Category

مجلة النور

«مجلة النور» هي مجلة تصدر عن حركة الشبيبة الأرثوذكسية ابتداءً من العام 1945، وقد تولى المطران جورج (خضر) رئاسة تحريرها حتى العام 1970 حيث كان يكتب افتتاحياتها بانتظام وينشر على صفحاتها مقالات ودراسات لاهوتية. وبعد انتخابه مطرانًا استمر المطران جورج بمدّ المجلة بافتتاحيات ومقالات من وقت إلى آخر. وقد شكلت معظم هذه المقالات والدراسات المادة الأساسية لسلسلة من الكتب المتنوعة التي صدرت عن منشورات النور.

2014, مجلة النور, مقالات

الكنيسة العذراء / مجلة النور – العدد 4 – سنة 2014

الفتاة العذراء من لم يمسها رجل. الكنيسة العذراء هي المعطاة للمسيح فقط. لا تشركه بآخر. الكنيسة كما هي في هذه الدنيا معطاة كأنها تعيش في الآخرة أي لا مصلحة لها في الجاه والمال ولا تبغض ولا تقبح ولا تظن السؤ ولا تتحزب وتحب من هم خارجها مثلما تحب أهل الداخل. تحب كل الناس وهي عروس المسيح وتسلم له وحده. لا قيمة عندها للمال الا لتوزعه. لا يسحرها اقتناء الأوقاف ولو اقتنت لتخدم. يسحرها فقرها ان قبلته والكلمة إذا قالتها.

الكنيسة متصلة بالفكر بما هو من الدنيا لأنها تخاطب الدنيا. هي تعطي كلمة الله للعقول التي أمامها أي تحاول بث الله في قلوب البشر. هذا فيه لمس لهذا العالم. وما من عطاء للإنجيل الا ببث الفكر الإلهي في العقول البشرية. وهذا يتطلب منك استلهام الله أي الدخول إلى حياته. وإذا جاء إلى النفس إلهها وحده تبقى عذراء وعند ذاك فقط تنقل الله ببساطته وقوته.

بكلام أدق ولكنه أصعب لا تنقل الله الا بقوته وأريد بذلك اذا حلت فيك قوته لكي تكون هي لا أنت الفاعلة. ليس اذا علمت أشياء عن ربك تقوله ولكن اذا أحببته تنقله لأن القضية انسكاب قلبه فيك وانسكاب قلب لك في الآخرين بعد ان صار إلهيا. هذه هي النقاوة الا تجمع في ذاتك ما هو لله وما هو لأضداد الله. ان يكون ما في قلبه داخل قلبك هو وحده وجودك. هنا يعني ان تخلع عنك كل ثوب عتيق وان تلبس المسيح لتستحق قول الرسول: «يا جميع الذين بالمسيح اعتمدتم المسيح لبستم». ومعنى ذلك ان تتحد بالمسيح كما يتحد الثوب بالجسم.

ان تتحد بيسوع هو ان تنكر الآلهة الكذبة، الا تحالف فكرة تضاده، ان تأتي منه لمحبة الناس، ان تنظر إليهم من خلاله، ان تقدر ان تحبهم لكونك تحبه اذ لا يمكن ان تكون خادمًا لهم ان لم تكن خادمه. لا يمكنك اطلاقًا ان تترك خطيئة ما لم تتحد به وحده. خضوعك له وحده شرط محبة عندك للبشر خالصة. اذا بقيت فيك محبة للدنيا فليس فيك أثر لمحبة المسيح. هو حبيبك الوحيد بالمعنى الكامل والعميق واذا حل هو فيك تتقبل المحبات الأخرى بلا زغل واختلاط.

نفسك، اذ ذاك، عذراء. لا يمكن ان تكون عروسًا له ومختلطة بسواه. ضم المسيح اياك إلى نفسه لا يحتمل الشرك. لا مكان لآخر. تحب الآخرين بإخلاص كامل اذا انعكس حب المسيح اياك فيهم.

كذلك محبتك الآخرين عذراء أي لا اختلاط فيها للخبث والرياء. تحبهم لأنهم أحباء الله، لأنك تلتقط حب الله فيهم. واذا بادلوك المحبة فهذا يكرمهم ويعليهم. لذلك نقول انك تحب مجانًا ولا تنتظر من عطائك شيئًا. المحبة لا تجارة فيها. لا يحيا الإنسان الا اذا عرف نفسه محبوبًا. المهم ان يعرف في البدء انه حبيب الله والباقي يعطى له زيادة. أنت، مسيحيا، لا تسعى إلى تعزية. المحبة واجب أي انها أمر من الله للقلب. لك ان تفرح لمحبة تعطيها. هذا عزاء في الطبيعة. وهذا الفرح فيك ينشئ فرحا في الآخرين. الفرح بطبيعته ينبث.

الإنسان السوي يلقى الآخر. السليم لا ينغلق. يختنق الإنسان ان بقي وحده. نحن كنيسة لأن أحدا منا لا يعيش لنفسه. يحيا مع الآخرين، بالآخرين لئلا يموت. الحزن، الانغلاق موت. نحن نذهب إلى الآخرين لنحيا بهم ويحيوا بنا. هذه هي الكنيسة اننا موجودون مع الآخرين، في الآخرين.

الكنيسة نعرف فيها اننا محبوبون، ان أحدا منا غير مرفوض، ان له مكانة في القلوب وهذا ينبغي ان نظهره ليتعزى كل منا بالآخر. من يظن انه غير محبوب يموت. وإذا أحببنا أحدًا يجب ان نقول له هذا. يجب التعبير عن المحبة الأخوية في الكنيسة لئلا يحزن من أحس اننا لا نحبه.

الكنيسة العذراء أي المستمدة نفسها من المسيح وحده يجب ان تدرك دائما انها لا تنتظر عطية من سواه أي انها عارية من كل غنى أرضي ومن كل مجد هذه الدنيا. الكنيسة التي أخذت تظن انها آتية من الفلسفة أو من ثروتها أو من قوتها السياسية لم تبق في الحقيقة للمسيح. ظاهرها كنيسة ولكنها جمعية خيرية على أحسن حال.

هذا اغراء من الشيطان ان ندفع الكنيسة إلى مجد عالمي ظانين انها تقوى به. هي تقوى بفقرها إذا افتقرت من أجل الفقراء. هي لا مجد لها الا إذا تنكرت للمجد الباطل. هي تقوى إذا أحبت أهل كل العقائد في محافظتها على إيمانها. أجل هي في هذا العالم وتعرفه وتفهم فكره ولكن لها فكر المسيح الذي محا نفسه حبًا.

Continue reading
1970, مجلة النور

صلاة أمام المصلوب / مجلة النور – عدد 3 – 1970

يا سيدي، يا من علِّقت في صميم الوجود، انك لقد جرحت الإنسان جرحًا أبديًا بعد أن علّمته ان الحياة موت في سبيل من أَحبّ وقد قلت ذلك جسدًا يُكسر ودمًا يراق.

يا شهيد الصدق في عالم الخداع، يا صفعةً لفريسيّي الدهور تعال الينا لنصمد في وجه النفاق وسلاحنا إلى الأبد وداعة إنجيلك وذلك الصبر العظيم الذي يجعل النفس تطمئن إلى ربها فيما يؤذيها شر هذا العالم.

لقد كنت تَعلم علم اليقين أن الإنسان ذئب للإنسان، وعلى ذلك شئت ان تكون حَمَلاً. لم تعوزك معرفة الماكرين وقد مرمروك، ولكنك واجهت دهاءهم ببساطةٍ يذوقها فقط عشراء الله.

غفرتَ فغلبت. عطاؤك سحر. ولا يستطيع احد ان يردّه فانك تحب النفس. من يقدر ان يقاوم بذلاً كهذا؟ انك تريدنا لك بالكلية، والحق اننا ان كنا لك بلا شرط ولا تحفُّظ فانك تعيدنا إلى حريتنا، إلى تلك التي تجعلنا على حدود الكون.

من ارتمى فيك ناسيًا ما هو له يجد فيك اعماق نفسه، هويتها ويلقى الآخرين لقاء الصفاء. انك المكان الوحيد الذي يُحَبّ فيه الناس حيث هم، كما هم. من رآك في كل حين يحلّ فيه لطفك ويوسَمُ بجراحك حتى يسكر يومًا فيومًا، حتى يُميل الرأس ويُسلم الروح.

يا ضحية خطيئتي، يا منبعثًا من جوف ظلمتها، هذه الخطيئة تحزّ في اللحم والعظام وتئن منها الأنفاس، أعطنا ان نؤمن ايمانًا لا حيرة فيه. انّ تَحوُّلنا إليك صار ممكنًا بسبب هذا الذهول الذي يعترينا إن نحن استقصينا أبعاد فدائك. الله خطفنا مرة إلى الجلجلة. لا يستبقينا شيء آخر في هذه الدنيا. أنت ثابت وكلمتك. كل شيء عابر ما خلا وجهك المنير الذي غدا محجتنا. قد رُفعتَ على الخشبة وأطلقت منها الروح في أرجاء دنياك.

يا سيد الحياة، بعد ان بسطت ذراعيك على الصليب، بات الكون كله مضمومًا إليك. مذ ذاك يعانقك كلُ جلال وكلُ حق وكل طهر وأنت مستقطب الأنّات وإليك تَهفو كلُ خلجة فقد أصبحت رباط العالم وقلب الخليقة. وقد يتقادم التاريخ ويحس الناسُ ان غيرَك صانعه، ولكنّ هذا الإنجيلَ الذي بثه روحك في المسكونة مبعث الباقيات الصالحات. ستجوز الأطيافُ يومًا وتنحسر العتمة ويتفجر ضياؤك من كل القبور التي دَفنَتِ الإنسانيةُ فيها نفسها. وستلبس كنيستك ثياب فخرها. ستهبّ من الغبار فلن يدخلها نجس. سنندفع بالترنيم وتفتدينا فإنك تُعزّينا وتجعل قفارنا جنّات.

سنرجع يا رب وعلى أفواهنا كلمات الفرح. اليوم نحن راجعون فأنت هنا. نتناولك خبز حياة نحيا به إلى الأبد. هاتِ يدك وشددنا في العثار فاللمسة تحلو. لا تقسُ يا رب لا تقس فإن القصبة قد رُضّت. فاذا أطللتَ كانت لنا رحمةٌ ورأفةٌ وثبوتٌ فيك. ربِ أنت تنعطف دائمًا من صليب لترفع عن مناكبنا أثقال يومنا، لا تدَعْنا وحدنا مع الأوزار.

رب إنْ لامتنا قلوبنا فأنت أعظم من قلوبنا وأنت تعلم كل شيء. امكث معنا يا رب لأن المساء مقبلٌ وقد مال النهار. هلمّ إلينا يا يسوع فعندنا تأخذ الخبز وتُبارك وتكسر. وإذا تناولنا معًا عشاءك العظيم لا بد ان تضطرم قلوبنا فينا. لا بد ان تنفتح أعيننا لنبصر.

يا أيها المسيح، يا من بَطَلْتَ أن تكون دَيّاني لتصير مخلّصي، خذني غدًا إلى قيامتك، فأنت فيها مذ ارتضيت آلامك. أنت فيها مذ انسكابك على الخشبة. يا سيد هبنا القيامة من الموت، من كل موت، حتى نُحيي هذه البشرية التي أَحييت. سيدي، القيامة وحدها بليغة. سنرتقبها كل صبح حتى يأتي الملاك ويدحرج لنا الحجر، فان الحناجر مفعمة بالنشيد. لقد أخذت الألسنة تتمتم المسيح قام.

Continue reading