Monthly Archives

February 2016

2016, جريدة النهار, مقالات

الابن العائد إلى أبيه / جريدة النهار – السبت في 27 شباط 2016

كل ما في المسيحية دعوة إلى الآب. الابن منه ونحن في الابن إلى الآب. ذلك ان المسيح عودة إليه وأنت في المسيح عائد إلى الآب. المسيح في الجسد لا يحجب الآب لاحظوا ان سيرة المسيح لا تنتهي عند الصليب ولا عند القيامة. هناك الصعود أي عودة الجسد، كل جسد إلى الآب. لا نقف عند المصلوب مع ان هذا يحركنا عاطفيا. الصليب ليس النهاية. هو الفاتحة. الآب هو المنتهى. لذلك كنت دائمًا أحس ان العيد الشامل هو خميس الصعود إذ ليس من مسيرة للسيد بعده.

التأكيد المفرط على المسيح ليس المسيحية. المسيحية تبدأ في كشفها التاريخي بيسوع الناصري ولكنها في العمق وفي المنتهى دعوة من الآب. الدين المسيحي لا يبدأ ولا ينتهي بعيسى. هو أولا دعوة الآب. صح انها دعوة في المسيح وبالمسيح ولكن وجهتها إلى الآب.

نحن لا تنتهي مسيرتنا عند الابن المتجسد ولكن عند الابن الصاعد إلى السماء أي تنتهي عند الآب. نحن ما بدلنا الآب بالابن. يبقى الآب هو المصدر ولو صار يسوع موضع الكشف. المسيح يأخذنا إلى أبيه. لذلك لا تنتهي الأعياد بالفصح، بقيامة المخلص، تنتهي بصعوده. بعد هذا ينزل الروح. التركيز الكامل، الوحيد، المطلق على المسيح ليس المسيحية. البداءة والنهاية الآب. الصعود يقفل أعياد الرب المتجسد. بعد هذا يأتي الروح القدس الذي إذا قبلتم العبادة يوزع الآب والابن.

يخطئ من اعتبر ان المسيحية ديانة عيسى. هي ديانة الآب ويسوع موزعها. من يحصر الله في المسيح يلغي الآب. لذلك التمجيد في كنيستنا مرسل دائما إلى الاب والابن والروح القدس.

لذلك المسحية ديانة المسيح بمعنى انه كاشفها. الأصل انها تقود إلى الآب. المسيحية ليست ديانة العيسوية. هي ديانة الله آبا وابنا وروحا قدسا، في تساوي الأقانيم، لا تنتهي إذا عند الابن في تجسده. ولا تنتهي بقيامة المخلص في الجسد. نهايتنا الآب بالروح القدس.

نحن لا نغرق الله في الابن المتجسد. النهاية نزول الابن إلينا بالروح القدس أي بإصعادنا إلى الآب. الابن وسيط لأنه كاشف الوساطة ومحققها أي انه في كل إنجازاتها قادنا إلى الآب. المسحية ليست فقط مجيء المسيح إلينا بالجسد. هي صعودنا إلى الآب بالروح القدس. الرب يسوع لا يريدنا ان نقف عند تجسده. يريدنا ان نسير معه بموته إلى الآب. الآب هو المشتهى. نحن نعيش في المسيح لمعرفتنا ان الآب هو المشتهى.

التوقف المفرط عند يسوع الناصري مخلصا خطر شديد إذا حجب عنا وجه الآب. شدد يسوع: من رآني فقد رأى الآب. المسيحية هي العيسوية القائدة إلى وجه الآب.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الفريسي والعشار/ جريدة النهار – السبت في 20 شباط 2016

مشكلة المسيح الأساسية مع الفريسيين انه في العقائد منهم وفي السلوك هم ليسوا له. انهم لأنفسهم والتقي الذي يعتز بنفسه ليس له لاعتباره ان فضيلته أتته من ذاته. يسوع الناصري في التصنيف العقائدي منهم. هم في السلوك ليسوا منه لأنهم من ذواتهم المنغلقة. هم مستقيمو الرأي وفاسدو الأخلاق من حيث انهم معتدون بأخلاقهم. الله يريدك ان تعترف بذاته عليك لا بذاتك على نفسك. مشكلة يسوع الناصري مع زعماء اليهود انهم يؤكدون أنفسهم وهذا لا يكون الا على حساب الله. أنت ان محوت نفسك بالتواضع تؤكد الله. لا تستطيع ان تؤكد الله والإنسان على سوية واحدة.

الفريسي كبير جدًا لأنه حاصل على العقيدة وعمقها. يمحو ذاته لأنه يؤكدها. أنت إذا آمنت بالله تجعله الوجود ولذلك لا ترى نفسك. لا نقر ان ممكنا بين رؤيتك الله ورؤيتك ذاتك. عندما تمحو ذاتك بالتواضع ترى الله. فلا تستطيع ان تعتبر نفسك شيئا إذ ليس فيك من شيء الا من الله. لك ان تقول أنا ما أنا إذا عرفت انك آتٍ من الله. اما إذا رأيت نفسك آتيا من نفسك تبطل إذ يلفتك الله. اذهب وقل أنا لا شيء لا يلغيك الله.

لك ان تعرف حسناتك روحية كانت أم فكرية. هذا ليس بخطأ. يصبح خطأ إذا افتخرت. اما قال الرسول: «من افتخر فليفتخر بالله». لا تقدر ان تؤكد نفسك والله معا. أنت في امحاء أمام الرب حتى يراك.

فقط هذا الذي أنكر نفسه بمجد المسيح. أنت تفكر انك صاحب نفسك إذ لا تملكها أنت ويملكها الرب معا. لا قسمة في الملك. ترعى نفسك ولكن تنسى أنك راعيها. إذ ذاك تكون فهمت ان الله مدبرها. ترعاها بإحلال الله مكانها.

التواضع إذا صح يعني ان الله وحده موجود وانك في امحاء نفسك تلقاه. عندنا انك تغيب وجهك ليظهر الله فيك. فمن تعاظم يبين الله له بانسحاقه انه لا يوجد الا إذا نظر إلى وجه الله. يبدأ من هذا الوجه ليكون له نور.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الجشع/ جريدة النهار – السبت في 13 شباط 2016

الدعوة الإلهية ان تتحرر من كل سلطة الا من سلطتها لكون الله لما يستعبد أحدًا. «لستم عبيدًا بعد. أنتم أبناء». والمالك يغريه الملك. المالك الذي يحب ملكه مملوك لما يملك. لذلك كانت الحرية فقط ان يملك الله بحيث تحس ان ما بين يديك ليس ملكا لك. هذا شرط شعورك ان ما بين يديك أشياء وليست أكثر. لا توجدك ولا تزيدك وليس دونها نقصان.

لك ان تعرف بحياة روحية عميقة ان ما بين يديك يكون أحيانا الغاء للوجود الحقيقي وتدرك بهاء كبيرا ان عرفت انك لست بما تملك ولكن ان امتلكك الله. هذا هو الفقر بمعناه الروحي العظيم. أنت بما أنت وبالحري بما يراك الله عليه وغير هذا باطل. فإذا اشتهيت الملك وأحسست انك تعظم به يتركك الله إلى اللاشيء الذي هو الملك.

عند لوقا: طوباكم أيها الفقراء أي الذين يؤمنون ان ربهم غناهم ولا يزيدون عليه ذرة من هذه الدنيا. ان تربي نفسك على ان ربك هو المبتغى هذه غاية مناك إذ ليس شيء آخر يبتغى. أنت مشته حقا إذا أحسست ان ذرة واحدة في الكون تزيدك شيـئا. وأنت لست بمشته ان آمنت ان الدنيا ليست بشيء يزاد عليك.

الدنيا في استعمالك لمجد الله وتمجيدك بالله ولكن في جوهرها لا تعطيك شيئا فوق قيمتك بالله. لا يستخدمك شيء أو إنسان. كن خادما للجميع بما يحتاجون إليه. اعطهم ما تقدر ولا تساعدهم على الجشع ان تأكل وتشرب مع أولادك وتدفعهم إلى المحبة هذا ما يكفيك ويكفيهم. مكافأتك فوق. وتعلم ان مواهبك الروحية تفوق كل غناك واصرف غناك لإنماء مواهبك الروحية.

في المزامير «بدد أعطى المساكين». أراد ان يقول بدد ليدعو إلى أعظم عطاء ممكن لأنك في فتح يديك تخلص.

الآخرون هم الوجود وأنت حقا لا تعرف انك موجود ما لم تنكر نفسك في سبيل الآخرين. إذ ذاك يعيد الرب نفسك إليك. لا تر إلى وجهك دائما في المرآة لستلذه تموت، إذ ذاك، موتا نرجسيا كذاك الذي تأمل بوجهه في البركة وغرق في رؤية وجهه ومات. فقط إذا رأيت إلى وجوه الآخرين تحب.

لا تستطيع بالمال ان تزيد على قامتك ذراعا واحدة. إذا كنت سعيدا في فقرك فأنت ملك. لا تشته شيئا يعطك ربك ما تحتاج إليه. كن أنت بالمحبة طعاما للآخرين ينموا وتنمو. يطعمك الله ما تحتاج إليه لا تخف كن فقيرًا إليه لا يتركك.

لا تصل إلى هذا ما لم تفهم انك بالمال لا تقدر ان تزيد على قامتك ذراعا واحدة. أنت، إنسانا، شبيه بالله وتنمو بنعمته إنسانيتك باستقلالك على كل الموجود. إذا اشتهيت تبقى على شهوتك ولا تكتسب شيئا. أنت لا تصير الا من ذاتك. لا تصير بأشيائك. الأشياء التي تزاد لك لا تصيرك أفضل مما كنت. أنت تنمو من ذاتك، من نعمة الله إذا نزلت عليك. لا تنميك أشياء اكتسبتها. لا تعظم ذاتك بما اقتنيت. قد يكون أي فقير محب الله وللآخرة أعظم منك.

ما قلت ان اكره المال. المخلص قال لا تستطيعون ان تعبدوا الله والمال. ان تعبد الله تعني انه بات هو لك كل شيء. ان تعبد المال تعني أيضًا ان المال صار لك كل شيء أي انك اقتنعت انك تتخذ حياتك منه. هذا حاصل لكثير من الناس. لذلك قد يقيمون كل صلواتهم ولا يلتقون فيها الله. عندما قال يسوع خذوا كلوا هذا هو جسدي أراد بوضوح انك قادر ان تأخذ الله إلى ذاتك وان تجعله من ذاتك ولا مكان فيك له ولغيرك معا. إذا كان الجشع ان تأكل أشياء هذه الدنيا تكون قد عنيت انك لا تقبل الله مأكلا لك وقد دعاك ان تأكل جسده وتشرب دمه. عندما دعاك يسوع ان تأكل جسده وتشرب دمه أراد بهذه الصورة ان يقول انك قادر ان تجعله إياك أي ان تجعل ذاته في ذاتك فتصيرها. الحقيقة انك لا تستطيع ان تأكل معا جسد ابن الله وشيئا آخر. لك ان تقرر ابتلاع جسد ابن الله لتحيا.

Continue reading
2016, جريدة النهار, مقالات

الإباحية / جريدة النهار – السبت في 6 شباط 2016

الإباحية في ما يُكتب وما يصور تدر المال لأصحابها. وبين المال والجنس علاقة حميمية. أنت تشتري من تجانسها. في الحب ليس للمال مكانة ولكن يبدو ان المال عنصر فاعل في العلاقات بين الجنسيين شرعية كانت أم غير شرعية. لما قال يسوع الناصري لا تستطيعون ان تعبدوا الله والمال كان فاهما ان الجنس معبود أي أنت مسلم نفسك اليه في شرعيته وغير شرعيته الا اذا كنت من قلة الأبرار.

الخفر هو أدنى ما نحن عليه، العفة أقوى من الخفر. وأضعف العفة الإمساك وعندنا نحن العيسوين المتنورين الإمساك هو في الجسد والذهن والروح وهذا من سلوك ليس من هذا العالم. ولكن على المرء ان يسعى وفي هذا تسعى المسيحية التراثية. لا تقول المسيحية العفة هي في الإمساك اذ تدعو العامة إلى الزواج ولكنها تقول ان المتزوج البار عفيف ضمن الممارسة. ليس التناقض عندها بين الجنس والعفاف ولكنه بين الطهارة والدنس والدنس بالجسد يكون أو بغير الجسد. القلب عندنا مكان الخطيئة. والقلب الله ساكنه أو هو عدم.

تبدأ الإباحية باعتبار الآخر وسيلة أي غير شريك. وهنا لا بد من تذكير المسيحيين بأن قول بولس الرجل رأس المرأة لا ينتهي الا اذا أردفت انه رأس المرأة كما ان المسيح رأس الكنيسة والمعنى الواضح ان ليس في الطبيعة البشرية تراتبا بين الذكر والأنثى ولكن الرجل يصبح رأس المرأة اذا سلك معها سلوك المسيح مع الكنيسة أي إذا أحبها حتى الموت. اما الذكورة خارج سلوك الحب فوضع بشري ليس له قدسية. في موضع مما جاء في الكتاب ان الرجل رأس المرأة تعبير عن كونه الحكيم وكأنه يقول ان المعنى العميق عند بولس ان ليس من فرق بين الذكورة والأنوثة وان الفرق كله بين الحكمة والجهالة. والواضح اذًا ان ذكورتك لا تعطيك حقا على المرأة وتبقى الأولية للحكيم.

فالادعاء بأولية الذكر ادعاء قائم على قوة الرجل في المجتمع. فإذا كان الرجل تفهًا أو مجرما فمن أين يأتي بالأولية. كم من مرة عندما كنت أقيم زيجات الناس الذين كنت أعرفهم قلت في نفسي هذه العروس تضيع عقلها وحياتها ان خضعت لهذا الرجل التفه. الناس لا يعرفون ان الذكورة والأنوثة لا تهمان الله وان هم الله في الحكمة.

كل هذا التعليم التقليدي عن أولية الرجل في الزواج تعليم اصطنعه الرجال الذين لذتهم ان يستبدوا بالنساء. الأولية هي أولا للطاهر وثانيا للحكيم. الاختلاف التشريحي بين الرجل والمرأة لا يعطي الرجل حقا عليها. ليس الله سخيفا حتى يبني تعليمه عن الزواج على أساس تشريحي. أعضاؤنا لا تحدد أولية. الأولية للحكمة وهذه ليست محصورة بجنس. والمحب الكبير أو العاشق الكبير لا يريد نفسه آمرا أو حاكما. يرى نفسه خادما في الحب.

Continue reading