Monthly Archives

January 2005

2005, مقالات, نشرة رعيتي

زكا العشّار/ الأحد 30 كانون الثاني 2005 / العدد 5

            يتعامل يسوع مع جابي ضرائب غني لأنه كان رئيسًا للجباة أي ملتزم الضريبة التي تؤدّى للرومان. هذا هو معنى العشّار. أي يفرض الضريبة كما يشاء. كانت الضريبة مفروضة على مدينة أو قرية ومحددة كلها. ولكن العشّار يجمعها من الأفراد وكثيرًا ما كان يتقاضى منهم مبالغ تفوق المجموعة المطلوبة منه.

            “كان يلتمس أن يرى يسوع”. الكلام الذي سمعه منه جذبه إليه. ولكن بسبب قصر قامته لم يتمكّن من تمييز وجهه عن وجوه مرافقيه وكانوا جمعًا غفيرًا. ألهمه قلبه أن يصعد الى جميزة كانت على الطريق الذي كان السيّد سيمرّ به. “فلما انتهى يسوع الى الموضع رفع طرفه فرآه”. اي ان المعلم كان عارفا بأن على الشجرة رجلا سوف يهتم هو به. عند ذاك قال له الرب: “يا زكا اسرع انزل فاليوم ينبغي ان امكث في بيتك”. عرف يسوع اسمه اي عرف قلبه. قال “اسرع انزل”. لا يبقَ عائق بيني وبينك. لن اقول لك كلمتين على السريع، عندنا حديث طويل يستغرق ان اتعشى عندك وان أساهرك.

            ماذا يقول الكتاب بعد هذا الأمر؟ يقول: “فأسرع ونزل”. يسوع استعمل كلمتين: “اسرع انزل”. لبى زكا الأمر كما صدر من المعلم. “وقبله فرحا”. سُرَّ لكلمة السيد ودخل الفرح الى قلبه. اي انه اقتبل ان تقوم العلاقة بينه وبين المسيح. تم كل شيء بهذا الفرح. اكتملت توبة الرجل بلحظة.

            فلما اجتمعا في البيت قال هذا الانسان ليسوع: “هاءنذا يا رب اعطي المساكين نصف اموالي”. فهم ان حبه للمعلم يستتبع عملا وليس فقط مجرد سرور باللقاء. ثم قال: “ان كنت قد غبنت احدًا في شيء ارد اربعة أضعاف”. طبعا لم يكن زكا يتذكر اسماء الذين غبنهم. ولكنه عبّر بهذه الطريقة ليوحي بأنه مستعد ان يعطي الكثير الكثير حتى لا يبقى ما يثقل ضميره.

            عند ذاك قال يسوع: “اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت”. خلاص الرجل ابتدأ عند يسوع، عند نظرة يسوع الى هذا الانسان. ولكن ارتضاء زكا ليسوع جعل هذا الخلاص قابلا للتطبيق. هذا نسميه في الكنيسة الارثوذكسية “مشاركة” بين النعمة والطاعة. النعمة يجب ان يتبعها تنفيذ من الانسان. لا يقدر الانسان على شيء بلا هبة الله. ولكنا اذا لم نتقبل العطاء الإلهي المجاني بفرح ولم ننتقل الى الطاعة تبقى النعمة في قلب الله غير فاعلة. اجل قال بولس: “بالنعمة انتم مخلَّصون”. ولكن هذا القول يفترض قبولنا لعطية الله. لا يستطيع انسان ان يخلّص نفسه ما لم يرضَ الله عنه. ولكن الله يبقى كأنه مكتوف اليدين ان لم تستلم يدا الانسان عطية الله.

            واخيرا قال السيد: “ان ابن البشر انما أتى ليطلب ويخلص ما قد هلك”. في الرؤية البشرية هناك من يبدو وكأنه هلك نهائيا لأن شيئا لا يدل على توبته. ولكن يسوع يفتقد الخاطئ ويرحمه لأنه “يريد ان يخلصوا والى معرفة الحق يقبلوا”. البار والخاطئ كلاهما ابنان لله. ولا يميز الله بين رحمته للبار ورحمته للخاطئ. كلهم محبوب بالمحبة الإلهية الواحدة. ويذهب الراعي لافتقاد الخروف الضال لأنه يريده في الحظيرة ولا يسر بأن يهلك واحد من القطيع. “يخلّص ما قد هلك” اي ما اعتبره الناس هالكا نهائيا.

            لا احد يهلك نهائيا اية كانت معاصيه.   فعندما تصدمه او تجرحه وتحزنه يكفيه ان يفكر بكرم الرب. عند ذاك تمحى خطاياه توا وكأنها لم تكن.

            زكا مثال لكل واحد منا اذا أصر على البقاء في خطاياه. فلو اقترفنا اعظم الشرور لا يغضب الله علينا غضبا نهائيا اذ لا يريدنا ابناء غضب. كنا في الخطيئة جهالا ناسين الله وقدرته على العطاء وعلى تزكيتنا. وزكا تعني المزكى. ليس من انسان يستحيل على الله ان يزكيه. والله يطلبنا كما طلب العشار ويقول لكل واحد منا: “انا اريد ان اسكن بيتك. فلا تتحجر ولا تراكم خطاياك في قلبك بحيث لا يبقى مكان لي عندك. انا وحدي يمكنني ان املأ قلبك فرحا وان اجعل منك انسانا جديدا. لا تألف خطاياك. اريدك أليفي وصديقي. الخطيئة توهمك بأن فيها لذة. واللذة تذهب اذا انت قضيتها. ولكن ان سكنت انا قلبك فأعزيك الى الأبد، وان تبت توبة صادقة لا تردد فيها لا تعود عطشان الى شهواتك. ان فرحك بي لن يوجهك فيما بعد الى الخطيئة، الى الأشياء العابرة. فأنا قدير فيك اذا اعطيتني قلبك”.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

الإنسان المرمي في الخضم / السبت 29 كانون الثاني 2005

كثيرًا ما نتأفف من انهيار المجتمع حولنا، من غياب الدولة أو هزالة العائلة. أي منا يخشى على نفسه وعلى أولاده من السقوط العميم، من ظلم الدول للدول، فهذه كلها تلحق به لأنه يسبح في هذا البحر الهائج وعسير عليه جدًا ان يعزل نفسه عن العاصفة.

هذا يذكرني بهياج المياه التي غرقت عشرات الآلاف في جنوبي آسيا وشرقيها، ما عسى الذين كانوا تحت المياه يفعلون الا ان يغرقوا؟

غير ان الانسان مهما كان متصلاً بهذا العالم المضطرب بثورة الطبيعة وثورة الشعوب ليس أسيرًا الا لثورة شهواته فيه. انه بجسده جزء من آلية العالم، بعض من العناصر الكونية، مذرى كالصوف عند النداف، ولكنه كذلك في جسده، أعصابه تحتمل أو لا تحتمل لأن اعصابه تأتي من فكره. وفكره هادىء أو يهوج.

الانسان وسط الهدير الرهيب قد يبقى صامتًا اذ يصغي الى الكلمة الإلهية اذا كانت وحدها نفحته. الطبيعة ليست ماسكة بالانسان. هي محيطة به. وفي ايماننا ان التراب الذي نرمي فيه بعد آخر رمق ما هو بممسك بنا، هو حافظ أجسادنا فقط ونحن متجنحون على أجنحة الروح التي تنتظر القيامة.

ليس الانسان كائنًا محتومًا لان خياره حر، حر من هذا المختبر الخيميائي الذي هو جسدنا، حر من الأفلاك والأبراج اذا كان لها بعض من تأثير عليه عند ولادته اذ وُلد في اطارها. ومهما يكن من حقيقة هذا الأمر فلسنا نحن مرتهنين له ارتهانًا اذ نتربى على ما هو أفعل في النفس في ما بعد ونتلقى أحرارًا تأثير العائلة واثر المجتمع. فالعائلة لا تحتم علينا سلوكنا كما يحتكم بنا الطعام أو الشراب في أجهزتنا البيولوجية. فتثور انت على والد سيىء أو أم سيئة وترفض تمردهما على الرب وتصبح خيرًا من أمك وأبيك فمن أكل الحصرم لا يضرس اسنان أولاده بالضرورة.

انت حر من الجنين الذي كنته منذ اللحظة الاولى من نشوئك، ما من شك في ان هناك طبائع تأتيك من وضع الجينات التي كانت فيك منذ البدء. قد يكون هناك تهيؤ لهذا النمو أو ذاك. وفي هذا يقول علماء الحياة ان النمو يأخذ هذا الاتجاه أو ذاك بعد ان تنزل عليه مؤثرات خارجية فتتلاقى مع هذا الذي جيء الى الانسان من ذويه أي من وضعهما عند الحمل. ولكن ليس في هذا حتم أو قدر بيولوجي.

#  #

#

كذلك ليس عند الله عسف فلا يروقه الاّ ان تكون حسنًا ولا يحدك بعناصر فيك بيولوجية كانت أم سيكولوجية بحيث تأتي مسلخًا نفسانيًا.

بعض الناس مسوخ عند الولادة. هذا من المختبر الخيميائي الذي هو جسدنا والله ليس بالضرورة صانع عجائب كل حين ليجعلك على صورة أخرى. هكذا تفاعلت مورثات فيك وجعلتك مسخًا . والله يتعامل مع المسوخ وينقذهم على طريقته أي بما يراه مفيدًا لهم ولا ينقذهم بالضرورة من هذا المرئي الرهيب الذي لن نألفه. هناك اسئلة شرعية بسبب مما ننتظره من الوجود. هناك تساؤلات تمليها العاطفة وليس عنها جواب.

وفي ما هو طبيعي لماذا يأتي ولد مفرط الذكاء ويأتي الآخر أبله أو نأتي جميعًا متفاوتين؟ محاولة جوابي ان ليس من فرق عند الله بين مفرط الذكاء وقليل الذكاء لان الخلاص ليس بالذكاء ولكنه بالقلب النقي. لماذا لا تكون الطبيعة كاملة أو كل الناس متفوقين بالجمال والعقل وبهاء القداسة؟ ليس أحد يعرف في ذلك حكمة الله. ولكن كل شيء في هذه الخليقة يسير وكأن كل واحد له وجهته وكل له نفعه. فكم يتاذى المرء من جماله ومن عظمة عقله عندما يستخدمهما للشر. ليس ما نحسبه حسنًا هو دائمًا حسن.

الى هذا كم من معوق نبغوا أو ارتفعت أخلاقهم وجملت نفوسهم. أجل هناك عقبات لنا نتخطاها وهناك عقبات لا نريد تخطيها. ومهما يكن من أمر «ففي السماء والأرض أسرار أعظم من ان تستوعبها كل فلسفتنا» (شكسبير).

الدنيا عاصفة وقد نجا بعض من «التسونامي» الذي عصف ببعض من ارضنا. لا أحد يعرف لماذا أو كيف نجوا. هناك دائمًا من ينجو من ظلم المجتمع أو تعسف الدولة أو من تذمر زوجته أو من خيانة الرجل. هناك من يخلص من السرطان ومن حوادث سير مريعة. أعرف انسانًا كان نائمًا في سريره وجاء جهاز مخابرات وأطلق على وجهه عدة رصاصات ولم يصب بأذى ورأيت على صورة شمسية ثقوب الرصاص على وسادته بشكل دائرة. لماذا لم يصب طلق واحدة؟ أهذا من غباوة المخابرات أم من رحمة الله أم الرحمة الإلهية جعلت في هؤلاء الجنود غباوة محمودة؟

#  #

#

أخذت اقرأ منذ أيام مقاطع من شبلي الشميل ولم أر مثل سخفه عندما كان يذكر الدين. كان رجلاً أميًا في هذا الموضوع وكأنه لم يقرأ في الدين شيئًا أو كأنه أراد ان يصبح سجين الفكر الالحادي المستورد الذي ظنه غاية في الذكاء. وصرت اقرأ لهذا الرعيل الذي رافق الشميل وهم يتفاوتون في الجهل ونحن جعلناهم روادًا لكونهم تكلموا على الحرية والديموقراطية والاشتراكية وما اليها ولم يستطيعوا ان يخرجوا من هذا الذي ظنوه في الفكر الفرنسي تفوقًا عقليًا على البسطاء الأتقياء في بلدنا.

كان يكفي ان تقرأ بعض الكتب في اللغات الأجنبية لترى نفسك حصيفًا واذا بك مستكبر سطحي تدغدغك فلسفة هزيلة.

لماذا تأتي هكذا تفهًا في بلاغة وغيرك أعمق منك انسانيًا ولو كان دونك قراءة. هناك تحزب عقلاني يبدو في هذه المرحلة أو تلك وليس فيه تحرك وجداني عظيم. هنا أيضًا ليس عندنا شيء محتوم.

عندنا اليوم علماء كبار ملحدون وقرأت لهم ولكن عندنا علماء مؤمنون. لا يعرف أحد لماذا اعتنق بعضهم الكفر واعتنق بعضهم الإيمان. لا أحد يعرف تحرك العقل فهو ليس محتوما. نحن نؤمن ان المؤمن تنزل عليه نعمة ربه. والنعمة حرة بحرية الله. وستبقى هذه الدنيا على حريتها في اختيار الجحود وفي اختيار اليقين الإلهي.

لكن المؤمن مهيأ لرؤية الخطأ ورؤية القباحات وهبوب رياح عاصفة في مجتمعه ودولته والحياة السياسية كلها. وقد نهبط الى أسفل دركات الممكن. وأحيانًا نقارن. غير ان العارفين بالأمور يقولون لنا ان العنف ساد كل العصور وما من شك في ان عدد السنين التي كان العالم فيها في حروب أضخم بكثير من تلك التي عمّ فيها السلام. وحسباني ان الأمانة الزوجية كانت في عصر أدركته عادة اجتماعية راسخة قائمة على قناعة دينية أكثر من قيامها على حب زوجي لاهب. ولعل الخوف في مجال هذه الفضيلة وتلك هو الذي يفسر بقاء الناس على الفضيلة. لكن الأشرار كانوا دائمًا والضعفاء والخائفين من العقاب كذلك والله كان عندهم المعاقب الأكبر. وفي جو كهذا يكون الدين خفيفًا والبر ظاهريًا. يبقى ان ليس من تفسير واحد آحادي لكل ما يظهر واننا قادرون على ان ننشأ كل يوم خلائق جديدة غير مصبوبين من مورثات او محكومين من نجم ولا من عادات في الطفولة ألفناها تقيدنا الى النفس الأخير.

#  #

#

الانسان حرية وان يكون جالسًا في السماء إله يحمل سجلاً يعين فيه متعسفًا من يخلص ومن لا يخلص ضرب من الحماقة عندنا لا بعدها حماقة. وان تكون من طائفة الناجين أو من طائفة الهالكين لان أمك ولدتك على ملة من الملل هو أشد ما وصل اليه الانسان من عبودية للنصوص أو من تفسير أحمق لها. لا شيء حتميا يصل بك الى السماء أو الجنة أو يصل بك الى جهنم النار. فقد تكون على بهاء الله أنى تكون ولا يحتاج الله الى دين يجعلك عليه لتنجو. فهو يأخذ احباءه الى الملكوت لأنه استطاب وجوههم ووجوههم من البر الذي في نفوسهم. فليس أحد معينًا سلفًا لمصير أبدي ولا يدخل أحد باب الملكوت بسبب من جهد مهما كان عظيمًا ولكنا داخلون بسبب من الرحمة فقط. وهذا تعليم آبائنا بلا منازع.

وأنت تنجو في العاصفة من العاصفة كما تنجو من تخبطات نفسك ومن دولتك وعائلتك وبيئتك. انت تنحو فقط بمحبتك وهي فيك القوة التي توحي اليك انك لا تأتي من عمى الأقدار ولكن من رأفات ربك.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

أعمى أريحا/ الأحد 23 كانون الثاني 2005 / العدد 4

اليوم أحد مرفع الجبن الذي ندخل يوم الاثنين الذي يليه الصيام المبارك. ونرجو الله أن يمتعكم ببركاته وعمق معانيه على قدر مشاركتكم الخِدَم الإلهية المختصة به. ومن صام منكم سوف يحس في نفسه باللمسات الإلهية التي يلمسه الله بها بالكلمات الإلهية أقراءات كانت أم أناشيد أم مزامير. كل شيء موضوع في هذه الخدم حتى نتدرج يوما بعد يوم إلى الأسبوع العظيم المقدس الذي هو المرحلة قبل الأخيرة من الذروة الفصح.

          ولكن خشية ان يظن المؤمن ان ما يقوم به هو إبدال طعام بطعام فقط أرادت الكنيسة ان نغوص على ما هو أعمق فقرأت علينا اليوم فصلا من عظة الجبل كما وردت عند متى، فصلا يتضمن ثلاثة محاور نركز الصوم عليها في عقولنا وقلوبنا.

          المحور الأول الغفران إذ يقول السيد: ان غفرتم للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي أيضا. ان الغفران يؤهلك ان تصوم مع ناس تحبهم اذ تكون قد غفرت لهم خطاياهم. الصوم صوم الجماعة والجماعة في المحبة التي تبذلها والمحبة التي تتلقاها هي الواقفة معا بنوع خاص يوم الخميس العظيم في ذكرى العشاء السري. ولهذا نفتش عمن أحزناه لنستغفره وندخل الصوم مطمئنين.

          المحور الثاني الفرح اذ يقول: لا تكونوا معبسين كالمرائين… فاذا صمت فادهن رأسك واغسل وجهك. لا تتأفف من الصيام ومما يبدو لك صعبا فيه. انه صعب على الطفل والمريض. كل منهما معفى من الصوم. فرحك ناتج من انك تسعى مع الرب وإلى الرب. أنت انعزلت عن الخطيئة وطلبت البر. هذا وحده يكفي ليجعلك في فرح.

          المحور الثالث. لا تكنزوا لكم كنوزا على الأرض. احد مرامي الصيام ان توفر ثمن ما لا تأكل لتعطيه من كان في حاجة اليه. فاذا كان الصيام مع الجماعة، فهو اولا مع الجماعة المحتاجة. هذه اذا انت اعطيتها تحفظ لك ذلك السماء. ولهذا يقول: اكنزوا لكم كنوزا في السماء. المال الذي تبذله هنا يجيِّر لك وديعة في السماء إلى جانب كل وديعة روحية. انت لا تقدر ان تصوم اذا لم تحبب الآخرين، ولا يسعك ان تحبهم الا اذا شاركتهم اموالك.

          اذًا غفران أولاً حتى ينوجد الآخر أمامك ومعك. ثانيا) الغفران يعطيك فرحا. ثالثا) اذا كنا نصوم كجماعة نقوم بحاجات بعضنا البعض. فاذا اعتبرنا المال كنزنا فقلبنا فيه كما قال السيد. واذا اعتبرنا الآخر كنزنا فقلبنا عليه.

          هذه المدة الطويلة التي نتقشف فيها ونتعب جسديا نفيق فيها روحيا، نعي ضعفاتنا وحاجاتنا واولاها حاجتنا إلى يسوع.

          الإمساك والصلاة فيه سلاحنا الأمضى لنواجه التجارب ونبعدها عنا. اذا كنت ممتنعًا عن الطعام وبعض ألوانه وهاجمتك التجارب تتذكر انك في حالة حرب روحية فكيف تجمع بين كونك محاربا غالبا وبين ان تطيع نداء الشهوات فيك. من عظمة الصوم انه يقيم تناقضا في عقلك بين جاذبية الله وجاذبية الخطيئة.

          مع ذلك انت معرض للسقوط. ليس الإمساك ضمانة للبر. لذلك لا بد لك من التنبه الكبير حتى تعي حالتك كصائم وتعي حالتك كمواجه للتجارب. لا تتحير بين الرب وعدو الرب. انت حليف المسيح في هذا الزمان المبارك إلى ان ترى قيامته.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

هل هناك من يميت؟ / الأحد 16 كانون الثاني 2005/ العدد 3

الشعب يقول معزيا اهل الميت: “هيك إرادة الله” هذا ناتج من اعتقاد الأقدمين ان الله سبب مباشر للأفعال البشرية او انه هو يأمر بها. ومن هنا قول العهد القديم ان “الله يميت ويحيي”. حتى اكتشف حزقيال النبي ان الفرد مسؤول عن اعماله.

            طبعا الموت لا نقرره نحن. في العهد الجديد لا يقول الرب انه يقرره. يلاحظ الإنجيل فقط ان لعازر مات او مات ابن الأرملة. ولا يقول مرة ان هذا الانسان مات بمشيئة الله. فاذا قلنا ذاك فكأننا نقول ان الله دبر لإنسان معين حادثة سيارة او هو أرسل اليه نوعا من السرطان وقرر ان يفتك به السرطان في تاريخ معين. هذه اشياء في غاية السخف. اجل الله يعنى بكل واحد منا ويتلقى كلا منا عند موته ولكن ليس يمسك سجلا يكتب فيه مسبقا مدة العيش لفلان او فلان ويركب الأسباب كأنها آلة تنقض على الانسان لتضع حدا لحياته.

            لقد وضع الله من بعد سقوط الإنسان قوانين للطبيعة يحكم هذه الطبيعة بموجبها. والإنسان الفرد جزء من آلة الطبيعة فهي التي تسحقه في حركتها او لا تسحقه كما تسحق الحيوان او الزهرة. الله يستعيد الإنسان اليه من موت نتج عن جسد الإنسان الذي هو مجرد مختبر كيميائي او نتج عن الحركات الطبيعية مثل حريق او زلزال. ليس عند الله قصد في إحداث حرائق او زلازل. الله بوضعه قوانين الطبيعة لا يأتي باستثناء ليعزل انسانا ما عن مسيرة الطبيعة. قد يحدث هذا ونسميه اعجوبة او معجزة ولكن هذا لا يحدث لمجرد ان احدا من الناس يريد ذلك. الأعجوبة بيد الله وهو يعرف صالحنا وما يبنينا روحيا. لا يمنعك الله من طلب الأعجوبة ولكنه لا يقيد نفسه بكل طلب منك. هو يقدر ما ينفع خلائقه روحيا. المهم عنده ان تأتي الى الخلاص اي الى خلاص نفسك من الخطيئة.

            ما يريده الله هو ما عبر عنه في إنجيل يوحنا: “قد أتيت لتكون لهم حياة” (10: 10). ولما تكلم بعد هذا بقليل عن خرافه قال: “انا اعطيها حياة ابدية”. ليس من كلام هنا عن حياة في الجسد. من يسوع نستمد حياة لا تفنى بنعمته أعشناها هنا ام عشناها فوق. وهو القائل: “انا القيامة والحياة” (يوحنا 11: 25). هو لا يبدي اي اهتمام بأن تطول حياة امرئ وليس ما يدل اذا طالت انها افضل له. فاذا عمّر طويلا قد تكثر خطاياه. ليس من مقياس يدلنا على ان الحياة الطويلة افضل في العمق لنا ولأنسبائنا.

            نحن نتعامل مع الموجود اي مع الحياة او الموت. واذا مات عزيز نرتب حياتنا على ان هذا العزيز صار خارج سمعنا وبصرنا ومعشرنا. هذا صعب وموجع لأننا كنا نستطيب هذا الصديق. والرب لم يطلب الا نتوجع ولكنا نحمل القريب الينا في الصلاة لنصبر على الألم.

            في الواقع يخف الألم في اليوم الثالث ويخف في الأربعين واذا لم يكن الميت غاليا جدا يقول العلماء ان الحزن الشديد يزول بعد سنة. وليس مفيدا ابدا ان نستبقيه عاطفيا فينا اذا اخذ هو يغيب. العلاقة يجب ان تتحول الى علاقة صلاة اي الى بقاء في جسد المسيح.

            عندما يقول السيد لا يسقط عصفور على الأرض الا بإذن ابيكم او لا يسقط شعرة الا بإذن ابيكم هذا يشير الى العناية الإلهية ولا يعني ان الله يأمر بإسقاط عصفور او إسقاط شعرة. نحن نموت بأذنه ولا نموت بقراره الا اذا اعتبرنا انه وضع قراره ضمن آلة الكون. هذا الكون يميت والله يعطينا الحياة الأبدية ويردنا اليه بحبه.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

فلسطين وجوارها / السبت 15 كانون الثاني 2005

اجتمعت في حرب لبنان مرة الى المغفور له الرئيس ياسر عرفات في رأس بيروت. قلت له: نحن المسيحيين في هذا البلد أغرانا انكم ناوون ان تنشئوا بلدًا ديموقراطيًا علمانيًا واذ ذاك نقلدكم نحن في لبنان. قال لي اذا أردت بكلمة علماني ترجمة «لاييك» – ولفظها جيدا بالفرنسية – فنحن لسنا كذلك. نحن نسعى الى بلد يضم المسيحيين والمسلمين واليهود. وربما قصد فلسطين الكاملة آنذاك. بعد ذلك كانت مدريد وأوسلو والاعتراف بتجزئة فلسطين. ولم أقبل أنا بذلك حتى هذا اليوم وان اضطر الكثيرون الى الاعتراف بدولة فلسطينية مجاورة لاسرائيل. لكنك لا تقدر انت فعليًا ان تكون ملكًا أكثر من الملك. فالسياسة ربما قضت بذلك. ولكني أنا لست بسياسي يفرق بين اسرائيل والصهيونية. فان زالت الايديولوجية الصهيونية ما المانع من ان يختلط اليهود والعرب في كيان واحد؟ وهذا ما كان يحلم به ادوارد سعيد الراقد على بضعة أمتار من منزلي تحت زيتونة.

المشكلة ان البراغماتية السياسية تقودك الى موقف الرئيس محمود عباس الذي ندعو له جميعًا بتوحيد البلد وقيادته الى شاطىء الامان ولكني أخشى ان يكون هذا من باب تربيع الدائرة إذ يبغي ان يسالم اسرائيل وألا يهرق الدم الفلسطيني. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو علام تتكل المقاومة الاسلامية في فلسطين لتقضي على اسرائيل. هل هذا ممكن في استراتيجيتها ووسائلها في ظل احجام العرب عن مساعدتها؟ المهم اليوم ان نصلي من أجل محمود عباس ليحضن هو ورفقته فلسطين على دروب وحدتها والسلام وانا واثق من ان بناءها سيقوم شاهقًا واننا سوف نكسب كثيرًا من ذكاء قادتها. عندما أسمع على الشاشة كبار مناضليها من كل الاطياف الحظ ان المنضوين تحت لواء فتح أو لواء حماس والجهاد الاسلامي هم على أعلى مستوى من الرقي السياسي ومن جدية الفكر ولا أخاف على مستقبل بلدهم لأن الكبر لا علاقة له بحجم الرقعة الفلسطينية عند نشوء الدولة. ان معجزة ما ستأتي من كبر النفوس الحية المولودة الى هذا الكفاح العظيم. انه لعمل ينتمي الى الحياة الروحية وليس فقط الى سياسات تزول.

#  #  #

رجائي الى العرب ألا يدخلوا سياسات ضيقة وحسابات اقليمية محدودة ولكن ان يحبوا القدس حتى نتمكن جميعًا من ان نصلي هناك بعد ان يرتفع العلم الفلسطيني على المساجد والكنائس كما كان يقول أبو عمار. انه لأمر غاية في الأهمية ان نمشي مع حجاج العالم في «شوارع القدس العتيقة».

يستتبع هذا ان تزيل كل دولة عربية الشوائب عن نفسها وان تعترف بها لتتخلص منها. ليس المهم فقط ان نحسّ بالقربى التاريخية بيننا ولكن ان نحقق القربى بحيث لا يسود أحد أحدا لأن نقصان الحرية في بلد واحد خطيئة يرتكبها العرب جميعا. ان العلاقة السوية بين هذا البلد وذاك تقوم على التعبير العملي في تأكيد ذاتية كل قطر كما يقول اخواننا السوريون. ليس أحد منا قاصرًا ولو احتاج كل منا الى نصائح أخيه. والنصح يعني التعاون بحيث أكون عونا لك وتكون عونًا لي لنكتمل معًا وهكذا يصير كل منا الى قلب الله وفهم رشده. ان أحبك هو ان تكون شيئًا آخر عني وان أخرج اليك بكل ما أملك من قوى فلا أسودك ولا تسودني لأنا لا نحيا معًا الا اذا كنا معًا في سيادة الله واشرافه علينا جميعا كأخوة.

المبتغى ان نكون حاضرين في الحق معًا والابداع والانتاج. وهذه كلها لا تتحقق الا بالصداقة الكبيرة والمودات. والآخر مودود كما هو واذا كان يصر على كيانه فنصر نحن أيضًا على كيانه لأنه هكذا يفرح وبالفرح تدوم النعم. قد يقال ان هذا رهبانية ولكنها رهبانية «ابتغاء رضوان الله». ومن ابتغى هذا الرضوان انما يعف عما هو «لعب ولهو وزينة وتفاخر». وهذه منها الكثير في الحياة السياسية. واذا أتينا حقا الى استرضاء الله في الحياة العربية المشتركة في بقاع المشرق الذي حول القدس نسكن المثالية والواقع في آن. سموا هذا هلالاً خصيبًا أو سموه شيئا آخر تكون القدس فيه محجتنا ولن نختلف حول مركز جغرافي لهذه المجموعة. في هذه المجموعة يكمن قلب العروبة ولن يكون لبنان الا في وسط هذا القلب وقد قال هذا في دستوره بعدما قاله في ميثاق الوفاق الوطني التماسًا لوحدة له يصونها المشرق مجتمعًا. والقدس ولبنان ابدًا معًا كما قالها بطريرك كنيستي اغناطيوس الرابع في مؤتمر اجتمعت فيه الدول الاسلامية في الطائف.

هذا شرق عربي لا شرق أوسط كبير أو صغير. نحن لا نريد مغامرة يشرف عليها الاجنبي لمنافعه. هناك أخطاء كبيرة من وجود ثنائيات متفرقة في الشرق الأدنى فالثنائي فلسطين – الاردن خطأ كما ان الثنائي سوريا – لبنان خطأ. كل ثنائي محكوم بالمواجهة آجلا أم عاجلاً أو محكوم بالاستقطاب لأن «النفس امارة بالسوء» ولأن الثنائية تقود الى الانصهار كائنًا ما كانت تعابيره أو اية كانت اساليبه. الحب ليس فيه انصهار لأنه يعني افناء الآخر فيك بطريقة أو بأخرى. والانصهار يعني سلطة من جهة وخضوعا من جهة أخرى. وهذا هو دمار العشق. والعشق لا يكون بين أخوة أعفاء ولكن تقوم بينهما المحبة التي تعني البذل والمجانية في سبيل عظمة الآخر ونموه وصحته. مع هذا اقول ان الثنائية ان اضطر القوم عليها لا تمنع علاقات مميزة حقوقية كانت او ثقافية ووجدانية. لكن الرقم اثنين رقم صدام اما الرقم ثلاثة وما زاد عليه فصورة تعاون يضعف فيه التواجه الاثنيني.

غير ان هذا يحتاج الى صقل عقول سياسية ناجحة نعمتها ثقة قريبة من الكمال. والمجموعة التي تتعدى الاثنين لا تحتاج الى ايديولوجية لتصمد. وفي أوروبا لم تحتج وحدتها الى لغة واحدة. أما نحن فلنا لغة واحدة ولهجة شعبية واحدة. ولا يمس هذا التقارب المشرقي تواصلاً وكل الغرب وخصوصًا في اطار الجامعة العربية كما لا يلاشي حلما عربيًا كبيرًا.

التقارب على صورة التكون الاوروبي الذي تم هو التقارب العملي الوحيد في المحافظة على سيادة كل كيان لان هذا أمسى الظاهرة الشعورية في هذه البلدان. خطأ العرب انهم اعتمدوا الايديولوجية القومية منذ قرن ونيف ولم يفلحوا لانك لا تكتب نظاما قائديًا سياسيًا ثم تنزل الى الشارع. العروبة رؤية تنفذ فيها ما استطعت براغماتيا، حتى المشرق العربي الذي تصورناه ممكنا تدريجا غير قابل للتحقيق اليوم. فالوطنية الفلسطينية تريد تأكيد نفسها قبل ان تصبو الى مشروع أوسع. ولبنان بكل اطيافه يؤمن بذاته ورسالته في دنيا العرب وربما في العالم في باب العيش الطوائفي المشترك والذي ليس مثله شيء في الخارج.

هذه أشياء يؤذي المشرقية ان يتسرع الناس فيها. لكن الكثير من مشاكلنا الى حل ان وضعنا التعاون العربي في مشرقه على طريق التنفيذ.

كل مشروع سياسي ينطوي على مخاوف ولكن كل مشروع يتطلب شجاعة وخروجًا من أزقة السياسة المحلية الضيقة ومن الفساد. أنا أعرف العقبات الكبيرة المرتبطة بعوامل كثيرة ولا سيما منها اختلاف الانظمة. الا ان الدخول في اية مرحلة تعاون متروكة مراحله الاخرى لله ولجديتنا والوضع العالمي. لكن شيئًا في العالم لا يتحقق الاّ بحلم كبير.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

الظهور الإلهي/ الأحد 9 كانون الثاني 2005 / العدد 2

لا نزال نحيا في بركات عيد الظهور (الغطاس). ومتى الإنجيلي يقتبس قولة من اشعياء النبي: “ارض زبولون وارض نفتاليم” (وهما مقاطعتان) سميتا على اسمين اسماء الأسباط الاثني عشر الذين تقاسموا ارض فلسطين عندما دخلها بنو اسرائيل. وقال اشعياء ان اهلها “أبصر نورا عظيما”. متى كان ذلك؟ متى يقول ان هذا حصل لما أنارها يسوع بمعموديته وليس في ايام اشعياء. بعد هذا الكشف اخذ الإنجيلي يقول ان هناك “ابتدأ يسوع يكرز ويقول: توبوا فقد اقترب ملكوت السموات”. والمعنى الواضح ان الملكوت صار بينكم لأن الملك معكم وسيعلن ملكه صراحة على الصليب.

            والمعمودية نفسها ما كانت الا صورة عن موت المسيح وقيامته اذ رسم موته بصورة دخوله في الماء كما رسم بخروجه من الماء قيامته. وان تتوبوا يعني ان تُغرقوا شهواتكم كأنها في ماء وتستيقظوا للبر. ان معمودية السيد تنعكس فينا توبة. اجل نعتمد اذا كنا صغارا ولكن هذه العملية دعوة الى ان نكون معمَّدين باستمرار، وهذا لا يتم الا بالتوبة وهي تعني باللغة الرجوع، الرجوع من خطايانا الى وجه المسيح حتى يأخذنا بالرؤية ونعيش بها. فاذا عرفنا اننا مرئيون من المسيح نراه نحن، ولا رؤية لنا اذا كانت الخطيئة تعمي بصائرنا فالمسيح نراه ببصيرة القلب. وكل منا عند ذاك يسمع ما سمعه السيد: “انت ابني الحبيب”. فنحن نصير محبوبين بالحبيب الوحيد يسوع. وندرك، عند ذاك، ان لنا أبا واحدا وهو الذي في السماء. لذلك نستهل الصلاة الربية بقولنا له: “ابانا الذي في السموات ليتقدس اسمك…”.

            نحن نسمع في قلوبنا اننا ابناء اذ نعرف اننا لم نبقَ عبيدا للخطيئة ولكن صرنا عبيدا للبر. وذلك يتم اذا ارسل الآب روح ابنه علينا كما ارسله على المسيح. المسيح يصور نفسه فينا بالروح القدس ويصير كل منا بالنعمة مسيحا اي ممسوحا بالنعمة. وبدء ذلك يكون بالميرون المقدس. والمسحة تدوم فينا اذا قبلناها بالرجوع الى الله.

            الغطاس الذي تقبّله السيد تقبلناه بالمعمودية بدءا وليس نهاية. والنهاية فوق في السماء من بعد قيامتنا من بين الأموات. عملية مستمرة وضع الرب يسوع أساسها بموته وقيامته فكانت البشارة بشهادة الدم. او بشارة الحياة الصالحة.

            لذلك يحتاج المؤمن الى المؤمن، ولذلك كان من الضروري ان يلتقي المؤمنون في الكنيسة فتنزل عليهم عنصرة كل يوم أحد وما أقيمت الذبيحة. وفيها نصير واحدا بتناولنا جسد الرب ودمه. وبلا ذلك نحن مبعثرون بهموم الحياة وغناها وملذاتها. نحن نصير في القداس الإلهي جسد الرب اي ملتصقين به ومنتظرين منه ان نصير به واحدا بعضنا مع البعض الآخر.

            عيد الظهور الذي هو العيد الأجلّ من بعد الفصح يصير عيدنا الشخصي ليس فقط يوم الذكرى ولكنه يصير عيدا موصولا.

            يظهر ابن الله للمرة الاولى سريا في قلوبنا يوم الميلاد طفلا فقيرا، معلما التواضع. ويظهر بنور جلي يوم عماده واحدا مع الآب والروح القدس ومتهيئًا لسر موته والقيامة. وهكذا تتجاوب الأعياد كما يتجاوب اللحن واللحن او كما تتجاوب الصلاة والصلاة حتى ندرك ان خلاصنا هو بالمسيح وحده فلا نفتش عن خلاص لنا وانتعاش وفرح الا اذا اعطينا الآخرين المسيح بحبنا لهم وهدايتنا لهم.

            الحياة المسيحية واحدة طوال حياتنا. ونبرزها بهذا العيد او ذاك وبالخدمة الإلهية الموصولة ودرسنا للكتاب الإلهي المحيي وعيشنا شركاء بعضنا لبعض ولاسيما للفقراء. لا الترتيل وحده ولا الصلاة وحدها مع ان كل نفحاتنا تأتي من الصلاة، ولكن باستمرار موت الخطيئة فينا وانبعاثنا بالرجاء حتى يكون الله الكل في الكل ويصبح الكون في آخر مطافه التاريخي مطرحا لله.

Continue reading
2005, جريدة النهار, مقالات

«وطني دائمًا على حق» / السبت 8 كانون الثاني 2005

لمّا أطلق الرئيس فرنجيه رحمه الله شعاره الكبير: «وطني دائمًا على حق» قلت في نفسي: لا يجوز الانحياز الى الوطن اذ قد يكون ظالمًا لاوطان اخرى حتى ادركت قدرتنا على فهم هذا الشعار بصورة لا تؤذي الآخرين. بالتأكيد لم يرد الرئيس سليمان فرنجيه ان الدولة دائمًا على حق اذ كان يعرف، رحمه الله، ان الدولة بشر وكان هو يعرف حدوده وحدود معاونيه وربما فهم ان رئيسًا شهمًا وشجاعًا وعفيفًا قادر على ان يلهب من حوله ببعض من فضائل يستقيم بها الحكم. الدولة اذًا ليست البلد وقد تقومه حسبما أوتي أركانها من مواهب او تعوجه اذا ما حرمت المواهب.

يصح شعار رئيسنا الراحل اذا اعتبرنا ان الوطن لا قوام له اذا عادى اوطانًا اخرى لانه، اذ ذاك، يفقد ماهيته او تاريخه او اطلالته. واذا كان الوطن محبًا لصالحه اي صالح ابنائه يعجز عن ان يكون جارحًا لبلد آخر او منقضًا عليه وتاليًا يصبح ناقضًا لذاته. ان تقول بأعمق المعاني: «وطني دائمًا على حق» هو ان تعني انه يجند كل قواه نحو الاحسن والاجمل والاقوم وهو ان تعني انك تبدأ باصلاح العالم كله بدءًا من وجودك والوجود متحرك بالخير ويبتغي الدوام على الخير والا كان مهدورًا. وهدر حسبما ورد في لسان العرب ما يبطل من دم وغيره. وفي الصحاح: ضربه فهدرت رئته تهدر هدورًا اي سقطت. وحكامنا هم الذين استعملوا جذر هدر ليتكلموا على زوال بعض من دخل الوزارات غير منتبهين إلى ان في الامر إثما يؤدب الآثم من أجله ولكن ليس في هذه الدولة من يؤدب الأثيم ليكون الوطن على حق ضد اعدائه من بنيه.

غير اني لست معالجًا لفالج الحكم ولم يبق لي ذلك الصبر لنقده اذ لبنان أبقى ولو لم تحمه دولة قادرة او فالج حكم أمسى غاية لنفسه لا وسيلة للخدمة. فنمشي نحن الفقراء والشعراء الحالمين بقوة لبنان وما فيه من قدرة على الحب. وبسبب من طاقتنا على الحب لست يائسًا من ان يعي الحاكم المسؤولية اي ان يتوب الى البلد وحاجاته لئلا يهدر رجاؤه بعد هدر الاموال في دوائر الدولة.

فعلى رغم حزننا على المجرى السياسي لنا ان نفرح بأصحاب المواهب والعقل وهم كثر بيننا. قد يخافون من كم افواههم وهذا ظلم يلحق بالوطن ولكن لنا رجاء للآتيات من ايام هذه السنة الجديدة. لبنان فيه ذكاء كبير وارجو ان تأتي حسناتنا الروحية كثيرة، عميقة لتغذي الذكاء. كل شعب له خطاياه ولكن حتى يكون وطنك دائمًا على حق لا تستطيع ان تتخلى عن اية فضيلة ينزلها الله عليك. قد لا نكون «خير أمة أخرجت للناس» ولكنا نسعى على دروب الخير وعلى دروب الثقافة الواسعة لتخرج من مجتمعنا دولة عظيمة قادرة على ان تغير العالم اذ «اعطينا ان نفهم ان كلا منا قادر على ان يغير العالم ولو لم تكن له أقل أهمية او أقل سلطة» على ما قاله الرئيس التشيكي السابق فاسلاف هافل. على كل لبناني ان يؤمن انه هو بحد نفسه قادر على الاقل على ان يغير ما في نفسه حتى يشع منه بعض من نور.

#  #  #

وهكذا كله ضمن المستطاع أو هذه –اذا شئتم– عمل النعمة قدرتنا على التحرر الذاتي وفي صورة أدق «ان نكون غير قابلين الهدم وعلى وجه أكثر دقة ان نكون» كما يقول كافكا.

ان تكون هو ان تكون موضوعيًا اي واقفًا امام موضوعك بلا انفعال لتقدر على معالجته. لقد أكثر حكام اليوم من استعمال كلمة موضوعي وأكثرت وسائل الاعلام من استعمال المفردة. وقد لا يكون استعمال اللفظة دائمًا دليلاً على صدق القول. غير ان الرب اوصانا ألا ندين ولو اوصانا ان نعقل الامور في راهنها لئلا ندان نحن واذا رأينا الامور في راهنها يؤهلنا هذا لمعالجتها بلا تزلف او انحياز او ارضاء لشهواتنا. غير ان هذا يتطلب كثيرًا من العفة وتجردًا من ولاء عقدناه لخارج بلدنا او انصارنا او ولاء لعنادنا.

والموضوعية بمعناها البسيط تفترض اننا آثرنا الحق على الباطل والحقيقة على التحذلق والخطابية التي نكثر منها خداعًا للناس ولانفسنا. ولعل انحدار المستوى الخلقي في هذا الفضاء او ذاك من الدولة علمنا نهائيًا انك قد تكذب مرة او مرتين ولكنك لا تقدر على ان تكذب الى الأبد وتغش نفسك بأن الناس صدقوك.

لست أعلم كيف لا يؤتى دائمًا بالفاهمين والذائقين الخير الى الحكم ليتلاءم وعبقرية هذا الشعب. هل مستحيل ان ترجو حكم الدولة بعباقرة او بموهوبي الروح وساطعي الدماغ ام نحيا في نظام الطلاق بين الموهبية والدولة بحيث يكون اصحاب المواهب ذوي موضوعية واخلاص وطهارة وتتأرجح الدولة بين نزوة ونزوة مرجئة فعلها الى الأقدار أو غير مؤمنة بضرورة فعل.

غير ان قلمي انزلق بعدما وعدتكم بأني لن أكلمكم على الدولة فإنها أتعبتني كما اتعبت سائر الناس. تجددوا إذًا انتم اذ لا بد من ان تثمر الجدة في تفاعلنا المجتمعي ويخصب البلد الفاضلون فيتلألأ ويحيا في غياب الدولة وانعدام ارادتها على التحكم بالمصير. لقد أتى زمان لا نشخصن فيه خطابنا الوطني ولا نحابي الوجوه ويكون العلم والحق المتلاثمان جسرنا الى الحياة الطيبة.

بدولة مستقيمة، عليمة، محبة، خادمة، كل منا مدعو الى ان يكون نزيهًا أنى حل ليزيد علمه ويقوى عطاؤه. وكل منا يستطيع ان يطهر عائلته ويتطهر في مهنته ويتقنها ويؤديها بلا زغل ولا جهل فيقوم كل يوم من هناته ومن تقصيره الطوعي او الكرهي. لا يعيش بلد بلا ابرار وبلا عالمين. فاذا رضي التفاهة لا يكون دائمًا على حق وهذا هو الارث الذي تسلمناه.

دائمًا لمست عند العرب في مشرقهم ومغربهم اعجابًا بلبنان وذهولاً امام حضارته. وكنت دائمًا اتساءل ان كانوا على حق اذ كنت ألح على ان البلد ينبغي ان يكون افضل. فلا نخيبن العرب لانهم اهلنا ولان علينا واجب خدمة لهم بما نزل علينا من حسنات. ولكن من أعجب بك له عليك الحق في ان تظل على بهائك. قد يتطلب البقاء على هذا المستوى بل رفعه حياة اقتصادية زاهرة لأن العطاء اليوم لن يكون بلا تكنولوجيا عالية تنتجها أنت ولا تستوردها. واذا كانت جارتنا الى الجنوب قادرة على التكنولوجيا فماذا يحول دون ذلك عندنا؟ دائمًا يؤلمني قول حكامنا وبعض المحللين ليس عندنا سوى السياحة. نحن قادرون على اشياء كثيرة منها تصنيع الزراعة ومنها التكنولوجيا الصغيرة الدقيقة اذ يأتي السائح او لا يأتي,. ولكن يبدو اننا شعب لا يؤمن بنفسه من حيث هو كل متكتل.

لن نكون شعبًا واحدًا ما لم نكن شعبًا آتيًا من تطلعاته وليس فقط من ذكرياته. انا لست تبسيطيًا لاقول ان الذاكرة التاريخية تفرقنا ولا يمكن ان نقوم بلا تراث، فالمسيحية والاسلام كلاهما تراث اذا عرفت ان تقرأهما جيدًا وان يفيد الكل منهما روحيًا وثقافيًا. ولكني ضد الذكرى التي هي افتخار بانجازات صحيحة او وهمية. وعلى هذا عشنا طويلاً وتفرقنا. ولكني أقول أن المستقبل الذي نريده هو الذي سيصنعنا لان هذا قائم على المسالمة على الابداع اي على الانتاج الذي ينفعنا وننفع به العالم. وهذا يحررنا من الخرافة ويقربنا الى الموضوعية. فما كان لبنان الماضي دائمًا على حق ولكن لبنان الآتي.

واذا كنا خلاقين حقا فلا يبقى وقت نلهو فيه بذكريات الماضي وبخاصة لا تبقى لنا حاجة إلى ان نتلهى بطوائفنا من حيث انها مجموعات تتنافس على الحكم او تطمع به. الانسان المبدع والعامل تصبح طائفته له مطرح الهام روحي وخدمة للوطن كله. فكثيرًا ما دعا الدعاة الى العف عن استغلال الطائفية. الدعوة لا تكفي. العطاء في دنيا العمل والادب والفن والاقتصاد يأخذك الى عوالم جديدة. الا تلاحظ ان المسلم والمسيحي واحد ومعًا في مجال الانتاج الاقتصادي وانهما معًا في الشعر والموسيقى وان الملهم ملهم والغبي غبي الى اية مجموعة دينية ولد فيها. اما قال الاقدمون في الغرب: «اول الاشياء ان تحيا وثانيهما ان تتفلسف». اذا آمنا بصحة ذلك نقلع عن نمط التفكير الراكد والمتذكر لنصل الى عمل جديد يصنع لنا فكرًا جديدًا وتاليًا وطنًا متأصلاً لا بماضيه ولكن براهنه ومستقبله. الوطن يأتي من الموضوع اكثر مما يأتي من الذاتية العاطفية.

اجل لا يحيا الانسان بلا عاطفة ولكنه يأتي من عاطفة يشرف عليها العقل والعقل المرتبط بالوطن من اجل الخدمة. واخشى ان يسبح البلد في عاطفية مائعة وتاليًا في الكذب ما لم يرتق اى اعلى ذرى العقل متحررًا من الخرافة. في الدين ينقذك العقل الراجح من الخرافات. ونحن في حاجة الى ان تكون حياتنا الروحية فيها عقل كثير لنعبد الإله الحق غير مقيدين بما نسجته الاهواء حول الدين.

أجل الحياة وجدان. لكن الوجدان ليس فقط ذاتية subjectivite متفلتة وان كان فيه الكثير من الذاتية السليمة. عند المحللين المعاصرين ليس من موضوعية كاملة باردة. وبلا اندفاع داخلي وثقة بقدرتك على الابداع لا تستطيع ان تأتي بشيء موضوعي. انا لا ادعو الى اطفاء الروح او اخماد الشعور ولكني ادعو الى ان تخضع قوى الانسان الى الاتزان ومنه ان ترى ان كل شيء له وزنه وان الاوزان على اختلاف. هناك تناسق بين الموضوعي والذاتي في الفرد وفي الامة في اشراف الحكماء أنفسهم على غير الحكماء. في هذا يكون الانسان السماوي الملتهب حبًا والثابت العقل.

ولنا في لبنان وربما في المشرق العربي في هذا مساهمة خاصة بعدما جفّ الغرب. نحن لا نتخذ الغرب نموذجًا في جفافه. ولكنا نعتمده نموذجًا في جديته العقلية ونبقى على وجدانيتنا التي كان الدين رافدًا فيها كبيرًا. ومن هذه الزاوية سنخدم الغرب يوم نعود الى اصالة جاءتنا من الله. لنا ان ندخل الحضارة من الباب الواسع وان نقوم بتجديد ديني يقوم على القلب المحب أولاً وعلى المعرفة ثانيًا وليس لنا في هذا ان نخشى أحدًا ان كنا صادقين.

واذا بتنا كلنا بشرًا جددًا يظهر الوطن الجديد بنا وبما نريده لكل مواطن. هذا الوطن الجميل بابنائه دائمًا على حق وترانا الامم الاخرى هكذا بلا حسد اذ نكون قد سلكنا مسلكًا الهيًا وتبلورت فينا بشرية صالحة. من بعد هذا او مع هذا تبدو منا دولة ساهرة يضمها الشعب اليه باخلاصها وتضم الشعب اليها بخدمته.

Continue reading
2005, مقالات, نشرة رعيتي

السنة الجديدة/ الأحد 2 كانون الثاني 2005 /العدد الأول

في طقوسنا الكنسية رأس السنة هو في أول أيلول. أما أول كانون الثاني فهو بدء السنة المدنية التي تعود إلى الإمبراطور الروماني يوليوس قيصر. وليس عندنا في هذا اليوم عيد اسمه رأس السنة. ولكن عندنا عيد ختانة الرب يسوع وعيد القديس باسيليوس الكبير. غير أن هذا اليوم يعتبره الناس مفْصلا ويطلق الناس الرصاص عند منتصف الليل ابتهاجا بالجديد الذي يأملونه. ولكن ما الجديد؟ اثنا عشر شهرا غالبا ما ستكون مثل السنوات السابقة فيها فقر شديد وعنف كبير وليس في الحياة السياسية الدولية أو المحلية ما يبشر بالخير. مع ذلك نريد أن نعتقد أنها فسحة أمل لأن الإنسان في ضيقه يرجو الخيرات. وعندنا نحن المؤمنين أن البركات تأتي من الله الذي يخترق الزمان وله القدرة أن يُنزل عليه نعمته. يمكن أن تحدث أعجوبة وان تتغير الأوضاع السياسية والاقتصادية بحيث يقلّ الفقر ويعمّ السلام العالم. ورجاؤنا ما قالته الملائكة: «المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام في أناسِ المسرةِ» أي الذين سُرَّ الله بهم لأنهم صالحون.

وكأن أنشودة الملائكة ليست تمني سلام لكل البشرية ولكن فقط لأولئك الذين أحبهم ربهم وأحبوه. فالملائكة تكلموا إذًا على سلام القلوب بالنقاوة وما تكلموا على سلام في دنيا السياسة. هذا ليس عنه وعد. السنة إذًا تجعلها أنت جديدة في نفسك إذا جددت نفسك بالنعمة. وهذا السلام الداخلي تعيشه أنت ولو معذبا ولو استمرت الحرب في العراق وفلسطين مثلا وأثر هذا على لبنان. أنت لا ترجو سنة جديدة ولكن تجديد ذاتك وتنقيتها تتجدد بها قلوب كثيرة.

قد تنتهي الحروب بقرار ويرتفـع مستوى العيش بمـجمـوعـة قـرارات متخـذة في البلـد وخـارج البلـد ويبقى نـاس أشرار يصنعون حروبـا بلا سلاح. وقد يـكون جرح القلوب أعمق من تلك التي تأتي بها الحروب.

فكّر منذ الآن كيف تتوب وكيف تتكتل مع التائبين لتكونوا ذلك القطيع الصغير المؤمن الذي لا يخاف لأنه أُعطي الملكوت. و«الملكوت في داخلكم» على ما قال السيد. ولكن إذا بقينا على صعيد الحياة المجتمعية، لك ان تعمل مع الآخرين لتحسين الوضع بكل الوسائل السياسية المشروعة أقله في بلدك الصغير لترى ان أشياء كثيرة تجددت لتتعزى بها ولا تظل تحت ضغط اليأس والحزن.

هناك إذًا جهدان مترافقان: جهد روحي كبير، عميق وجدّي، وجهد في المجتمع المدني عن طريق النضال الوطني الذي يطلبه الله منك ليحيا الناس بشيء من اليسر والراحة ويسعوا إلى سعادة عائلاتهم والوطن الذي يحتضنها. والتوبة التي تكون قد نزلت عليك تجعلك مواطنا صالحا ومقداما لأن السيئين لا يستطيعون ان ينشئوا بلدا سويا أو دولة هي في خدمة مواطنيها. فإذا كثر الإثم وفترت المحبة فلا جديد في الأمة وليس من دولة راقية.

لا شيء جديدا خارجا عنك وليس في المجتمع جديد إذا كانت القلوب ساقطة وليس فيها حرارة ولا كان في الأقوال دسم.

يمكن ان تتصور تصافي القلوب والفرح بالسلام ورُقيًّا حضاريا كبيرا تصل فيها دول متجاورة إلى التراص فيما بينها حتى تصبح مصرّة على عدم الحرب وعلى النمو الاقتصادي المشترك وهذا ما حصل في أوربا الغربية بين ألمانيا وفرنسا اللتين خاضتا ثلاث حروب بينهما حتى فهمتا ان السلام نافع لهما. وربما تم ذلك يوما في المجموعة الأوربية الكبيرة. لماذا لا يستطيع العرب أن يفعلوا ذلك؟

ينبغي ان تفهم الدول الغنية ان من مصلحتها ان تدعم الشعوب الضعيفة التي يقودها القمع الذي تعانيه إلى مظاهر العنف وما قد يسمى إرهابا. ينبغي ان تفهم الدول الغنية ان مصلحتها في رقي الأمم جميعا. ليس عند الله شيء ضد ان يرتب العالم شؤونه بإدراكه أن حاجة الجميع هي إلى المشاركة في الخيرات والمشاركة في الإنتاج الفكري والفني. هذا يعني إيمانا من القيمين على الشعوب ان التنافس في الحسنى يأتي في صالح الجميع. علينا ان نرجو يوما لا يحتاج فيه الإنسان إلى تأكيد نفسه بالسلاح بل إلى تأكيد نفسه وسواه بالحب.

عند ذاك كل سنة جديدة تصير أعظم جدة من التي سبقتها. أما مساهمتنا نحن المؤمنين فأن نهيئ بالتقوى العقول إلى هذه القناعة. فإذا أحسست بأهمية الله عندك تشتهيه للآخرين.

Continue reading