Monthly Archives

February 2002

2002, مقالات, نشرة رعيتي

الفريسي والعشار/ الأحد 24 شباط 2002 / العدد 8

معنى هذا المثل الإنجيلي نستمده من الآية التي سبقت هذا الفصل وهي هذه: “وقال (يسوع) لقوم واثقين بأنفسهم انهم أبرار ويحتقرون الآخرين هذا المثل”. هل كان هؤلاء فقط من الفريسيين؟ ربما كان السامعون من جملة اليهود. سرد القصة يبدأ بأن رجلا فريسيا وآخر عشارا (اي جابيا) صعدا الى هيكل اورشليم ليس في صلاة الجماعة ولكن بصورة فردية كما يحصل عندنا لمن يزور الكنيسة خارج الخدمة الإلهية.

         الفريسيون حركة او حزب أصولي بين اليهود يؤمنون بالقيامة والملائكة والأرواح بخلاف بقية اليهود الذين كانوا ينكرون القيامة ومنهم من ينكرها حتى اليوم. فلم يكن للسيد اعتراض على عقيدتهم بل كان قوله بالقيامة في خطهم المعتقدي. مأخذ الرب عليهم رياؤهم وادعاؤهم البر وما كان اكثرهم على ذلك. “انهم يقولون ولا يفعلون”. هذا من الإصحاح الـ 23 من متى الشهير بالويلات التي يوجهها المعلم اليهم: “ويل لكم ايها الكتبة والفريسيون المراؤون”. سبب تبكيتهم: “تظهرون للناس ابرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما”. انجيلنا اليوم يزداد وضوحه ان قرأنا من جديد هذا الإصحاح 23 من متى.

         العشارون هم ملتزمو جمع الأعشار او الضرائب. موظفون عند الرومان، وكانوا قساة على المكلَّفين اي يمارسون الهدر ويحتفظون بمبلغ من المال المجبي في جيوبهم.

         اخذ الفريسي واقفا في حضرة الله يلوم الخطأة ويمدح نفسه: انا لست مثل سائر الناس. يصفهم خَطَفة اي سراقين او جشعين (وفي هذا تلميح واضح الى الجابي الذي كان كذلك). هذه فضائل عظيمة كان يسلك الرجل بها. اللوم كان انه يفتخر بها وليس هو مصدرها بل الله. الأمر الثاني افتخاره بالنوافل اعني فرائض لم يفرضها الله في العهد القديم (أصوم في الأسبوع مرتين اي الاثنين والخميس). والأمر الثالث انه يعشّر كل ما هو له اي يقدم للسلطات اكثر مما فرضته الشريعة مثـل النعنع والشبث (وهو الشومار) والكمـون وهذه من النباتات التي لم يكن مطلوبا ان يعطى عشرها للدولة.

         مقابل ذلك الجابي الذي وقف عن بعد لأنه كان يحس انه لا يستطيع ان يتصدر في الهيكل. “ولم يرد ان يرفع عينيه الى السماء” وهي الوقفة الطبيعية لليهودي في الصلاة. يرى نفسه دون بقية الناس. لذلك اعترف بخطاياه جميعا بكلمة واحدة: “اللهم ارحمني انا الخاطئ”.

         “هذا نزل مبررا دون ذاك”. انت لا تستطيع ان تعتد بحسناتك. كبرياؤك هي الخطيئة الكبرى وهي تلغي امام الله كل حسنة عندك. لا تستطيع ان ترفع نفسك. الله وحده يبررك.

         واذا لم تكن على شيء من الفضيلة واعترفت بذلك اي اذا تواضعت فيرفعك الله. التواضع قمة كل الفضائل.

         حتى تظهر الكنيسة اهمية هذا التعليم، نستهل في هذا اليوم في صلاة السحر الترنيمة: “افتح لي ابواب التوبة يا واهب الحياة”، وتلازمنا منذ احد الفريسي والعشار الى الآحاد اللاحقة قبل الصيام وأثناء الصيام كله.

         يتضح من هذا ان الموسم الطقوسي الذي دشناه اليوم والمعروف بالتريودي انما هو موسم توبة، فكأننا نريد ان نقول ان كل تطهر نقصده من اليوم الى سبت النور لا نحصل عليه الا بالتواضع الذي كانت قمته على الصليب.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

المرأة الكنعانية/ الأحد 17 شباط 2002 / العدد 7

خرج يسوع من المنطقة اليهودية الى منطقة وثنية سماها الانجيل “نواحي صور وصيدا”. يلتقي امرأة كنعانية والكتاب يتكلم عن قومها بشيء من اللوم. سمّته ابن داود وهو لقب من ألقاب المسيح.

         طلبت شفاء ابنتها. لم يجبها المعلم. هذا يبدو قسوة. التلاميذ ارادوا استبعادها عنه. اذ ذاك، قال لهم: “لم أُرسَل الا الى الخراف الضالة من بيت اسرائيل”. يبدو المعنى اني اثناء قيامي برسالتي على الأرض تنحصر هذه الرسالة باليهود حتى اذا جاء الروح القدس بعد موت المعلم وقيامته تمتد الرسالة الى الأمم. وهذا ما يؤكده قوله في آخر متى: “اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس”.

         يمكن ان نفهم ان الرسالة ولو كانت عالمية بمضمونها الا ان مقاصد الآب ان تكون مهمة السيد على مرحلتين: الاولى عندما كان الرب لا يزال في البشرة، والثانية اذا انطلق عنا الى الآب.

         هل سمعت ما قال للرسل؟ ربما، ولكنها، في أية حال، أصرت ان يشفي المعلم ابنتها. عند ذاك، جاءت كلمته صداعة: “ليس حسنا ان يؤخذ خبز البنين ويلقى للكلاب”. نجد في تعليم بعض الربانيين اي علماء الدين اليهودي ان الوثنيين مدعوون احيانا كلابًا.

         الظاهر ان يسوع يؤكد نجاسة الوثنيين فالكلب كان حيوانا نجسا. والمؤمن ليس كغير المؤمن. ليس ان يسوع يشتم المرأة. انه يستعمل اللغة التي كان اليهود يستعملونها.

         عند هذه القسوة المستغربة تجيبه المرأة بتواضع كبير: “نعم يا رب، فإن الكلاب ايضا تأكل من الفتات الذي يسقط من موائد اربابها”. وكأنها تقول: انتم تعتبرون انفسكم شعبا مميزا بإيمانه بالله. واذا اجاز لكم هذا الموقف استعلاء عقائديا فأنا اقبل دونية الوثنيين. فعلى رغم هذه الدونية انا اريد شفاء ابنتي. عندئذ قال لها المعلم: “يا امرأة عظيم ايمانك”.

         يعترف هنا المسيح ان الإيمان ينزل برحمة الرب على اليهود وعلى الأمم. وكأنه يقول: انا اخترق من اجلك القواعد الموضوعة وألبي طلبك.

         فالإيمان كان قبل موسى وقبل الشريعة حسب قول الكتاب قديما: “آمن ابراهيم بالله فحُسب له ذلك برًا”. هذا ما سيردده بولس الرسول في رسالتيه الى اهل رومية والى اهل غلاطية.

         انتم الوثنيين ستصيرون ايضا ابناء الله بالإيمان وسيبرركم الإيمان ولن تُفرض عليكم أعمال الناموس الموسوي. وهذا ما سيقرره فيما بعد مجمع اورشليم.

         فالطريق الذي سلكه منطق يسوع يبدو كالآتي: يا امرأة انتم ما كنتم في عهد مع الله. انتم لستم على شيء ما دمتم في دنس الوثنية. فاذا دخلتم العهد الجديد الذي انا احمله للعالم تجدون الخلاص وينهار “حائط العداوة الفاصل” بين اليهود والأمم لأني انا اكون لحمتكم واكون وحدتكم.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

مجالس الرعايا والفقراء/ الأحد 10 شباط 2002 / العدد 6

عضوية مجلس الرعية ليست تشريفا لأحد. انها تكليف للعمل. لذلك لا ينبغي ان يتمسك احد بهذه العضوية. انها تمنح لمن نرى فيه أهلية، وقد نخطئ الاختيار. ولا يجوز ان يبقى احد مدة طويلة في المجلس ليتاح للآخرين الخدمة ويتمرن عليها العدد الأكبر من المؤمنين الأكفياء. فإذا انقضت ولاية المجلس ولم يجدد لأحد الأعضاء فهذا ليس نكرانا لفضائله، والتغيير ليس فيه ما يحزن. انه فرصة للآخرين. ان تأليف المجلس لا ينبغي ان يحدث أية خضة في الرعية. ولا ينبغي ان يشكل الأمر وجع رأس للمطران. أي احتجاج في هذا الموضوع متعب جدا لنا.

ثم صار علينا ان نفهم اننا جميعا خدام «ليكون الفضل لله لا منا» كما يقول بولس الرسول. يتبع هذا ان الوكيل ليس رئيسا للكاهن أو رئيسا لغيره من الأعضاء. ولا أحب ان اسمع على لسان احد: أنا بنيت، وأنا أعطي الكاهن راتبه. فلا مِنَّة لأحد على أحد ولاسيما أن أحدا لا ينفق من جيبه شيئا. وما وُلّي مجلس على كل الرعية، فهناك نشاطات مستقلة عنه ولاسيما عمل الشبيبة. وعلى المجلس ان يضع بتصرف شبابنا القاعات القائمة، وليس على احد ان يتبع مزاج هذا الوكيل أو ذاك. المجلس يحتضن كل نشاط يباركه المطران أو الكاهن.

ثم لا تقتصر مسؤولية المجلس على البناء أو الترميم. مسؤوليته الأولى في موضوع المال تأمين راتب الكاهن. هذا نريده معززا بحيث لا يشكو العوز. المجلس لا يقرر وحده في هذا الشأن إذ يفرض عليه القانون وضع موازنة توافق عليها المطرانية. المجلس يقترح على رئيس الكهنة معاش الكاهن. المطران يقرره. ذلك ان المجلس لا يملك الوقف ولا احد يملكه. الله وحده هو المالك. أنا أنزعج جدا من قول البعض: هذا ما وقفه أجدادنا. عندما وقف جدك الوقف يكون قد تخلى عنه، وأنت لست وريث جدك في الإدارة.

بعد تأمين حاجة الكاهن يأتي الفقراء أحباء يسوع والمدللون عنده. فمن دلّله المسيح يكون مدللا عند أعضاء المجلس. أنا استقبل فقراء كثيرين من هذه القرية وتلك. هذه مسؤولية القرية وليست مسؤولية المطرانية ولاسيما ان 90% من القرى أو أكثر لا تساهم بنفقات الأبرشية. وفي بعض الرعايا بحبوحة، ومع ذلك هي تهمل فقراءها. هم سادتنا كما قال القديس يوحنا الرحيم. لا تكدسوا أموالكم في المصارف. هذا ضد الإنجيل. ان السيد يريد ان تنفقوا أموالكم على المحتاجين لكي يشعروا بأن الكنيسة أمهم. لو كنا نعنى بالفقراء عناية حقيقية لما بقيت كنائسنا شاغرة يوم الأحد. المحتاج يحس انه على هامش الطائفة.

والعذر الذي لا أَقبله ان يقال للفقير: عندنا مشروع بناء يجب ان يكتمل. سؤالي إليكم: كيف يعيش هذا قبل ان ينتهي مشروعكم؟ البناء يستغرق سنين. في هذه الأثناء هذا يجب ان يأكل وان يعلّم أولاده. أولادنا أهم من كل كنائسكم. الكنيسة هي بشر لا حجر. وعوضا عن ان تفتخروا بمعابد جميلة وكبيرة، افتخروا بحبكم بعضكم بعضا. إذًا أَنفقوا باستمرار على الفقراء، وإذا بقي شيء من المال تقومون بمشاريع البناء.

أرجو ان تقلعوا عن التفكير العتيق الذي ألفتموه و«ليكن فيكم الفكر الذي كان في المسيح يسوع». بهذا تخلصون وبهذا تشهدون انكم وكلاء صالحون.

نحن نحتاج إلى انتفاضة روحية تظهرون بها انكم تحبون كاهنكم وتحبون من كان ضعيفا ماليا. لا تُحزنوا روح الرب.

Continue reading
2002, مقالات, نشرة رعيتي

زكا العشار/ الأحد 3 شباط 2002 / العدد 5

العشارون جباة الضرائب في عهد السيد. والجباية الرومانية تلزيم بحيث تحدد الدولة المبلغ الذي تطلبه من مدينة او قرية ويفرض الجابي على كل فرد المبلغ الذي يريده حتى يصل الى المبلغ العام المطلوب. وكان من المألوف ان يأخذ اكثر بكثير مما تطلبه السلطات ويبقي الفرق لنفسه. ورئيس الجباة هو الذي ينظمهم في المنطقة ويأخذ ما يريده من كل واحد منهم.

         زكا كان رئيسا لمجموعة من الجباة. ولكونه كان موظفا عند السلطة الأجنبية، كان اليهود – الى جانب اتهامه بالسرقة – يكرهونه.

         لماذا اراد زكا ان يرى يسوع؟ الفضول لماذا؟ أهو الفضول ام رغبة في الهداية اذ لا بد انه سمع عن المعلم. كان عارفا انه لا يستطيع ان يشق دربه الى يسوع، والجمهور كان يكره العشارين. انما اراد الا يفوت عليه فرصة الرؤية. ماذا يصير بعد الرؤية؟

         تجاوز زكا ما كان يحول بينه وبين مشاهدة السيد. كانت هناك جميزة من التي تزيّن الطرق القائمة بين المدن. وكان من المنتظر ان يسلك السيد الطريق العام ولا يدخل الى ازقة أريحا. فلما ادرك السيد هذه الشجرة رفع طرفه فرأى العشار، وكأن الكاتب يوحي بأن يسوع هو الذي يطلب الخطأة. قال للرجل: “يا زكا اسرع انزل فاليوم ينبغي لي ان أمكث في بيتك”. وكأن السيد احس بأن له دالة على الرجل. فالصديق وحده يدعو نفسه الى بيت صديقه. ما قال: اني سأقوم بزيارة لك قصيرة بل قال “ينبغي لي ان امكث في بيتك”. هي قضية ساعات في النهار وربما كانت سهرة طويلة. ومن وراء الحادثة الى ما يخص كلا منا، يريد يسوع ان يمكث معنا. “ان امكث في بيتك” لا ينتهي معناها بأني سواجهك في منزلك. فالبيت رمز للشيء الوجداني عندنا. انا، يوحي يسوع، اريد لقاء حقيقيا، في العمق.

         ازاء هذه الدعوة يقول لوقا: “فأسرعَ ونزل”. كان السيد قال له: “اسرع انزل”. ما قال لوقا: نزل، ولكنه قال: “اسرع ونزل”. ينفذ حرفيا ما قاله يسوع. ثم يكمل لوقا كلامه: “وقبِله فرحا”. هذا شرف لم يكن يتوقعه. اما كان زكا يحس بأن قبوله يسوع بفرح يُلزمه بكل نتائج الاستقبال؟ المسيح يطلب الطهارة كاملة، وتعليمه عنها شديد وليس عنده أنصاف حلول. لا ينتظر زكا ان يقول له المعلم: قلل من السرعة فتهتدي شيئا فشيئا. يسوع جذري دائما.

         لا يلتفت الى قول اليهود الذين لاموه لكونه اراد ان يحل عند رجل خاطئ. لم يواجه هذا التذمر. يهمه زكا الذي قال للسيد: “ها أنذا يا رب اعطي المساكين…”. فهم زكا العشار ان التوبة تعني اولا لوم الإنسان ماضيه، وثانيا تحركه من الماضي الى حاضر طيب، طاهر. زكا يريد: سأكفر عن كل سيئاتي. لن اعود اليها. حياتي ستكون جديدة. يعطي المساكين نصف ماله فيبقى النصف. ثم اذا غبنتُ (وقد غبن)، أردّ اربعة اضعاف. سيبقى القليل القليل اذًا من ثروتي. ولكني حصلت على حنانك وغفرانك ولا يهمني شيء آخر. فيقول المعلم: “اليوم حصل الخلاص لهذا البيت”. الوعد بتغيير الحياة هو كل الفرح. واخيرا: “ان ابن البشر انما أتى ليطلب ما قد هلك”.

         ما من انسان مسجل نهائيا على لائحة الهالكين، فإن من ظنه البشر هالكا ينقذه الله بالتوبة ويجعله “خلقة جديدة”. إنجيل زكا ينذر – في ترتيب طقوسنا – ان الصوم قد اقترب، واننا داخلون في فرحه على رجاء الفصح.

Continue reading