أحد جميع القديسين/ 25 حزيران 2000/ العدد 26
فجّر الروح القدس طاقة الكنيسة على القداسة وهو الذي يُنشئ فيها القديسين. لذلك رأى آباؤنا أن تُخصّص لذِكْر القديسين جميعا ومجموعين الأحدَ الواقع بعد نزول الروح القدس على الجماعة الرسولية.
في كتابات العهد الجديد كل مسيحيّ معمَّد قديس ليس بمعنى أنه كامل ولكن بمعنى أنه صار مخصَّصا للرب بمعموديته. في مرحلة أخرى سَمّينا قديسين أولئك الذين أَثبتوا بشهادتهم أنهم لا يخصّون أنفسهم ومنافعهم في الأرض. فأخذت الكنيسة تلحظ أولا أن كل شهيد قديس لأنه قدّم حياته للمسيح ودمه شاهد على حبه. ثم رأت أن بعض الرهبان الكبار كانت طهارتهم شهادة عوض الدم. كذلك أَدركت أن المعلّمين الكبار الذين دافعوا عن الإيمان الأرثوذكسي وشرحوه واضطُهد بعضهم من أجله، وكانوا على سموّ روحيّ كبير، إنما يمكن اعتبارهم قديسين.
كَشْفُ هذه القداسة للناس كان يأتي في أكثر الأحيان من جمهور المؤمنين في هذا البلد او ذاك، فكان نوع من الإعلان العام يبدأ تلقائيا وتُرسَم للقديس أيقونة وتذيع الرئاسة الروحية اسمه وتؤلّف لتكريمه صلوات في خدمة الغروب وخدمة السَحَر. حركة تلقائية شعبية حتى انتظم إجراء رسميّ يُدعى تطويبا او إعلان قداسة بحيث يدرس المجمع المقدس سِيْرة مَن اشتهر بالتقوى واحيانا بالعجائب (هذا ليس شرطا في كنيستنا) ثم يُتّخذ قرار رسمي في المجمع بتطويب هذا الانسان. هكذا جرت الامور لما أَعلَنّا قداسة يوسف الدمشقي مؤخرا.
في القديم، عن طريق نَسْخ المخطوطات وترجمتها وشيوعها، كانت كل كنيسة محلية تستلم كُتُبَ الصلاة من القسطنطينية بالدرجة الأولى. فمَن كان مطوَّبا فيها يُؤدّى له الإكرام في كل كنيسةٍ تَرجمتِ الكتبَ من اليونانية. ولكن إلى جانب هذا كانت كل بطريركية تقيم قديسيها المحليين. فالكنيسة الروسية مثلا لها قديسوها لا تقام لهم أعياد في غيرها. كذلك نحن عندنا عدد لا يُستهان به من القديسين الأنطاكيين لا يكرَّمون في بطريركيات اخرى. ولكن لا شيء يمنع أن تتبنّى كنيسة -بقرار- قديسين مِن بطريركية اخرى. وعلى صعيد خاص لا شيء يَمنع مثلا أن نتبنّى نحن قديسا روسيًا أو يونانيًا أو صربيًا. يكفي أن نترجم الصلوات المخصَّصة له وأن نُقِيمها ببركة المطران المحلّي.
الجميل في كنيستنا الصداقة التي بين كل واحد منا و«قديسيه». فهذا له صِلة وجدانية او عاطفية أكثر مع مار انطونيوس، وذاك مع جاورجيوس او النبي الياس. كلهم فوق مجموعون. الانتباه هو فقط إلى أن نعرف انهم يجيئون من المسيح وانه رأسهم، ولكن لا أهمية لهم إلاّ بقدر ما كانوا له خُدّاما.
والانتباه الثاني أن القداسة هي المسعى الأول والأخير، وأن كل عبادتنا وخِدْمتنا الرعائية ووعظنا وعملنا الاجتماعي هدفها الوحيد تشويق المؤمنين إلى حب القداسة.
Continue reading