأن الحديث في الصالونات ان الموضة هذه السنة هي في اتجاه آخر. المقصرات ثيابهن اذًا على موضة السنة الفائتة. التقصير بالتالي قائم على إرادة الإغراء وعلى اعتبار ان الإثارة الجنسية شيء طيب يعطي الفتاة كبرياء جسدها ويطوع الشاب لها لتشعر بعبوديته لها. هل في هذا انتقام من العفة التي اراد الرجل منذ التاريخ القديم ان يخضع المرأة لها ليتسنى له السيطرة عليها؟ الدراسات تدل على ان الرجل اراد الهيمنة على المرأة فارادت هذه ان تغير المعادلة وان تسيطر هي بدورها. هل محكوم على البشر ان تكون علاقاتهم علاقة السيد بالعبد؟ هل احست المرأة انها في استعباد فارادت ان تجعل الرجل اليوم عبدا لها؟
انا افهم الا تفكر المرأة بكل هذه الفلسفة. ولكن أليست هذه الفلسفة كامنة فيها؟ أليست تقوم بهذا التحدي وكأنها تقول: اردتَ استعبادي وانا اريد اليوم استعبادك. قاوم ان كنت رجلا. واذا قالت الصبية او الكهلة: أنا لا افكر بهذا فهذه مصيبة، وان فكرت وصممت فالمصيبة اعظم. الكارثة هي هذه ان الجسد بات عند الكثيرين منعزلا عن الشخصية بمعنى انه لم يبقَ تعبيرا عن علاقة انسانية وصار موضعا لاحتكاك اللحم باللحم او العيون باللحم.
والكارثة العظمى هي اننا نسمع بعض المواطنين غير المسيحيين يقولون: ان النساء نصف العاريات هن المسيحيات وان خصوصية المرأة المسيحية انها لا تبالي بالحشمة. اين بعض نسائنا من قول السيد: «ان من نظر الى المرأة ليشتهيها فقد زنى معها في قلبه»؟ كيف تريد صبايانا «المخشلعات» الا يزني الرجال بعيونهم؟ أليس عندنا فتاة او سيدة لتقول: انا شخص واحد مؤلف من روح وجسد واتصالي بالبشر هو اولا واساسا اتصال روحي وان هذا الاتصال تعطله إثارة الغرائز. انا ان كانت روحي حلوة، عظيمة يمكن ان اصير محبوبة. اذ ذاك، اعرف ان من تعلق بي يكون قد تعلق بمزاياي ويكون قلبه قد انجذب، واذا التقى قلبانا فجسدانا لا بد ملتقيان في علاقة طهور نسميها نحن المسيحيين زواجا. والزواج عندنا ليس استسلاما لجسد، انه قبول لجسد فتاة ارتبطنا بها في عهد ابدي.
الجمال توطئة للقاء ولكن الفسق ليس بلقاء. من اراد جسدا فقط يعرف ان هناك دائما جسدا اجمل منه. اما من ابتغى اتحادا قائما على فرادة، على بهاء داخلي فعلى ارتباط صادق ووحيد فهذا أثبت على العهد. كل الأجيال ذاقت الجمال ولكنها ذاقت معه الروح. هل حُكم على هذا الجيل ان يتلهى فقط بالأبدان والأقمشة التي تسترها قليلا؟ هل انطفأت الروح ولم يبق لأحد صبر على انتظار لقاء عظيم؟ ما يزيد دهشتي واستغرابي ان المرأة المتزوجة ليست اكثر عفة من العازبة. هذه التي نذرت ان يكون جسدها لغة تخاطب بها زوجها اي ان يكون هذا الجسد معروفا فقط لديه لأنه يريد القلب الكامن فيه، المرأة المتزوجة لماذا تضع نفسها في حالة استعراض للعيون الشرهة وكأنها مباحة للجميع وليست شريكة واحد أحد؟ انا اريد ان اقتنع.
Continue reading