Monthly Archives

November 2003

2003, مقالات, نشرة رعيتي

انجيل اليوم/ الأحد 30 تشرين الثاني 2003 / العدد 48

اندراوس الذي نعيد له اليوم مسمى المدعو أولا لأنه حسب هذا الفصل من إنجيل يوحنا هو اول من دعاه السيد لينضم اليه وكان من تلاميذ يوحنا المعمدان حسبما جاء في هذا النص. وكان يوحنا يرتضي بفرح ان يتركه تلاميذه ليتبعوا المعلم الجديد الذي جاء المعمدان ليهيئ لمجيئه بمعمودية التوبة. فبعد ان شهد ليسوع على انه حَمَل الله المعد للذبح، كان لا بد لاندراوس ورفيق له ان يتبعا الكامل. عند ذاك مكثا عند يسوع يوما كاملا. لا يقول الإنجيل المكان الذي يقيم فيه السيد. والمعنى الأبعد من إقامتهما عنده ان نقيم نحن مع يسوع بالإيمان. في القلب نحن نلتحق بيسوع وهذا آت من الإيمان.

         كان هذا عند الساعة العاشرة. هذه الساعة التي كان يقال لها في بلادنا الساعة العربية تعني حوالى الساعة الخامسة بعد الظهر اي عند اقتراب الغروب. في الظلام انت تسعى الى النور وقد قال يسوع: انا نور العالم. فاذا داهمك غروب الخطيئة لا ملجأ لك الا هذا الضياء العجيب الذي اذا انارك يُذهب عنك الخطايا.

         اندراوس لم يكتف بأن يسوع دعاه. اراد ان يجيء بتلاميذ آخرين الى المعلم. فأتى بأخيه سمعان اذ قال له وجدنا مسيّا الذي تفسيره المسيح. مسيا هي اللفظ اليوناني لكلمة مشيح العبرية (في اليونانية لا يوجد حرف الشين ولا حرف الحاء فتكتب مسيا). ولذلك اضطر يوحنا الإنجيلي ان يترجمها الى اليونانية خريستوس التي هي المسيح القريبة من العبرية. فعندما توجه يسوع الى سمعان وهو ابن يونا قال “انت تدعى صفا الذي تفسيره بطرس”. صفا العربية هنا هي كيفا بالآرامية التي كان يتكلم بها يهود فلسطين ونقلناها الى العربية صفا اي صخر، ولكون القارئ اليوناني لإنجيل يوحنا لا يعرف الآرامية فسّرها بطرس. وجاءت بالترجمة العربية الحرفية بطرس، والمعنى اني سميتك صفا اي صخر او صخري لأن ايمانك قوي كالصخر.

         طبعا هذه صدى لما ورد في انجيل متى: “وانا اقول لك ايضا انت بطرس وعلى هذه الصخرة ابني كنيستي” (16: 18). اسم بطرس (Petros) نحته يسوع من Petra التي تعني الصخرة. المعنى انك لكونك اعترفت بي على اني المسيح ابن الله صارت لك كرامة جديدة وقبلت الدعوة. فلا تبقى على اسمك القديم. انا اعطيك اسما جديدا يليق باعترافك بي، يرمز الى اعترافك. أنحت من الصخرة اسما. انت بقوة ايمانك مجانس للصخرة.

         بعد هذا دعا يسوع اليه فيلبس فقال له اتبعني. دعاه في الجليل وكان هو من بيت صيدا وهي مدينة صغيرة على الضفة الشرقية من الأردن حيث يصب النهر في بحيرة طبرية. فيلبس مذكور عدة مرات في الإنجيل الرابع. هنا ايضا يدعو غيره. يدعو نثنائيل. هذا كان من قانا الجليل الذي قد تكون خربة قانا او كفرقنا وكلتاهما في الجليل. يشهد هنا فيلبس ان يسوع كتب عنه موسى والأنبياء. سمي هنا “يسوع بن يوسف” حسب الاعتقاد الشعبي. يسوع عظم نثنائيل بقوله انه اسرائيلي حقا لا غش فيه واصِفًا اياه بعبارة من المزامير. اما قول السيد: “قبل ان يدعوك فيلبس وانت تحت التينة رأيتك” فهي عبارة معروفة عند اليهود على ان الجالس على مقعد تحت التينة هو دراس للتوراة، فكأن الرب اراد انك مهيأ بدراسة العهد القديم ان تعرفني.

         اما قوله “الحق اقول لكم انكم من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن البشر” مأخوذة من حلم يعقوب ابن اسحق في بيت ايل: “ورأى حلما واذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها” (تكوين 28: 12و13). الرب طبعا تعني الله. في انجيل يوحنا، الواقف على السلم هو ابن البشر اي يسوع. في هذا يكون يوحنا الإنجيلي اقتبس من سفر التكوين آيتين تدلان على الرب الإله، وهذا الرب الإله سماه هنا ابن البشر اي يسوع، فيكون يسوع هو نفسه الرب.

         في الآية 5. يتوجه يسوع الى نثنائيل بصيغة المفرد فيقول: “سوف ترى اعظم من هذا”، ثم ينتقل الى صيغة الجمع ليقول لنا جميعا سوف ترون السلم المنتصبة بين الأرض والسماء اي المجد الإلهي الذي يعطيكم اياه ابن البشر الذي هو نفسه ابن الله الجالس على السلّم لأنه جامع في شخصه السماء والأرض.

Continue reading
2003, مقالات, نشرة رعيتي

خطر المال/ الأحد 23 تشرين الثاني 2003 / العدد 47

المثل الإنجيلي في هذا اليوم يتحدث عن انسان أخصبت ارضه فصار غنيا وفكّر في ان يهدم مخازن القمح التي عنده ليتوسع ملكه ويجمع في الأبنية الجديدة كل غلاته وخيراته.

         ليس في هذا شر. هذه قاعدة من قواعد الاقتصاد. كان يمكن لهذا الإنسان ان يشكر لله ما اعطاه ويبقى على تواضعه. غير انه قال: “يا نفس لك خيرات كثيرة والآن استريحي وكلي واشربي وافرحي”. اعتقد هذا الرجل ان الغنى الذي اكتسبه يعطيه فرحا. وكان عليه ان يفرح بالله. فنعته الله بالجاهل. والجهل انه ادخر لنفسه وما استغنى بالله.

         لم يقلق يسوع على هذا الإنسان لكونه صار غنيا ولكنه حزن ان غناه الجديد جعله يستغني عن الله. لم يلم السيد هذا الرجل لكونه وسّع اهراءه. لامه فقط لأن انفراجه الاقتصادي جعله يعتقد ان الإنسان يكفي الإنسان وان الحياة كلها ان ينكفئ على ماله ويعتبره سببا للفرح. الدنيا المحسوسة، الملموسة بالمال كانت أفق هذا الرجل. ما كان الرب مبتغاه وما شعر ان حياته الحقيقية، العميقة هي التي يجعلها الرب في نفسه بالفضيلة، وكأن المخلص اراد ان هذه هي المبتغاة حقا وان الطريق اليها تُُسَدّ اذا سلك الإنسان طريق السرور بالماديات.

         كان يمكن لهذا الغني الجديد ان يقول في نفسه: اني احمد الله ان ثروتي هذه الجديدة سوف اوزع منها على الفقراء الذين لا يملكون خبزا يقتاتون به. هذه هي القاعدة الروحية عندما تكسب مالا ألاّ تسر إطلاقا بالكسب الا لكونك تصبح قادرا على توزيعه. فأنت مؤتمن عليه. تأخذ منه كفايتك وما يفضل عنك يصبح بمنطق الائتمان الإلهي ملكا للمحتاجين. الشيء المسجل لنا في السماء ليس المال الذي نربحه ولكن المال الذي نعطيه لأن ما يفضل عنا يصبح حقا للفقراء علينا. فالله يتصدق على المساكين من مال وصل الى يديك. وانت لست فوق احد اذا اعطيته ولست افضل ممن تعطيه. هذه نعمة من ربك ان انت تحننت.

         هذه دعوة الى عدم البذخ وعدم التباهي بالمال وعدم الاستعلاء على الفقراء.

         المال يمكن ان يكبلك. فاذا اردت الا يستعبدك فتحرر منه بإعطائه. تفرح عند ذاك اكثر. والذي يستلمه منك يزداد فرحه ايضا حسب المقول: “مغبوط العطاء اكثر من الأخذ”. والفقير قد لا يحبك لو انت احسنت اليه وقد يحبك. ولكنه في كل حال يشكر الله ويرى ان في الناس من يحبه. ولما كان محتاجا ولا يلتفت احد اليه كان يحسب ان الله لا يوفقه او كان يحسب ان الله يعذبه بالفقر.

         ليس الله ضد الادخار في الآونة الصعبة ولكنه ضد الاحتفاظ بالمال كله والناس جياع. ليس عند الله مال يعطيه. انه كََلَّفَنا بعضنا ببعض. ما انت معطيه بتهليل انما هو عطاء الله للفقراء الحزانى. اشترِ فرحك بالمشاركة.

Continue reading
2003, مقالات, نشرة رعيتي

الصبر/ الأحد 16 تشرين الثاني 2003 / العدد 46

صبر أيوب وصبر المسيح والشهداء والقديسين الذين يشبهونهم ما معناه؟ ما هذه الفضيلة التي قال عنها السيد: «من يصبر إلى المنتهى يخلص»؟ هل تعني الانهزام أمام المصاعب وأن أستكين «ليعبر غضبُ الرب» أم تعني شيئا أعمق؟ ما من شك ان المعنى ليس ان نحتمل «يللي دمهم ثقيل» والذين يزعجوننا أو يؤذوننا خوفا من ان نواجههم. اذ ذاك يكون هذا هروبا واننا نفضّل الراحة على حل مشاكلنا مع الناس. أمام الوجود الموجع لا يطلب منا الرب مجرد هدوء الأعصاب أو لا مبالاة لأنك ان تركت الأشياء المزعجة تسير مسيرتها ولم تصلح الأوضاع التي أنت قادر على إصلاحها تكون قد اشتركت بالشر المتفشي حولك.

الصبر هو أولا ان تصلي من اجل الآخر لتحل عليه نعمة الله لكي يتوب وتتحسن حاله فيشفى من مصائبه. طبعا هناك إصلاح في كل منا يتطلب زمنا. الصابر هو من اعتبر ان الزمان موجود وأنّ تحسُّن الآخرين يتطلب نعمة من الله. ثم يعرف الصبور ان الهدوء الذي يواجه به الآخرين عنصر من عناصر الإصلاح، والهدوء فيه طلب لرحمة الآخر الذي صارت حياته صعبة. الصبر إذًا هو أولا موقف من الله الذي لا يغير نفوس الناس في اللحظة إذ ينتظر مشاركتهم في عطائه وارتضاءهم للفكر الإلهي، ولذلك قال صاحب المزامير (37: 7): «انتظرِ الرب واصبرْ له». أنت تعرف ان الله معينك في احتمال المشقات وانك في حاجة إليه لاحتمالها.

ان تصبر يعني انك لا تستعلي ولا تكره ولا تعبد ذاتك وأنت تتفهم الآخر في غضبه أو كبريائه. خذ هذا الآخر إلى قلبك عساه يدخل منه إلى قلب الله. كن شفوقا حتى النهاية واكسر قلبك بالتواضع. تواضع ليس فقط أمام الله ولكن أمام الناس. أبو الرأفات عند ذاك يرحمك، ويضمك يسوع إلى صدره ويربيك في الزمان الطويل الذي يمر عليك بانتظار رحمته للآخرين.

وإذا حسبت انه ينبغي ان تلوم أو ان توبخ فافعل هذا بلا صراخ ولا كبرياء ولا تحسب نفسك انك أعظم ممن اخطأ إليك. ولكن لا نحتاج إلى لوم أو توبيخ كل وقت. غير اننا في كل وقت نحتاج إلى الإشفاق على الذين عذبتهم الحياة. وإذا كنت وديعا فهذا خير سبيل إلى تصحيح الخطأ عند الآخرين. ولكنك لن تصبر ما لم تتحرر من الغرض، من الأنانية. تعلَّم الا تطلب شيئا لنفسك، الا تشترط شيئا على من أعطاك الله ان تعينه.

فأنت لن تصبر الا إذا كنت مستقلا وحررت نفسك من الذي تصبر عليه. إذا كان احد سيدا عليك فليس لك في الصبر نصيب. أنت ترى الذين لا يفهمون وترى من ليس عنده محبة. كذلك ترى المنافقين. كل هؤلاء اشملهم برحمة الله التي فيك. وإذا تعلمت ان كل إنسان جريح وملقى على طرق الحياة فبلسِمْ جراحه واعتنِ به ولا تطلب أجرا ولا شكورا. افرح بكل الناس في كل حين وعزِّهم عن شقائهم وابتسم لهم واحتضنهم وكن صادقا معهم باستمرار.

هذا كله مجموعا هو الصبر لكونه إرضاء لله تقوم به كل يوم ولو كنت متعبا من كثير من الناس، هؤلاء الذين مات المسيح من أجلهم.

Continue reading
2003, جريدة النهار, مقالات

الإنجيل برواية المسلمين / السبت في 15 تشرين الثاني 2003

هذا هو العنوان العربي للكتاب الذي وضعه طريف الخالدي اصلا بالانكليزية وصدر عن دار النهار معربا. ما هي صورة المسيح عند عدد من كبار العلماء المسلمين من بعد القرآن، هذا الهدف يضع الكتاب في لاهوت الأديان المقارن ومقاربة هذا العلم هنا مقاربة تناضح بين الإسلام والمسيحية من بعد التنزيل القرآني.

الدكتور الخالدي يأتي بـ300 حديث وحديثين منسوبة الى عيسى ذكرها مفسرون ومؤرخون ومتصوفة ويقدم لها ويشرحها بذكر مصادرها فيورد مثلا هذا الحديث عن عيسى. «ان الإحسان ليس ان تحسن الى من احسن اليك، انما تلك مكافأة بالمعروف. ولكن الإحسان ان تحسن الى من اساء اليك» وينسب هذه القولة الى احمد بن حنبل في كتاب الزهد والى ابن عساكر ويدل على الصفحة والأرقام وأخيرا يشهد ان هذا الخبر هو إعادة صياغة لما في انجيل متى 5: 46. احاديث جميلة معظمها مأخوذ من العهد الجديد مسكوبا بلغة الناقل. ما من شك ان هناك اقوالا اخرى لعيسى عند المسلمين ولكن عندنا هنا نماذج للروحية الإسلامية التي تعتمد القرآن قليلا في سرد سيرة عيسى واعتمدت الأناجيل القانونية كثيرا واحيانا قليلة نصوصا وردت في مصادر اخرى يحاول الخالدي ان يثبتها. ان اهتمام العلماء القدامى بالمسيح يسوع تفسيره بقول الإمام الغزالي عنه انه «نبي القلب».

من يقرأ كل هذه النصوص التي استخرجها المؤلف نماذج عن اهتمام المسلمين بالمسيح من ضمن تصورهم اللاهوتي يستدل على انهم كانوا في حاجة الى حب. ما طلع علينا به المؤرخ الصارم الخالدي باحثا هو أدب حب ليسوع الناصري وتبقى امينة للارثوذكسية القرآنية. جل ما يمكنني ان افعله في سطور قليلة كهذه ان اقول لك: إقرأ تلطف بما سوف تقرأ. اقرأ فيزداد ودك للناصري كائنا من كنت.

عندما تطلع على مراجع هذا المصنف أكانت إسلامية ام استشراقية ومبلغ التعب العلمي الذي بذله الكاتب لا يسعك الا ان تكبر الجهد. وكيف لا تكبّر اذا طالعت المقدمة التي وضعها الكاتب بتقنية علمية كبيرة وهي تكشف لك اننا امام بحث أكاديمي صرف لا يرتهن باية عقيدة ولكنه لا يخون عقيدة. يعترف بفضل من سبقه بما في ذلك المستشرقون. يعرض في «الخلفية التاريخية» من المقدمة ان أصول صورة المسيح القرآني هي من الأناجيل المنحولة او من الفرق المسيحية المنحرفة او من المسيحية المهودة. في قراءتي للكتاب لا يبدو ان الدكتور الخالدي يبت هذا الأمر وتفلت من المأزق بقوله ان الأهم هو «فهم افضل للنص (القرآني) من خلال نصه وسياقه» فيما يؤكد على «التنوع المسيحي» في ما يعرف اليوم بالعالم العربي.

ردة فعلي على هذا الرأي الأخير ان تعدد الكنائس لا يتضمن خلافا حول ألوهية المسيح وناسوتيته وصلبه وقيامته وان كانت العلاقة بين اللاهوت والناسوت فيه جاءت في غير قالب لفظي لم يؤثر على الإجماع المسيحي الدائم على اجتماع اللاهوتية والناسوتية في المسيح. السؤال الذي يطرح نفسه أكاديميا، تاريخيا على اساس النصوص هو هل ان السرد القرآني يلتقي مع الأدب الإنجيلي المنحول او هناك تطابق شبه نصي بين نصوص قرآنية والسرد المسيحي المنحول. على سبيل المثال نجد في متى المنحول ما يطابق في المعنى قول القرآن: «اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طير بإذن الله» (سورة آل عمران، الآية 49). هل تأثر القرآن بهذه الكتابات التي لم تقرها المسيحية ام لم يتأثر؟ العقل الغربي النقدي يقول انا اطبق قواعد الأدب المقارن ولا افهم موقفا الا مأخوذا عن موقف اذا كانا متطابقين. انت لك ان ترى ان القرآن موحى. الخالدي لا يتطرق الى ذلك ولست انا اتطرق الى ذلك. ولكن اقل ما يقال في الأمر ان القرآن نزل في بيئة كان المسيحيون فيها يطالعون -على رغم توصيات الكنيسة- هذا الأدب.

كذلك نجد شبها بين سورة اهل الكهف وأصول مسيحية قديمة بعضها هرطوقي كما نجد عظة ليعقوب السروجي في المخطوطتين 115 و117 من مكتبة الفاتيكان تحوي حكاية سبعة نائمين في افسس لجأوا الى كهف هربا من اعدائهم الوثنين وأفاقوا بعد 196 سنة. كيف نفسر هذا الشبه مع القرآن؟ ليس في منطق الاستاذ الخالدي ولا في منطقي ان نخوض هذا.

في المحطة الثانية للمقدمة يؤكد المؤلف ان القرآن ينفي صلب المسيح وينفي ان يكون هذا مأخوذا عن بدعة الرائية «وهي من الجذر اليوناني ذوكيو بمعنى يتراءى او يبدو وهذا عنده يقابل التعبير القرآني الدقيق «ولكن شبه لهم» ويرد الخالدي ان استمداد هذا الموقف من الذوكية مستحيل لأن مسيح القرآن «انسان من لحم ودم» وكان في مذهب الرائية مجرد خيال. انا اوافقه في ذلك. ولكن لا يذكر الدكتور الخالدي القديس إيريناوس الذي دحض بدعة تقول ان سمعان القيرواني هو الذي صلب جهلا وخطأ بعد ان تغيرت هيئته وصار شبيها بيسوع فيما تحول سمعان الى هيئة يسوع وأخذ يسخر من الرؤساء». ما من شك عندي ان تفسير كبار المفسرين المسلمين «شبه لهم» بأنها تعني بديلا عن المسيح في الصلب تستند الى الأدب المنحول. وفي اعمال يوحنا المنحول ورد: «لست انا ذاك هو الذي صُلب… لم أعانِ ايا من الآلام التي نسبوها الي». وشيء عند كيرنثس الغنوصي الذي يفصل بين يسوع والمسيح ان يسوع «قد تألم ومات وقام من بين الأموات. اما المسيح فهو كائن روحي غير قابل للآلام. لذلك ترك المسيحُ (بضم الحاء) يسوعَ (بفتح العين) وصعد الى السماء».

ولكن هل يجزم القرآن حقا بعدم صلب المسيح؟ الآيتان المتعلقتان بهذا هما الآيتان 157 و158 من سورة النساء: «وقولهم (اي اليهود في رد القرآن عليهم) انا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وان الذين اختلفوا فيه لغي شك منه ما لهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله اليه وكان الله عزيزا حكيما». ما معنى «شبه لهم»؟ اوّل المفسرون جملة «شبه لهم» على شبه المسيح ألقي على رجل آخر فصلب هذا الآخر. الصعوبة الأخلاقية في هذا ان الله عاقب انسانا آخر على ذنب لم يرتكبه. الصعوبة الثانية هي ان المسيحيين ظلوا طوال 600 سنة ونيف ضحية لخدعة الهية. اما الصعوبة الكبرى فكون انجيلين ثلاثة من اصل اربعة كانوا شهودا عيانا على مسيرة الصلب. انسان قبض الرومان عليه وقادوه من قضاة اليهود الى بيلاطس البنطي الوالي الذي حكم عليه بالصلب وسلمه الى الجند الذين كانوا حريصين على تنفيذ الحكم وقيادة الرجل الى خشبة الصليب. رواية الحل الاستبدالي غير مقنعة. وقد كتب بولس الرسول حوالي عشر سنين بعد الصلب عن الصلب في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس بعد تقصيه الخبر من الجماعة.

ثم تساءل الزمخشري في القرن السادس الهجري حول فكرة البدلية حول ما يشير اليه فعل «شبه» اذ يكتب: «فإن قلت (شبه) مسند الى ماذا، ان جعلته مسندا الى المسيح فالمسيح مشبه به وان أسندت الى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر. في القرن السابع الهجري طرح فخر الدين الرازي سؤالا يتعلق بما قد يحصل لو ألقي شبه رجل على رجل آخر. فقال: تنتج عن ذلك مشكلتان «اولاهما ان هذا يفتح باب السفسطة حتى يتعذر إثبات اي قاعدة اجتماعية كالزواج او الملكية مثلا. كما ان ذلك لا بد ان يؤدي الى القدح في شهادة التاريخ او التواتر».

ثم يفسر ابن قتبة على ان الجملة (مالهم به من علم الا اتباع الظن وما قتلوه يقينا) على انها تعني لم يقتلوا ظنهم باليقين. ويفسر الطبري ان الهاء في قوله «وما قتلوه» عائدة على الظن اي انهم لم يقتوا ظنهم يقينا».

هذا يقودنا الى ان القرآن لا ينكر موت المسيح ولكنه يتحدى البشر الذين ضللوا انفسهم بجهالتهم حتى اعتقدوا انهم سينتصرون على كلمة المسيح. الى هذا عندنا «اني متوفيك ورافعك الي». لقد دارت مساجلات كثيرة في الإسلام حول معنى «متوفيك» فقيل انها لا تدل حتما على الموت وقيل ان التوفي لا يفيد بالضرورة انه سابق للرفع. ولكن المعنى المباشر البسيط هو ان الله توفى مسيحه ثم رفعه من الموت. فتكون آيتا الصلب على غموضهما تعنيان ان اليهود على خطأ لما اعتقدوا انهم يقضون على عيسى ورسالته بالقتل والصلب ولما استطاعوا ذلك. «شبه لهم» انهم قضوا عليه ولم يقدروا ان يفعلوا ذلك.

النقطة الأخرى عند الخالدي ان القرآن ينبذ معتقد الثالوث الأقدس واستشهد بالآية 116 من سورة المائدة: «واذ قال الله يا عيسى ابن مريم أانت قلت للناس اتخذوني وامي الهين من دون الله» حتى آخر الآية. عندي ان هذه الآية لا تعني شيئا ضد الثالوث لكون المسيحية لم تؤله مريم لا في الكنيسة المستقيمة الرأي ولا في بدعة مسيحية. قد توجد آيات ظاهرها ضد الثالوث ولكنها منسوبة الى النصارى. من هم النصارى؟ هل هم المسيحيون اتباع الكنيسة ام انهم المسيحيون المتهودون الذين كانوا منتشرين في الجزيرة ومنهم ورقة بن نوفل؟ ما يظهر ضد الثالوث لا يقول به المسيحيون بل تقول به هذه الفئة من المبتدعين.

في محطة ثالثة يتطرق المؤلف الى المسيح في الإنجيل الإسلامي ليمهد لنصوص العلماء المنشورة في الجزء الثاني ولعل اهم ما فيها ان الإنجيل لم يكن معروفا بالعربية في عهد الرسول العربي واعتماده في ذلك ان ليس عندنا مخطوطة للإنجيل قبل القرن التاسع. طبعا هذا لا يعني شيئا لأن الأقدمين لم يكن عندهم تقديس للمخطوطات فتتلف او تحرق. فالعهد القديم ليس عندنا منه مخطوطة الا سبعة قرون بعد الميلاد. أيعني ذلك ان العبرانيين ما كانوا يقرأونه؟ الى هذا يشير هشام الكلبي الى راهب في اليمن كان يتلو الإنجيل واورد ذلك عرفان شهيد في كتابه (بيزنطية والعرب في القرن الخامس) ان وجود قبائل عربية وبعضها ذات حجم كبير كتغلب يدل ان القسس كانوا ولو تلوا الإنجيل بالسريانية يعظون العرب بالعربية وان الفحوى الأساسي للإنجيل كان متداولا. ولكن من الواضح جدا عندي ان النص القرآني ليس صدى للأناجيل القانونية. ولعل هذا يفسر عطش علماء المسلمين الى هذه الأناجيل كما اتضح من ايرادهم قصصها.

لم يبق من مجال لاختصار ما تبقى من المقدمة. انها تحاول ان تبين كيف تأسلم الإنجيل في اوساط المسلمين المتأخرين عن فجر الإسلام. اظن ان الحصيلة الروحية الخارجة عن الأكاديميات الصارمة تبيان المؤلف ان عيسى هو نبي القلب.

Continue reading
2003, مقالات, نشرة رعيتي

الأحوال الشخصية/ الأحد 2 تشرين الثاني 2003 / العدد 44

في الدورة الأخيرة للمجمع المقدس جرى تعديل هام لقانون الأحوال الشخصية والمحاكم الروحية. وذلك في عدة نقاط اذكر منها ما يهم المؤمنين جميعا. جاء القانون في ثمانية ابواب فصلا اول، وجاء موضوع تشكيل المحاكم والأصول فصلا ثانيا.

         راعينا ما هو دقيق وغير قابل التغيير حتى من قِبل المطران (الزواج بغير مسيحي لا يستطيع المطران ان يجيزه) وراعينا ما يسمى التدبير اي ما يجوز حله لمصلحة المؤمن. مثلا منع زواج الدرجة الرابعة (ابناء العم والعمة والخال والخالة) يستطيع راعي الأبرشية ان يرفعه. زواج الكاهن عند الترمل للمطران ان يبيحه (حسب ظروف هذا الكاهن العائلية او سنه).

         في موضوع الإنفاق ألزمنا المرأة المرتاحة ماديا ان تنفق على زوجها الفقير. فيما يختص بالأولاد عند انحلال الزوجية تراعى دائما مصلحة الأولاد في تحديد من يولى تربيتهم. غير اننا في المادة 57 شرعنا ان الصبي يبقى مع أمه حتى الرابعة عشرة والابنة حتى الخامسة عشرة. ثم تحكم المحكمة مع اي من الوالدين يكون الولد. لاحظنا ان الحضانة تسقط في بعض الأحوال (عند العجز او التقصير بأداء المهمة، اذا تزوج الحاضن وألحق هذا ضررًا بالقاصر، عند اعتناق الحاضن دينا آخر، عند سوء السلوك).

         ولكن دخل مفهوم إبطال الزواج -وهذا جديد- من أسبابه اذا كان احد الزوجين غير اهل لممارسة الحياة الزوجية. هذا سوف تتبينه المحاكم الروحية لأنه لم يكن واردًا.

         لا جديد في موضوع الطلاق اذ يبقى لعلة الزنى او ما هو بحكم الزنى. وهنا يجب التذكير ان الكرسي الأنطاكي في موضوع الزنى لا يفرق بين الرجل والمرأة. لم يبقَ أثر لما كان يسمى فسخ الزواج او لذكر عدم الانسجام بين الزوجين. الطبائع تختلف او لا تختلف، عدم انسجام هذه كانت امورا مطاطة وتخضع لمزاجية التقدير عند القضاة وتفضي الى سوء استعمال القانون. غير ان القانون تبنى فكرة الهجر حتى ثلاث سنوات. اذكر بأن مفهوم الهجر كان جديدًا علينا ولكنا تبنيناه لأسباب حسبناها عملية.

         اكثر ما هو لافت في القانون ان القاضي المنفرد او هيئة المحكمة ممكن ان يختارهم المطران من العلمانيين اذا مارسوا المحاماة او القضاء عددًا من السنين. ويمكن ان يكون القاضي امرأة. لم نستطع ان نفرض إجازة الحقوق على الكهنة اذ ليس عندنا من يحمل هذه الشهادة.

         بقيت السلطة الأبوية على الأولاد ولكن لا يلاحظ القانون سلطة على المرأة إلا من حيث انها تتبعه الى سكنه.

         هل سيغير تعديلنا شيئا في عقلية الناس بحيث يدركون ان الطلاق ليس أمرا سهلا؟ هذا عندي تابع إلى تربيتنا الروحية والى جدية القضاة. لماذا قضاة علمانيون؟ ما من شك انه حيث كانت هيأة من ثلاثة قضاة يساعد القاضي العلماني في الشؤون العلمية.

         يبقى ان كل هذه المسيرة نحو الأفضل تكتمل إذا أعدنا دور كاهن المصالحات لنقلل من الدعاوى ففي خبرتنا القديمة أن بعضا من المتخاصمين تصالحوا. في تفكير عصري يمكن عرض المتخاصمين على طبيب نفسي قبل الدخول في المحاكمة كما يمكن تعيين مساعدة اجتماعية لتزور العائلة وإبداء النصح.

         لقد أردنا أحكاما قانونية تظهر قدسية الزواج الذي صار في حالة خطر. وقد أردنا الا يتأذى الاولاد من خصومة ذويهم ما امكن ذلك. العائلة هي مكان الدفء الذي يساعد على ان يكون الولد سويا وان يحافظ على ايمانه اذا كان اهله على الإيمان.

Continue reading
2003, جريدة النهار, مقالات

الإكليروس / السبت 1 تشرين الثاني 2003

كلمة إذا صورناها عن اللفظ اليوناني تكتب “كليرس”بتسكين الكاف واللام وأضيفت الهمزة منعا لالتقاء الساكنين. وهي تعني “نصيب” أي ذلك الذي ناله اللاويون أو الأحبار عند تقسيم أرض كنعان فلم ينالوا نصيبا فيها إذ كانوا يتقاضون العشور فكان الله نصيبهم. أما في المسيحية فالذين هم أئمة العبادة فنعثر على تسميتهم “اكليروس”  فقط في القانون الكنسي وليس في العهد الجديد حيث يسمون أساقفة وشيوخًا والشيوخ ترادف قسساً أو قسيسين وهي سريانية أو كهنة في مصطلح الكنائس القديمة التي تعرب لسانها مع أن الكنيسة اليونانية تحافظ على كلمة الشيخ وكذلك ما تفرع في اللغات الأوروبية عن الأصل اليوناني priest، prêtre التي تعني أصلا الشيخ.

المعتقد المسيحي أن ثمة من دعاهم الله بنعمته وانتدبهم ليخدموا الرعية بالكلمة وهذه تتضمن طبعا الوعظ والتعليم وإقامة الأسرار الإلهية كالعماد والقرابين (القداس الإلهي) وما اليهما وهي امتدادات او تعابير عن الكلمة الإلهية ولا يمنحهم هذا امتيازًا. إنها شرف الخدمة وتواضعها وتكليفها وتعبها والمحاسبة الإلهية عليها والمراقبة الدائمة في أدائها والتطهر في سبيل إقامتها والدراسة الدائمة للقيام بواجبها. انه افتقاد الرعية وحمل أعبائها واتخاذها بالحنان والصبر اللذين لا يُحدان.

الاكليروس هي العبء الأثقل الملقى على عاتق من تحسبه أهلاً لحمله بعد دراسة وامتحان واستمرار فحص الفاحصين. وما قيل عندنا انك تطيعهم لأنهم في منصب يعلوك لكن الكلمة هي هذه: “أطيعوا مرشديكم واخضعوا لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم” (عبرانيين 13: 17) الكاتب لا يفترض انك تطيع أباك الروحي إلا لكونه مرشدًا ولكونه حريصا على خلاص نفسك إذ لا يخطر على بال الكاتب انه يقدر أن يكون غير ذلك. فانه قد اختير بسبب من قدرته على ذلك. فإذا اختارته النعمة فإنما يتكلم بقوتها وبما توحيه من مضمون. أنت لا تطيع بشريًا إلا بقدر ما انسكبت عليه الكلمة وهبّ فيه الروح ويقودك هذا حيث قاده.

هذه ليست فئوية بحيث يكون ناس فوق وناس تحت لأننا خاضعون بعضنا لبعض كما يقول بولس. ما من طاعة عندنا إلا للقداسة ولكوننا اعتبرنا أن فلانا تاب نجعله شماسًا وآخر استنار نجعله كاهنًا أو قسًا والثالث صار مألوهًا أي شع عليه المجد الإلهي نقيمه أسقفًا. هذا ما عبر عنه ديونيسيوس الاريوباجي المنحول في مطلع القرن السادس. فأنت لا تطيع الكاهن لمجرد كونه كاهنًا. أنت لست خاضعًا لجالس على كرسي. هو في الأصل لم يجلس على كرسي ألا لكون الله أجلسه.

في حكمتنا البشرية نحن لا نستطيع أن نفعل فوق طاقتنا. ندرب الرجل علميا وروحيا في معهد.  بعد هذا في الكنائس الشرقية نزوجه وننتظر أن نرى حكمته في تدبير عائلته ويشهد له القوم وأخيرًا نستدعي نعمة الله عليه لتقويه من ضعف وترشده من غي. قد يفسد في ما بعد. عندنا هنا مجموعة قوانين لتقويمه أو لومه أو توبيخه أو فصله. هذه هي قاعدة الرقابة التي تبدأ وتنتهي بعطف الأسقف وحنوه على الرجل. وأما أن يكون الأسقف غافلا عن حياته الداخلية عن رعايته وغائبا عن ضبطه الأشياء فهذا ممكن وكثير. وان يصبح الكاهن مهملا المطالعة ومتضجرًا من رعيته ومشتهيًا للمال فهذا أيضا كثير لان الشيطان موجود ولأنه يجلس أحيانًا على كرسي الأسقف ويفسد الكنيسة من داخلها. ولكنك سرعان ما ترى أن الروح القدس يستغني عن فاعلية الالكيروس إلا ما كان من إمامة العبادة فيرعى الكنيسة من فوق والأسقف يغط في النوم. من ذلك أنت تستمع إلى الكلمة ويعبر الله بها ولو كان الكاهن ساقطًا وغير متأثر بها إذا تكلم.

السؤال الشرعي المطروح هو كيف تطيع كاهنًا ساقطًا؟ انه لا يستطيع أن يأمرك بما يخالف الوصايا لأنك إذ ذاك تتسلح بالكلمة الإلهية إزاءه وترفض كلاما فيه كفر بالله. الخطيئة موجودة ولا تستطيع أن تبطل الكهنوت. فالذبيحة الإلهية قائمة ولو كان مقيمها في حالة المعصية وقد يكون الكاهن غارقًا في الذنوب ويناولك جسد الرب وأنت متناوله حقًا ولو كان الرجل أداة سيئة. وقد يعظك بما يناقض الكلمة فترمي السيئ في وعظه وتتمسك بالحسن ولو كان فم الرجل دنسا أو يداه نجستين.

التاريخ الكنسي مليء بالخطايا ونحن الذين ندرس هذا التاريخ نعرف الخطايا لكن الكنيسة هي جسد المسيح أي كيانه على الأرض وما ستؤول إليه في اليوم الأخير وفي صلواتها ورتبها ما يقدسك ويعزي وأمام عينيك “سحابة من الشهود” أولئك الذين انتقلوا إلى رؤية الله ويحيطونك بالحب وحولك الشهود الأحياء من أهل الرعية ويحيطونك أيضا بالحب.

المهم أن تحس أن لا شيء في العالم بهي مثل عباداتنا ولا شيء مثلها يحل السماء فيك وهي قادرة إن استلهمتها وتمثلتها وشبعت منها -ولن تشبع- على أن تنقلك إلى الملكوت ويبقى فيك الملكوت يوما أو يومين أو ثلاثة وقد تقع خلال أيام حتى يحل يوم الأحد اللاحق وتعود إلى السجود والاستمتاع بالإنجيل وذوق جسد الرب ودمه الكريمين حتى يصيرا من لحمك ومن دمك ويتحول عقلك إلى فكر المسيح.

يذهلني بعد هذا أن يترك قوم الكنيسة لتصورهم خطايا الكاهن في القرية أو في الحي كأنه هو الكنيسة مع انه يصبح لا شيء إذا سقط ولك أنت أن تلملمه بالنصح والوداعة عله يعود وتقوي محبتك له حتى يخجل ويرتدع وتتعاون والمحبين لتعزيته من الافتراء الذي يفترى به عليه أو من الإهمال الذي يصيبه أو من الفقر إذا بخلت عليه الرعية وتبقى معتبرا انه على سقطاته أيقونة المسيح ولو اسودت قليلا أو كثيرا ذلك أن ربه قادر على أن ينقيه. وتصمد وتصمدون لان السيد المبارك قاد كنيسته خلال عشرين قرنا ببشر أقامهم رعاة أو قادها بلا رعاية أرضية وعطف من السماء على كل واحد فيها.

“الكنيسة جماعة الخطأة التي تتوب” (القديس افرام السرياني). أن تتوب عميقا وكاملاً هو أن تصبح إلها ليس فيك شيء غير الله. قد يكون الله في جبة راعيك وقد لا يكون لكن المسيح حي ويحييك إذا أنت جثوث وبكيت وتبت إليه والى أبيه. إذ ذاك تصبح أنت نصيب الله. وبهذا يجعل الله نفسك نصيبك أي تصير أنت وربك روحا واحدة.

لذلك يخطئ من قال، بصورة قطعية حصرية، إن الاكليروس ينشئ الكنيسة. هذا صحيح بقدر ما يطيع هذا الاكليروس الكلمة. الحق أن الكنيسة هي التي تنشئ الكاهن والأسقف لانهما لا يجيئان إلا بوضع الأيدي (الرسامة) أي أن النعمة تجعل الإنسان خادما لها. والنعمة التي تقيم الكاهن هي إياها التي تقيمك في المعمودية. والكلمة الكاملة في صحتها أن القديسين ينشئون الكنيسة وأننا ننمو إذا تشبهنا بهم. ولذلك لا تستقيم أمورنا بأننا نقيم كهنة مثقفين رساليين ولو كان هذا غاية في الأهمية. لكن أمورنا تستقيم إن أحببنا بعضنا بعضا وثابرنا على الدعوة وكلمنا الناس جميعا على المسيح “في وقت مناسب وغير مناسب” وهكذا تصح الكلمة: “آمنت ولذلك تكلمت”. في هذا نحن مقصرون وتأكلنا المآتم والأكاليل والاجتماعيات التي لا بد من القيام بها. لكن البهاء هو أن يصبح كل منا مسيحا آخر وان يتجلى كل يوم حيث أقام ليرى الناس نور المسيح ساطعا فينا ويحسوا أن كلمتنا هي كلمته.

أنت تكون قد أصبحت كاهنا إن لاحظت أن “الأولاد جياع وليس من يكسر لهم الخبز”.  إن أنت تجندت لكسر الخبز الإلهي للجياع تصبح كاهنًا عظيمًا وتغفر لك خطاياك. نحن لسنا في حاجة إلى شيء آخر.

Continue reading