Monthly Archives

January 2011

2011, مقالات, نشرة رعيتي

زكّا العشّار/ الأحد 30 كانون الثاني 2011/ العدد 5

هذا كان رئيسًا لجباة الضرائب اي كان يلتزم الضرائب التي تدفع للرومانيين: السلطة الرومانية تُعيّنه لقاء مبلغ يدفعه لها، وهو يوظّف أَعوانًا له ليجبوا من الشعب، وكانوا يقبضون من الأفراد بمقتضى الهوى فيُحقّقون لهم شخصيا أرباحًا طائلة. كان رئيس العشارين في مدينة أريحا مثلا عَيَّنت له السلطة المدنية أن يجبي عشرة آلاف دينار، فيجمع من مجموعة المواطنين عشرين ألف دينار ويترك الفرق في جيبه.

زكّا العشار كان رئيس جباة أريحا. يقول عنه الإنجيل انه كان غنيّا، ولا يقول انه كان سارقًا مثل معظم الذين كانوا يلتزمون الجباية من السلطة الرومانية.

زكّا كان عنده الفُضول أن يرى يسوع إذ عرف ان السيد كان مزمعا أن يجتاز في أريحا. ربما كان هذا عنده فُضولا ليرى شخصيةً ذاع صيتُها في البلاد، هل كان هناك عمق روحي أكثر؟

جُلّ ما نعرفه أنه قام بجُهد إذ تَسلّق جُمّيزةً ليراه لأنه كان قصير القامة. هل كان وصفُه بقصير من قبل لوقا ورواية أنه صعد الى الجميزة ليوحي لنا أن علينا أن نتخطّى كل صعوبة روحية فينا لنلقى يسوع؟

لمّا رأى يسوعُ زكّا جالسًا على غصن من الشجرة، قال له: “أَسرعِ انزلْ، فاليوم ينبغي لي أن أَمكُث في بيتك”. كان السيد اذًا مزمعًا أن يدخل في حديث طويل مع الرجل يتطلّب ساعات من الليل.

هنا قال الإنجيل: “فأَسرعَ ونزل”. لم يقل فقط “نزل”. نفّذ كليًا رغبة يسوع إليه. ثم يقول: “فقبِلَه فرِحًا”. زكّا يعرف أن هذا المعلّم الجديد عنده أشياء يقولها من الله، تمتمة لتوبته. فبعد أن دخل البيت، أتت من زكّا الكلمة الصاعقة: “ها أنذا يا رب أُعطي المساكين نصف أموالي، وإن كنتُ قد غبنتُ أحدًا في شيء أَرُدّ أربعة أضعاف”.

مَن يُعطي نصف أمواله للمساكين؟ لماذا أربعة أضعاف؟ أليس لأّنه خاف بألاّ يرُدّ كل شيء للذي غبنه بالجباية؟

بعد هذه الآية المخلِّصة للرب يسوع، “اليوم حصل الخلاص لهذا البيت”. اليوم، بتوبة هذا الرجل تنتهي حياته السابقة. ثم يأتي الوعد: “لأن ابن البشر إنما أتى ليطلب ويُخلّص ما قد هلك”. ليس من إنسان محكومًا عليه او أنه اعتُبر من أبناء الهلاك إنْ هو أَحبَّ الرب فوق ما هو بشريّ فيه.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

دعاء من أجل لبنان / السبت 29 كانون الثاني 2011

هذا البلد، بلدنا، ربي، بين يديك. ارتضيناه، جيلا بعد جيل، لحياتنا. ولكن سر إجماعنا عليه اننا آمنا بنعمتك عليه ونحن نؤمن انها باقية عليه ان نحن اطعناك وأطعناك أمة واحدة لنشهد للعالم على اننا، على اختلافنا في ما ورثناه من ذاكرتنا الجماعية نحن مؤهلون، بنعماك على الايمان بك، وسنسعى مع الصابرين القديسين ان نتمم ما يرضيك.

قادنا التاريخ الى تلازم العيش على هذه البقعة من الدنيا ووثقنا بعد صراعنا الأرواح الشريرة التي في الجو انك تريدنا الا نهجر هذه الأرض استرحاما لأولادنا. لقد عشنا زمنا مديدا على جراح وعلى تضميد جراح. اغفر لنا كل خطيئة قادت الى جرح آخر وتغاضَ عن إغفالنا له. ولعلنا نسينا ان اثم الغفلة عظيم. قد يكون الصغار الصغار اعظم في عينيك من الكبار علّم الأكابر انهم واحد مع الأصاغر. أدعو ايضا من اجل المستكبرين الذين لا يعرفون انفسهم اذلة. على جهلهم هؤلاء هم لك ايضا فالقبيح عندك كالجميل اذ لا تستقبح انت ايضا من تاب.

ليس احد منا قائما بقوته. انت القدوس والقدير وحدك. المخدوعون بقدرة عقولهم وكيدهم وضمهم كل آفاق الدنيا الى شهوات صدورهم ارحمهم هم ايضا وأعدهم الى التواضع الذي ناديتنا جميعا به حتى يسكنوا اليك ويستمدوا منك طرق سلوكهم عسانا نحن التائبين اليك نضم الجميع الى حنانك. نجنا من الدماء يا الله اذ خشيتي ان تبغض قاتلي البلد ولا تغفر لهم. والأعزة عندك محتقرون في هذه الأرض.

قد همس الشيطان في آذان الكثيرين وقد سمعنا القليل او الكثير من هذه الوسوسات وصدقناها. قد يظن اهل الحل والربط ان في ايديهم الحلول لأنهم يؤمنون بذكائهم. لست انا ديانًا لشعبي فإنك جعلت الدينونة بين يديك. وليست نيتي ان اقول ان بينهم اغبياء ولكن كل منا يفحص عقله وقلبه يرى ان كان بطريقة او اخرى انقاد الى شيء من الغباء وأسهم في دمار هذه البلد.

#          #

#

انت رب لكل طوائف هذا البلد. كلها باللسان موحدة والقلب انت تعرفه. قوم قلوبنا، طهر نياتنا لنعبدك مما من القلب ينضح على اللسان فنستقيم.

إسلام العالم سيبقى بعد ملايين من السنين. وسترى الطاهرين منهم لك. وإيماني انك ستحفظ المخلصين من المسيحيين حتى نهاية الدهور. كذلك ايماني بأن جمع الشعوب في ملة واحدة ضرب من الخرافة. وما يؤنسني يقيني ان الانسان له ان يحب من اختلف معه في المعتقد وتقاليد المعتقد وما تحول منه الى جماهير حضنته كما تشاء او كما قدرت. كذلك يقيني ان بيننا عقلاء كثيرين يحافظون كل منهم على ما استلم من ربه وما خذله. ليست القضية ان يجتمعوا حول مصالح هذه الدنيا في حكمة هذا الدهر ولكن حسب الحكمة التي توحيها -انت لهم في قلوب منكسرة- لا تبح يا سيد لأحد منا اي نوع من الاستباحات ولا اي شعور بالاستعلاء ولا اي تنطح للسلطة ان كان حقا قادرا على الحب وعلى اجتماع المحبين لإعمار لبنان فكرا وعملا.

هذا طبعا يقتضي ترتيبا لأمور تبلغ احيانا ذروة في التعقيد ولكن هبنا الا نعقد الأمور استكبارا او طمعا في التسلط. حبهم لك يعني في ما يعني انه لا حق لأحد باسم الدين او المذهب ان يقود هذا البلد وحده وممنوع على اية طائفة ان تربط كرامتها بهذا المنحى او ذاك من السياسة. هذا يطرح مسألة الطوائفية التي ارجو ان تسمح لي بالا اجعلها بعضا من دعائي. هذه لن تذهب الا بدوس قدميك لها.

اما الطوائف فلا يهمك ان تكون مكونة فقط من اجساد. انت ترى وجوها جميلة في كل تكوين تاريخي ومن كان جميلا لديك يتعاون ومن تستحسن من كل صوب، لذلك ترتكب معصية ضد الانسان تلك المجموعة التي تعتبر نفسها الأبهى والأفعل والأبقى. «كل جمال عشب وكل جماله كزهر الحقل. يبس العشب، ذبل الزهر لأن نغمته الرب هبت عليه. حقا الشعب عشب» (اشعيا 40: 6 و7). وفق كلام نبيك أقول كل طائفة عشب. واذا قالت كلمتك تكون او الأحسنون فيها يكونون. وانت تتمجد فيهم ولا تنظر الى امكنة صلاتهم بل الى صلاتهم.

#            #

#

ليس مرادك ربي ان تلقن اللبنانيين فقه السياسة. هم خبراء في هذا الحقل، علمهم الصدق اولا والا ينتقصوا من مجد الجماعات الأخرى لأن كل مجد زائل كعشب البرية. هم يفرحهم كثيرا انهم يتقنون فن إدارة البلد. ولكن قلة منهم تعلم ان الله ليس حليف اي مكون مجتمعي في هذا البلد لأنه فقط حليف من احبه.

ولعل افضل إلهام يحتاجون اليه ان عشق المال باطل وانه كان خراب البلد في مرحلة ليست ببعيدة. قلت هذا لأني رجل طاعن في الشيخوخة ورأيت ازمنة اجمل. انت قادر الآن ان تجعل الأيام الآتية اجمل من كل ما مر علينا من ايام.

عالجنا يا رب علاجا سريعا لأننا مشرفون على الموت الروحي. من زكى نفسه لأي سبب سياسي بتحليل يعتبره صحيحا وقتل نتيجة تحليله هذا مآله غضبك.

ارحمنا يا رب ارحمنا لأننا لما جرحنا البلد اخطأنا اليك وهذا هو الموت الكبير. توبتنا اليك تسوقنا الى ان نتوب الى الآخرين والى ديمومة لبنان لخدمة بني الانسان. آمين.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الخطأة الذين أنا أَوّلُهم/ الاحد 23 كانون الثاني 2011/ العدد 4

من هو تيموثاوس الذي أُرسلت اليه رسالتان؟ من أعمال الرسل نرى ان بولس لقي هذا الشاب في لسترة وجعله معاونه الأمثل. كان أبوه يونانيا اي وثنيا وكانت أمه يهودية واعتنقت الإيمان المسيحي وتعلّم الكتب المقدسة اي العهد القديم منذ نعومة أظفاره.

كانت تنتابه وعكات كثيرة واهتم بولس لصحته وختنه لتجنب المتاعب التي يثيرها المسيحيون المتهودون. ورسمه مشايخ الكنيسة. الرسالات الرعائية وهذه منها تعكس لاهوت بولس.

في الرسالة الأولى الى تيموثاوس يقول معلّمه بولس أنْ «صادقة هي الكلمة وجديرة بكل قبول» وهي كلمة التي كان يعلّمها الرسول ويسمّيها إنجيله أي ذلك الذي أخذه مباشرة من السيد منذ ظهوره له على الطريق المستقيم، وهي أن المسيح جاء ليخلّص الخطأة اي نحن جميعا، ثم يعرّف نفسه على انه أوّل الخطأة وهي الكلمة التي على كل واحد منا أن يـقولها عن نفسه، اذ ليس لأحـد مـنا أن يـقارن نـفسه بالآخرين فلا يقول عن نفسه أنا أَفضل من هذا وذاك بهذه الفضيلة او تلك، وعليه أن يرى نفسه آخر الناس لأن الرب وحده يدين سرائر الناس حسب إنجيلي (والكلمة لبولس) بيسوع المسيح.

فليس لأيّ إنسان أن يـقول عن نـفسه إلا أن الرحمة تنزل عليه وتنقذه من كل خطيئة. واذا رحمه الرب، يكون هذا بطول أناته. عند ذاك يرى الناس رحمة الرب عليه ويعرفون انها ستنزل عليهم لينالوا الحياة الأبدية التي تبدأ بالمعمودية وتبقى معنا في الأسرار المقدسة والإيمان.

«فلمَلِك الدهور الذي لا يعروه فساد ولا يُرى، الله الحكيم وحده، الكرامة والمجد الى دهر الداهرين». هذه هي حركة اختطافنا اليه في التسبيح. الحركة الاولى نحو الله هي السؤال او الطلب. واذا نلنا الطلب الذي يكون لخلاصنا، نشكره. وهذه هي الحركة الثانية نحو الله. وبعد هذا لا يبقى الا التسبيح.

هذه الحركات الثلاث هي الصلاة. نتوسل اولا لنيل ما هو للخلاص. لنا أن نطلب الصحة ووسائل العيش دون أن ننسى أنها تقودنا الى الله. الصحة والطعام والشراب ليست غاية. هي طريق الى خلاص النفس وتنقيتها. هذا وحده السُكنى مع الله في هذا العالم والعالم الآتي. مُعاشرتُنا الرب في كل يوم هي الخلاص عينه.

أن نعيش في طلب الغفران في التواضع نتيجة قول الرب: «صلّوا في كل حين». نحن لا نستطيع أن نتلو الصلاة في كل حين، ولكنّا نطلب أن يرفع الرب قلوبنا اليه في كل حين. وهذه صلاة لا كلام فيها. واذا أدركنا هذه الدرجة في العلاقة مع الآب والابن والروح نكون في السماء منذ الآن، نصبح مسكن الله، أحرارا من كل شهوة مؤذية، منجذبين الى وجه الآب الذي هو البدء والنهاية.

وهذا لا يتحقق لأحد ما لم يرَ نفسه مثل بولس «آخِر الناس»، اي اذا تواضعنا، والتواضع فضيلة ما من بعدها فضيلة. هي التي تؤهلنا أن نقول مع بولس ان المسيح جاء ليخلّص الخطأة الذين أنا أوّلهم. عند ذاك يرفعنا الله الى عرشه.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

بناء الكنائس في دار الإسلام / السبت 22 كانون الثاني 2011

سأرى الى هذه المسألة في جانبيها النظري والعملي منذ بدء ظهور الإسلام. جاء في التنزيل: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيَع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا» (سورة الحج، ٤٠). يقول الله هنا ان البيع وهي الكنائس يذكر فيها اسم الله. هذا موقف من المعابد المسيحية ودي.

عند الفتح لدينا العهود العمرية التي تنهي عن هدم الكنائس في الكلام الآتي: «هذا ما أعلن عبد الله عمر، أمير المؤمنين، اهل ايلياء (هذه كانت التسمية الرومانية للقدس)، من الأمان. أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. انه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم. ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا شيء من أموالهم. ولا يضار أحد منهم…». وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين.

وهذا طبعا يتمشى مع اعتبار التنويع الديني قصدا من مقاصد الله: «ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة« (هود، ١١٨) بحيث لم يشأ الوحي أن ينصهر الموحدون في ملة واحدة على قول الوحي: «ورضيت لكم الإسلام دينا». وقبل نزول هذه الاية لم ترد كلمة الإسلام مرة واحدة بمعنى ان اهل الاسلام هم حصرا الذين اتبعوا رسالة محمد. واذا كان اليهود والنصارى يصلون على طريقتهم فهذا يفترض اماكن تجمع لهم للصلاة. وفي حال اعتبر عمر ان العهد الذي اعطاه اهل ايلياء عهد الله أفهم من هذا انه لا يتبدل بتبدل الأزمان.

فيما كنت اتأمل في هذا سمعت منذ ايام معدودات ان دولة المغرب تمنع بناء كنيسة فلم أفهم القصد من ذلك اذ ليس في هذا البلد الطيب شقيق مواطن مسيحي واحد. من يخشى المغرب في حالة الفراغ الكامل من المسيحيين؟

المملكة العربية السعودية تحرم تحريما قاطعا بناء كنائس ربما استنادا الى حديث شريف مفاده ان لا تجتمع ديانتان في الجزيرة. ولست اظن ان المملكة تمنح جنسيتها لغير مسلم. فالمنع يقع تاليا على المسيحيين الأجانب الذين يقصدون المملكة للارتزاق. غير ان دولة الإمارات تشاد فيها كنائس بمعرفة السلطات وإذنها. وبهذا تكون اجتمعت غير ديانة في جزيرة العرب.

في هذا الاتساق نشرت “لجنة العمل ضد عدم التسامح في البلدان الاسلامية” في 17 كانون الثاني 1997 في باريس لصالح المسيحيين المميز ضدهم (وهذا تعبيرها) في المملكة العربية السعودية طالبين من السلطات منحهم الحق لممارسة دينية موافقة لإيمانهم الحق في المجمعات للصلاة.

بعد هذا التداخل نشر الشيخ أبو بكر جابر (أو الجابر) رئيس قسم الدعوة الاسلامية (انقل عن الفرنسية) في جامعة المدينة في لموند (20 /8/ 87) ردا أهم ما ورد فيه ان المملكة العربية السعودية ككل يعتبرها الاسلام مسجدا لا يمكن ان تجتمع فيه ديانتان.

في زمن هذه المناقشة الصحافية كان في المملكة ثلاثمئة ألف مسيحي من العرب والهنود وغيرهم قصدوا ذلك البلد للارتزاق وربما بلغوا اليوم عددا أعظم من هذا. فالمنع من صلاة الجماعة يقع على هؤلاء وهم يتوقون ان يقتربوا الى الله حسبما يعرفون وتعرف السلطات هناك ان لا خطر منهم على الاسلام اذ “لا ردة في الاسلام”.

اليس من الممكن في احترام متبادل بين السعوديين والأجانب ان يسمح لهؤلاء بما هو الحد الأدنى من الاعتراف بحريتهم، ان يسمح بدعوة قس أو بضعة قسوس لإقامة الصلاة في أيام الآحاد او أقله بدعوتهم مرة أو مرتين في السنة أي في الميلاد والفصح لإقامة الصلاة للمسيحيين وذلك في تخصيص قاعات لهم في المناسبات؟

هذا لا يكون الا اعترافا رمزيا بوجود انسانية كامل الاعتراف بها في هؤلاء المهاجرين ويكون هذا تطبيقا للقاعدة القرآنية: “لا اكراه في الدين”.

أما في مصر فالمسيحيون كانوا يصلون حتى فترة قصيرة متى شاء لهم رئيس جمهوريتهم ان يصلوا. يشيدون معابدهم ويرسمونها اذا أراد ومتى أراد. والآن انتقلت المشيئة في كل محافظة للمحافظ أعني المشيئة المطلقة بلا شرط ولا معيار قانوني ولا سؤال عن حاجة أصحاب الاستدعاء وعددهم. السيد المحافظ مرجع نفسه. ونفسه مرجعها مزاجه.

كل جزئية في حالة الكنيسة بأمر السلطة فالترميم قد تقتضيه حالة البناء وقد يسقط على رؤوس العباد. من الترميم المطلوب مثلا ابدال حنفية ماء معطلة بحنفية جديدة. هذا يتطلب استئذانا.

للدولة المصرية الحق باتخاذ الاسلام دينا لها ولكن هذا الدين هو يقول انه لا يقيد الآخرين بحيث يبيح لهم حق العبادة ويعتبر ان الاختلاف والتعدد مشيئة الله. أنا لا أود ان اتكلم هنا على الديموقراطية وحقوق الإلسان. هذه لغة غريبة احترمها. اني أريد ان أخاطب دولة اسلامية لشعب عزيز وشقيق من ضمن المنطق الاسلامي، من سورة الحج، من ايام فجر الاسلام كما سماه احمد أمين كان أعظم سماحة من أيامنا هذه. أنا في إطار التعامل المسيحي – الاسلامي أتحدث انطلاقًا من لغة الاسلام.

لقد فهمت دولة الامارات وربما دولة البحرين بان الاعتراف بالضيف هو أولا الاعتراف بحريته ان يصلي حسب قلبه.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

الانسان الجديد/ الأحد 16 كانون الثاني 2011 / العدد 3

ظهور المسيح المحكي عنه في مطلع الفصل المنشور من الرسالة الى اهل كولوسي هو ظهوره في اليوم الأخير. الرسول يتمنى ان نظهر مع المسيح في المجد الناتج من طهارتنا. لذلك يؤكد بولس توا بعد هذا أن نميت “أعضاءنا التي على الأرض”، ولا يقصد بذلك طبعا ان نتلف هذا العضو أو ذاك، ولكنه يستعير صورة العضو الجسدي ليتكلم على الخطايا التي يجب ان نخلعها عنا كأنها اعضاء فينا.

يذكر خمس شهوات ويخصص الطمع فيعتبره عبادة وثن، وهنا كلامه صدى للإنجيل الذي ينهانا عن عبادة الله والمال. بعد هذا يذكر خطايا من نوع آخر وأداتها هذه هي الفم (خبث، تجديف، كذب).

هذه كلها ينسبها الى الانسان العتيق فينا اي انسان الخطيئة الذي لم يتجدد بالنعمة. يقابله الانسان الجديد الذي يتجدد دائما بالنعمة ويتحرك الى معرفة الله في المحبة والطاعة وتتجدد فيه صورة الخالق وهو خُلِق على هذه الصورة.

فاذا صرنا جميعنا هكذا لا يبقى من فرق بين يوناني ويهودي اي بين مسيحي جاء من الوثنية ومسيحي جاء من اليهودي وهي فروق على أساس العنصرية ظهرت في الكنيسة الاولى. واليهودي كان مختونًا ولم يكن كذلك الوثني. لذلك رأى بولس ان يؤكد رمز الخلاف؛ نقال “لا ختان ولاقلف” (وفي ترجمات اخرى لا غرلة).

ثم يذكر تقابلا حضاريا آخر فينفي التصادم بين البربري والإسكيثي. اما البربري فهو من لم يونانيا اي من كان برأي اليونانيين غير متحضر. يقابله الاسكيثي وهذا من قوم على شيء من حضارة كانوا ساكنين في المنطقة الجنوبية من روسيا.

غير ان التعارض الكبير في ذلك الزمن هو بين العبد والحر. العبد او الرقيق لم تكن له شخصية قانونية وما كان يُسمح له بالزواج الشرعي وكان يسمح له بالمساكنة.

والمسيحية بعد بولس وعلى هذا الكلام لم تستطع ان تلغي الرق، فكان المسيحي يمكنه حسب الشرع الروماني ان يكون عبدا ولكنه في الكنيسة أخ للحر يتشاركان معا في الكأس المقدسة، وفي الرسالة الى فيلمون رفع بولس من شأن العبيد.

فاذا زالت كل هذه الفروق في التعامل ضمن الكنيسة يظهر المسيح على انه كل شيء وفي الجميع. لقد كشفت الكنيسة وحدة جديدة بدم المسيح.

من المؤسف وعلى رغم تحذير العهد الجديد من الفروق بين البشر، نرى هوة بين الرجل والمرأة واستعلاء ونرى فرقا بين المواطن وخادمه، او خادمته وظلما للخدم حتى العنف والقهر والضرب. ونرى تفضيلا في التعامل الكنسي بين الغني والفقير. الفرق بين الطبقات له أثر احيانا بين المؤمنين الذين يتناولون من الكأس الواحدة. ونرى فرقا بين المتعلم والجاهل مع انهما واحد عند الله، او نرى احتقارا للمعوقين، وربما تفضيلا على اساس الجمال والسن مع ان الناس واحد في رؤية الله لهم ومحبته لهم. اذا كان المسيح عندك كل شيء، فالناس كلهم ينبغي ان يكونوا متساوين عندك كما هم متساوون عنده.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

المسيحيون المشرقيون / السبت 15 كانون الثاني 2011

العبارة لها دلالة لاهوتية لا جغرافية. فهناك لاهوت غربي خاص نما في القرن الثالث عشر وهناك لاهوت شرقي يحافظ على فكر الآباء القدامى بصورة حادة. غير اننا في هذه العجالة نتكلّم على كل المسيحيين القاطنين المشرق العربي، على اولئك الذين انضموا فكريا ونظاميا الى الكثلكة والذين لم ينضموا ذلك ان هناك مكونات مشتركة لكل الكنائس كالنظام البطريركي او المجمعي وأحيانا هيمنة للغة قديمة في العبادات مثل السريانية والقبطية والأرمنية والحبشية القديمة واتخاذ هذه الكنائس طابعا اثنيا ما لم يحل دون تفشي العربية في الصلاة. فاذا استثنينا إثيوبيا نرى هذه الجماعات المذهبية قاطنة الشرق العربي.

الى هذه الجماعات ظهرت الحركة الإنجيلية منذ الثلث الأول من القرن التاسع عشر التي لعبت دورا هاما في النهضة العربية وفي نشر مبادئ الإصلاح البروتستنتي وتأسيس التعليم الجامعي.

وعلى كون بعض من هذه الكنائس تفرعت عن الجذر القديم وعلى بقاء الأصل والفرع وما بينهما من خلاف واختلاف فإن ما يجمع كل المسيحيين في هذه المنطقة ايمانهم الواحد بالمسيح واتباعهم انجيلا واحدا ودستور ايمان واحد ما يجعل الرؤية الى وحدتهم امرًا شرعيا. وهم يتقاربون كثيرا في المحبة وذوق الإلهيات والتعاون على الأرض من بعد منتصف القرن التاسع عشر وتجمعهم المحنة اذا حلت بفريق اذ يحسون ان استضعاف هذا الفريق يصيب الجميع. من هذه الرؤية صح إحساسنا بوحدة المسيحيين المشارقة فعلى عدم احصاء دقيق ارى انهم لا يقلون عن خمسة عشر مليونا في العالم العربي وهم انتشروا فيه من بعد موت المسيح بقليل يحمل رسالته الى كل أصقاع هذه الديار تلاميذه الاثنا عشر ورفقاؤهم في الرسالة.

واذا اخذتهم جملة لا يصح السؤال متى جاؤوا. هم كانوا قبل تدوين الأناجيل في سوريا ولبنان وفلسطين وآسيا الصغرى (تركيا الحالية) ومصر. عندنا مد مسيحي منذ البدء ولم ينقطع وحسب المؤرخين المحدثين كانوا في اواسط القرن الثالث عشر 75% من اهل بلاد الشام والى فترة قريبة 30% فيها.

# #

#

وما كان أهم من العدد كانت سوريا بمعناها التاريخي ومدينة الاسكندرية في الألفية الأولى تحملان كل الفكر المسيحي اي في زمن لم تكن فيه اوربا شيئا. كل المسيحية عقيدة ونسكا ورهبانية كانت هنا. وكفاك ان تقرأ أعمال الرسل لترى ان الايمان المسيحي حمله الى العالم دعاة ذهبوا الى الغرب من انطاكية عاصمة ولاية المشرق الرومانية وحسبك ان تعرف ان المسيحية اجتاحت كل الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط انطلاقا من صور.

لذلك كان من جهل التاريخ ان يقرن اسم المسيحية بالغرب. الغرب ولدناه نحن في المسيح حتى استقام عقله الديني. ولما أحس بقوته العسكرية في آخر القرن الحادي عشر شن علينا (وقلت علينا) ما سميناه حروب الفرنجة في القدس فذبحوا الأرثوذكس والأرمن والمسلمين معا. وفي الحملة الرابعة التي شنوها على القسطنطينية السنة الـ 1204 دمروها ودنسوا كنيسة ايا صوفيا. لماذا تحولت هذه الحملة عن فلسطين لكسر امبراطورية مسيحية؟ نحن لم نكن اذًا حلفاء الغرب وما اشتركنا في إبادة المسلمين.

لذلك عندما يسمينا أيمن الظواهري صليبيين يكون غير قارئ للتاريخ او يتجاهله. لماذا ندفع نحن ثمن الغباء الغربي؟ ولماذا ينظر بعض القوم على اننا جالية مزروعة هنا وغير أصيلين؟ متى تهب ربي عقولهم العدل حتى يثقوا بنا ونحن لم نخرب كيان احد؟ عندما نتهم بمحالفة الاستعمار هل يعني ذلك اننا رفعنا المعاريض لندعو الاجنبي الى احتلال بلادنا؟ كلكم يعلم ان استعمار الفرنسيين والانكليز لمناطقنا كان مبنيا على قرار سايكس بيكو في تقسيم الدولة العثمانية؟ هل نحن ترجينا فرنسا وبريطانيا العظمى وروسيا القيصرية المجتمعة آنذاك لنعرب لها عن سرورنا باحتلال الغرب لديارنا؟

# #

#

ماذا يعني الحضور المسيحي في الشرق لكل انسان فيه. اذا أدرك ان هناك ما يفوق السياسة قدرا واذا فهم المسيحيون ان قضيتهم أثمن بكثير من تحصيل حصة في الحكم. اذا احسوا انهم بناة للبلد حصة من حصص الله ماذا عليهم؟ انهم عطاء روح لكل روح ودفق حب لكل قلب، لكونهم يعطون ما ركزت عليه رسالة الإنجيل في إلهام بولس ان يتمنى ان يصبح كل منهم إنجيلا حيا لا مكتوبا بحبر وقلم. واذا لم يحسوا بهذه المسؤولية فليذهبوا. لا محل لهم على تراب البلد الا اذا كانوا آتين اليه من الحضن الإلهي.

هذا لا يعني انهم بذلك يحمون انفسهم. هذا يعني انهم يحمون كل انسان من جهله. لم يبقَ مجال الآن للافتخار بالجسد، بترف العيش وان كانوا مترفين او بالاعتزاز بثقافتهم فكل الناس باتوا عارفين بكل شيء. وليس عند المسيحيين اي امتياز على الصعيد الثقافي في المثلث السوري-اللبناني-الفلسطيني واذا تمتع المواطنون جميعا ببهاء المعرفة فهذا يسرنا جميعا.

اذا تجمّل المسيحيون بكل جوانب الطهارة والصدق والإخلاص لاوطانهم هل يثمر هذا سلامة لهم؟ الطهارة وما اليها كثيرا ما كانت مقرونة بالشهادة اي بالموت. السفلة والأدنياء لا يقتلهم احد. اما الذين نالوا حرية الروح فليس لهم ضمانة الا من الروح. ان تعالوا والتمسوا القداسة يسكن الله في قلوبهم. في هذه الحال من اعتدى عليهم يكون معتديا على ذات الله. ان طلبوا الدرجات العلى من تأله يكمن فيهم قد يؤتاهم التأليه مجانا وان لم يلتمسوا الألوهة تصير حياتهم فراغا.

القولة ان لبنان بلا مسيحية لا ينفع شيئا يفترض من كل من آمن بها ان يطلب الى المسيحيين ان يصبحوا عظماء في القداسة. ومن طلب اليهم ذلك يكون قد تحول هو ايضا بالقداسة ورقت فيه الحان من السماء.

ان يبقى هذا الجسد يعني ان تبقى الترابية فيه. اما اذا زال فلا تنقطع من حوله رائحة المسيح الزكية. وسنبقى له شهودا بالحق. نكهتنا حب الى ان يحل ملكوت الله في كل الخلائق العاقلة ونصير انسانية واحدة معروفة بالحياة الجديدة.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

النعمة / الأحد 9 كانون الثاني 2011 / العدد 2

يعطي اللهُ نفسَه إيانا بالنعمة. فكما أَوجدَنا بالخلْق الأول، يوجدُنا بالخلْق الثاني أي بالخلاص الذي تمّمه بابنه ويحمله إلينا الروح القدس في الكنيسة. ويعبر بولس الرسول عن نزول هذه النعمة علينا بقوله: «لما صعد الى العُلى سبى سبيا وأَعطى الناس عطايا”. المعنى انه عند صعوده الى السماء بالجسد بعث إلينا بالروح القدس الذي يوزّع علينا كل عطايا الثالوث القدوس. ويؤكد الرسول هذا المعنى بقوله ان المسيح نزل الى أسافل الأرض بموته ودفنه، وبعد هذا جاء الروح القدس بالعنصرة.

ان الرب يسوع بعد صعوده يملأ كل شيء من نعمته التي هي عطاء القداسة وتوزيع مسؤولياتنا في الكنيسة، فقد جعل “البعضَ رسلا”، وهم الإثنا عشر أولا، وهم كذلك مَن يُرسلهم الى الكنيسة المحلّية التي هم فيها ليُذكّروها بمتطلبات الله منها ويُثيروا فيها التوبة. والآخرون “أنبياء” في العهد الجديد بحيث يحثّون الكنيسة لتزداد محبة ليسوع المسيح وليرشدوها اليه. “والبعض مبشّرين” يقولون كلمة الله ويفسرونها مستندين الى الكلمة الكتاب المقدس.

و”البعض رعاة” أي كهنة او أساقفة، ويرعون المؤمنين بكلمة الله وليس بكلمات من مزاجهم. يقولون فقط كلمة الله. واما “المعلّمون” فهُم الذين يعرفون العقيدة بشكل منسّق وموحّد، وعلى العقيدة تستند لتتمكّن من التبشير والحثّ على التوبة.

غايةُ كل هذا “تكميل القديسين” وهم المؤمنون المسمّون كذلك لأنهم تقدّسوا بالمعمودية والميرون وتناول جسد الرب وفهم الكلمة. كلهم معا يقومون بخدمة واحدة ذات هذا الشكل او ذاك. مجموعة هؤلاء المؤمنين يبنون جسد المسيح. إنهم هم جسد المسيح اي حضور المسيح كاملا في الكنيسة والمجتمع.

قوله: “الى أن ننتهي جميعا الى وحدة الإيمان ومعرفة ابن الله” بحيث لا ننقسم ولا نُدخل الى الجماعة أفكارا ضد الإنجيل وهي البدَع التي دحضتها الكنيسة. وإذا صرنا مستقيمي الرأي نؤمن بما ورد في دستور الإيمان وتعليم آبائنا، نصل الى “إنسان كامل الى مقدار قامة ملء المسيح”. المعنى أننا نصبو الى الكمال الروحيّ الذي يجعلنا نامين مثل قامة المسيح اي نصبح واحدا فيه وعلى قدّه، نتماهى مع السيد المبارَك بحيث إنّ من رآنا يكون قد رأى المسيح.

يُقرأ هذا النص بعلاقته مع الظهور الإلهي (الغطاس) لنقول ان المعمودية هي بدء الحياة الجديدة في المسيح، وانها وعد الكمال وظهور الإنسان الجديد على مثال ظهور المسيح اذ نلبس المسيح في المعمودية لنصير على شبهه، ونفهم أن العماد لم يكن طقسا عابرًا ولكنه استمرار المواهب التي نزلت علينا بالروح القدس لمّا مُسحنا بالميرون.

Continue reading
2011, جريدة النهار, مقالات

مقتل المسيحيين في مصر / السبت 8 كانون الثاني 2011

لا إمكان لأحد أن يعرف من يموّل قتل المسيحيين في الشرق. الأمر على ضخامة وسياسة بحيث لا يقنعني ان هذه الجرائم يقوم بها أبناء الشارع يكفرون المسيحيين ولا يطيقون وجودهم. كما ان لا شيء يقنعني ان هذه الجرائم مجرد جرائم سياسية. هي خليط من سياسة لا أعرف طبيعتها وعمقها وبغض ديني واضح. ان ترد الأمر الى مجرد تحرك سياسي لا كراهية دينية فيه موقف سذاجة. كذلك ان ترد الأمر الى غضب ذي مصدر ديني لا يقنع. النفس الغاضبة لا تعبر عن هياجها جماعيا ما لم يحركها مدبرون أذكياء عائشون بالغضب او بالسياسة او بهما كليهما.

لا تكفيني كلمة تطرف او عبارة حركات متطرفة. دائما كنا نعرف التطرف على مستوى الفكر كلاما او كتابة ولكن هذا الهياج ما كان مدخلا الى الإبادة الجماعية. كان الناس يتساكنون حتى الصداقة ويظلون على آرائهم في ما يتعلّق بالديانة الأخرى ويحب المرء فيها ما يراه قابلا للحب ويقبل على ما يقبل ويهمل ما يهمل ولا يودّي هذا الى شجار ولا الى خصومة شخصية.

نحن اليوم في حالة هبوط خلقي يفسر وحده النحر الذي يذوقه المسيحيون من العراق الى مصر واذا اتهمنا ان لإسرائيل ضلعا بالموآمرة أفليس من الضعف الخلقي ان يسلم هؤلاء الناس لها بلا رعاية ولا هداية. واذا غابت عنهم الهداية فحقنا جميعا ان نذكر المسؤولين عنهم بضرورة إحاطتهم بالهدى لئلا يعبثوا بالأرض ومن عليها ويتفشى أذاهم في الدنيا كلها ويبقى الموت وحده لغتهم. نحن من اجل سلامة عقولهم وقلوبهم لا نرضى لهم نفوسًا مجرمة اذ سنقول لهم دوما ان الإله الذي ندرك رحمته يحبهم كما يرحمنا وسنبقى نرفع شأنهم وندعم عزتهم ونريدهم على أرقى ما يكون عليه الإنسان المتحضر لنتعايش بالرفعة ولا يبقى احد من البشر تحت رحمة المجانين.

القتل الجماعي ليس مسألة داخلية حتى يقال لحبر من الأحبار كبير الا دخل له في التعدي على مؤمنين مجتمعين للصلاة. هل إبادة أقوام بسبب دينها شأن داخلي في بلد من البلدان ام هو فعلة إجرامية يقضي الضمير بشجبها واستنكارها. والبلد لا يصبح بلدا سليما الا اذا تناغم مع الداعين الى حفظ الوجود. الى اين نحن ذاهبون بالمقاييس التي ورثنا منذ بدء الحياة الحضارية؟

# #

#

السؤال الذي يطرح نفسه بداهة هو لماذا استرخاء السلطات المصرية امام استفحال الإجرام. هل الحكم مشلول حتى الخوف؟ الخوف ممن والأقباط شعب سلس، طيب، متمسك بطابعه الوطني تمسكا شديدا، ورع، مذهلة تقواه، ممحو من الوجود السياسي لا يُنتخب (بضم الياء) منه احد. القتل ليس مرده اذًا الى عيب في المسلكيات القبطية، الى ضعف في الولاء للدولة. لا حافز قابلا للتحليل السياسي الداخلي.

السؤال المطروح عليك في كل يوم هو هذا: هل يمتد هذا الذبح الى بلدان عربية اخرى فيها مسيحيون؟ الجواب الذي اميل اليه هو اني لا اخشى مذابح في لبنان وسوريا وفلسطين التاريخية مصدرها اهل البلد لأنهم يرتضون بعضهم بعضا بكل قناعة ويؤمنون بأنهم متكالمون حضاريا وموحدون معاشيا ويحسون انهم محتاجون بعضهم الى بعض وان اذواقهم الحياتية متقاربة جدا حتى التوحد. جلاؤنا او اجلاؤنا لا ينفع احدا.

مع ذلك ظني ان ثمة إمكانا لوجود قوى رهيبة متعاونة او متلاقية ضدنا في وحدة الهدف أعني بالأقل تقزيمنا. الأذكى بين هذه القوى اسرائيل وعندها كراهية للمسيحيين خاصة صريحة في الأدبيات الصهيونية.

لا تكفي تدابير الوقاية للمصلين المسيحيين تحميهم عند اداء شعائرهم. هذه تدابير ممكن اختراقها ولا تستطيع الدول ان تجند الكثير من جنودها في سبيل هذه الحياة. كيف يصلي المواطن ان شعر بالحماية طوال صلاته؟ وهذا الخوف يثبت المسيحي انه يرث طمأنينته من الدولة او من المواطن غير المسيحي ولا يستجديها لكونه مواطنا من الدرجة الاولى.

يجب ان ينتهي العالم العربي من شعوره بوجود اكثرية وأقليات والأهم ان يموت عند المواطنين جميعا الشعور بأن فئة تحمي فئة. لم يوكل الله احدا بأحد. نحن جميعا متعاضدون متكافلون وإخوة ليس فقط بتفويض من الله ولكن بحق انساني ذي طبيعة مدنية لا دخل فيها لدين. الإنسان إنسان يولد مساويا للإنسان الآخر ويحاكَم اذا اعتدى عليه ويعتدي اذا ميّز نفسه عن الآخر ويدان أدبيا اذا جعل لنفسه كرامة تفوق كرامة الآخر.

# #

#

ازاء خطر اهل هذا الشارع على أهل الشارع الآخر لا بد لرجال الدين من كل فريق ان يرشدوا ابناء دينهم الى ما يقوله الله لهم بحيث يفهمون جيدا ان القتل مصيبة كبيرة والمعصية تدفعنا الى استمرارها وتعرضنا الى إفناء الآخر.

أدعيتنا اليوم من اجل احبائنا في العراق وفي مصر لكي يثبتوا في ايمانهم ويرجوا الى الله ان يجعل في قلوبهم الغفران من اجل الذين ذبحوا اهلهم لأنهم ما كانوا يعلمون ماذا فعلوا. انا اضم صلاتي الى صلاتهم كي لا يقيم الرب على قاتليهم خطيئة. هذه هي وصية الرب ونحن بها مقيدون. كذلك نرجو الى إلهنا ان يمنع كل ذابح من الذبح كما منع ابراهيم من قتل ابنه اسحق.

كل ذبيح من اجل الله يشهد للحق ويقيم في المجد الإلهي. لقد صاروا نورا لنبقى عازلين أنفسنا كليا عن البغضاء ولكن نتكلم عاليا عن عدالة قضيتنا وقضايا الآخرين ليصل الناس جميعا الى حرية ابناء الله في صفاء القلب. ألم تسمعوا قول الشاعر: «ما كان الصليب حديدا بل خشبا»؟ نحن لا نعرض أنفسنا للصليب. نقبله اذا فرض علينا ولا نتذمّر. ولكنا لا نرفض من احد خدمة يبديها لنا محبة بنا وحفاظا على شهامته. وكما نريد ان يرفع الظلم عنا ونسعى ان نحرر كل مظلوم. نحن حلفاء كل المقهورين في الأرض. نحن معنويا مقتولون مع المقتولين ومناشدون العارفين والاتقياء من كل دين ان يحثوا العارفين والأتقياء، من الدين الآخر ليظلوا اخوة، ويشعروا انهم واحد في انسانية راقية تبتغي الخير للجميع.

Continue reading
2011, مقالات, نشرة رعيتي

توصيات الى تيموثاوس/ الاحد 2 كانون الثاني 2011/ العدد 1

في الرسالة الثانية اليه أوصاه بولس بأمور عديدة في مطلع هذا الفصل المنشور. اولا ان يكون متيقظا في كل شيء على نفسه وعلى الرعية فإن العملين متلازمان. ثانيا ان يحتمل المشقات بما فيها الاهتمام بكل شخص موكل اليه، بكل العائلات… به وعكات كثيرة، تلازمه امراض كثيرة ومنها مرض في معدته. ثالثا أن يعمل عمل المبشر وقد تعلّم التبشير بخاصة لما كان سكرتيرا لبولس في كتابة عدة رسائل وانتدبه الرسول بمهمات خاصة في مقدونية.

كلمة “أَوف خدمتك” تدعو تيموثاوس الى الكمال في الخدمة الطقوسية في منطقة ليقاونية في آسيا الصغرى (تركيا اليوم).

ثم ينتقل الرسول الى الحديث عما كان يتوقعه لنفسه فقال: “أُريق السكيب عليّ ووقت انحلالي قد اقترب”. شبّه نفسه الى ذبيحة وكانوا يصبون على الذبائح خمرا او ماء او زيتا في العهد القديم. توقع الرسول استشهاده. أحس بأن موته اقترب. بعد هذا شهد لنفسه: “قد جاهدتُ الجهاد الحسن وأتممت شوطي وحفظت الإيمان”. جملة تلخص كل حياة بولس. بعد ان تكلّم على جهاده أنهى الكلام “حفظتُ الإيمان”. الإيمان عنده هو التعلق بالرب يسوع ولا سيما بموته وقيامته. “اننا نبشر بمسيح مصلوب” (1كورنثوس 1: 23). هذا كان عنده (مع القيامة) كل المعتقد المسيحي.

وبعد اقتناعه انه حفظ الإيمان قال: “انما يبقى محفوظًا لي إكليل العدل الذي يجزيني به في ذلك اليوم الرب الديان العادل. هذا وعد الله للمؤمنين الذين يحبونه. هذا هو ميراث المجد. وينهي بقوله: “لا إياي فقط بل جميع الذين يحبون ظهورره أيضًا”. شمل بهذا الكلام كل القائمين للحياة الأبدية: انهم معا يحبون ظهور المسيح في مجيئه الثاني. كلمة ظهور هنا دعت الكنيسة أن يُقرأ هذا المقطع من الرسالة يوم الأحد هذا الذي قبل الظهور في معمودية الأردن، والتسمية الطقسية هي “عيد الظهور الإلهي”.

الظهور في العماد والغطاس وكان يُعَيد لهما في الكنيسة الأولى في يوم واحد. هذا الظهور تمهيد للظهور الثاني والأخير.

الكلام الى تيموثاوس كلام الى كل كاهن او أسقف. مطلوب من كل واحد ان يوفي خدمته كاملة في إتمام الأسرار والتعليم والوعظ والرعاية. وكلها أعمال فيها حضور كامل. فلا يفتكرن الاكليريكي انه اذا قام بالقداس والجنازة والإكليل أتم عمله. نحن نقوم بكل ما هو في القول والعمل تبليغ رسالة الإنجيل. المطلوب من الكل ولا سيما مَن وُضعت عليه الأيدي أن يطعم المؤمنين إنجيل الرب حتى يصبح كل منهم إنجيلا حيا فيرى الناسُ من خلاله وجه المسيح.

Continue reading