Category

2001

2001, مقالات, نشرة رعيتي

مريم/ الأحد 30 كانون الاول 2001 / العدد 52

في الأيقونة المعتمدة رسميا لميلاد السيد نـراه طفلا مقمطا موضوعا في كهف اسود، والإنجيل لا يقول انه وُلد في كهـف (الحديث عن المغارة أتى لاحقا). غير ان فكرة المكان المظـلم هي فكـرة القبـر المظلم. الميلاد بدء لسر الوحدة بين الله والناس التي حملها يسوع الينا.

         ثم ترى ان العذراء تتوسط الايقونة مستلقية على فراش في حالة تأمل وقامتها كبيرة جدا. والايقونة طبعا لا تهتم بقياسات الجسم ولكنها تبتغي ان تعطي معنى. والمعنى ان هذا السر العظيم تتأمله البتول.

         ليس ان البتول فهمت كليا ما حدث لها او حدث فيها. وقبل الصلب انى لها ان تدرك؟ ولكن كونها الى ابنها وربها في هذا السر وانكشافه جعلنا نقيم لها في 26 من كانون الاول ما سميناه “عيدا جامعا لوالدة الإله”. والواضح في اقتراب الكنيسة الارثوذكسية من والدة الإله اننا نراها دائما خادمة للتجسد وغير منفصلة عنه. لذلك نصورها في الايقونة حاملة له ومن خلاله حاملة ايانا.

         لما أقامت الكنيسة هذا العيد الجامع عيدا يتلو الميلاد اوحت بأنك انت لا تتقبل المولود الإلهي فيك الا اذا عصمك الله من كل مزلة كما عصم مريم وانك لا تحفظ يسوع الا كما حفظَته متخصصة له ومتبتلة.

         مريم صورة لروحك المتعففة، المتواضعة. نفسك هذه هي المطرح الذي تغني فيه المجد الإلهي وتختبر سلامه. نفسك هذه العابدة تمارس ما صنعه المجوس اي تنحني امام المسيح ولا تنحني له الا الفضيلة التي فيك. وهي وحدها هديتك له.

         روحك مريمية اذا تنقت باستمرار. بل روحك هذه المتطهرة مريم جديدة تلد المسيح في العالم بمعنى ان تعاليم المسيح وفضائله وجمالاته تنتقل بتصرفك الحسن الى الناس. وهكذا ينمو المسيح في كل من شاهدك وعاملته بلطف يسوع وتواضعه.

         واذا انتقلت الى السنة الجديدة فليس المهم ان تنتقل الى زمان جديد لأن المهم ان تنقل معك الى العام الجديد بهاء يسوع وكلمته.

         وقد تكون السنة الـ 2..2 مليئة بالأحزان على مستوى العالم وربما في حياتك الشخصية. فاذا مرضت او تعبت بأي نوع من التعب لا تخف لأن يسوع معك. لا تنتظر الكثير من احداث العالم ولا من تحسن كبير في البلد. مهما جرى من احداث فأنت حرّ منها لأن المسيح حررك ولن تكون شقيا. انه لم يعدك بالغنى ولم يعدك بالصحة ولكنه وعدك بأنك – ان كنت معه – لن يستعبدك شيء ولن يقدر انسان ان يستعبدك.

         غير ان هذا كله يتطلب ان تبقى انسانا مريميا اي حاضنا ليسوع، ماشيا وراءه كالتلاميذ، باقيا معه كالقديسين في السماء، مختلطا به في الكنيسة، في صلواتها. هذا هو جديدك. الأزمنة التي تتقلب ليست بشيء. المسيح فيك الذي لا يتقلب هو كل شيء.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

أقبل العيد/ الأحد 23 كانون الاول 2001 / العدد 51

في هذا الأحد المعروف بأحد النسبة يطل علينا العيد من الإنجيل بصورة واضحة اذ ان متى يذكر أسلاف المسيح منذ ابراهيم مرورا بداود حتى يصل الى الكلام عن مولده. والعيد كما تذكرون كان يقام قديما في يوم واحد مع الغطاس، ولذلك سميت الذكريان عيد الظهور الإلهي، حتى رأت الكنيسة في اواخر القرن الرابع ان تعزل ذكرى الميلاد عن ذكرى المعمودية فكان لنا عيدان كل منهما يدل على ظهور الإله بين الناس.

         المسيح هو ابن الله الظاهر في الجسد لكي نعرف الله به، وذلك تحقيقا لنبوءة اشعياء: “ها العذراء تحبل وتلد ابنا”. الطفل الذي أمامنا في مذود بيت لحم هو المخلص. واسمه يسوع يعني ان الله يحررنا. وهذا يتحقق بتعليمه اولا، ذلك التعليم الإلهي الذي اذا انسكب في القلوب يحييها. ثم كل عمل قام به السيد من شفاء او عطف على الضعاف كان تهيئة للخلاص المزمع ان يبدو على الصليب وفي القيامة.

         من هذه الزاوية كان المسيحيون قديما يقولون: الميلاد فصح صغير بمعنى ان جوهر العيد يتضمن معنى الخلاص الذي سيكون كاملا على الجلجلة.

         كيف يجب ان نعيش العيد؟ كلام الملائكة للرعاة: “المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام في أناس المسرة”. فيها الجواب. عندنا اولا تمجيد لله، تعظيمه في قناعتنا، اعترافنا بقدرته على كل شيء، وتلبيته كل ما نطلبه ان كان نافعا لخلاصنا بمجده. هذا التمجيد هو الذي يجعل في قلوبنا سلاما. غير ان الملائكة قالوا: “في اناس المسرة” اي الذين سُرَّ الله بهم، التائبين، المستنيرين.

         اذا سمعنا هذا الكلام في خدمة العيد نرجو ان يهدينا الله الى ذاته فيرفعنا بالتمجيد ويجددنا بالسلام الداخلي.

         كيف نسمع ان قبعنا في بيوتنا صباح العيد ولم نشترك في الذبيحة الإلهية؟ مسرات الدنيا، سهرة العيد، زينته ليست هي العيد. الأضواء الكهربائية في البلد ليست هي العيد. من أحب هذه الأشياء فلتكن له. ولكنها خارجية. العيد هو يسوع الذي نسمعه ويخاطبنا ويضع فرحه فينا.

         ليست لنا تحية ميلادية خاصة. الشعب الصربي استحدث تحية ويقول: “المسيح ولد” والجواب “حقا ولد”. اذا لم نقلها نستطيع على الأقل اذا هنأنا احدا بالعيد او تقبلنا التهنئة ان نفكر بأننا نعايد بسبب من ذلك وليس لأننا في مناسبة اجتماعية.

         هناك شيء آخر يلازم العيد وهو ان يسوع كان صغيرا. كيف نترجم ذلك لأنفسنا؟ ليس في كنيستنا ابتهاج خاص بالأطفال. ولكن الذين جعلهم الله همه هم صغار النفوس، الأذلاء الفقراء المعذبون. هؤلاء يلازمهم الطفل الإلهي، يحملهم في قلبه. ماذا نعمل نحن لنعزي المنكسري القلوب، المتروكين في الأرض الى عزلتهم، الذين لا يتمتعون بدفء العاطفة؟

         هذا هو العيد الذي يدفعنا الى ان نسعى اليهم. الميلاد تربيتنا على المحبة. هذه تمارسها في الحقيقة حولك، كل يوم، بدقة وفي رقة يسوع حتى يشعر كل هؤلاء انهم اخوة له.

         اي مخلوق تحتضنه انت احتضانا صادقا وفعالا تجعله يحس بأنه ليس بعيدا عن المسيح.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

احد الأجداد/ الأحد 16 كانون الاول 2001 / العدد 50

الأحد السابق للميلاد يدعى احد النسبة. ارادت به الكنيسة ان تبين تحدر المسيح من الخط الإيماني الذي بدأ بإبراهيم. غير ان يسوع ليس فقط سليل العهد القديم. انه سليل الإنسانية كلها بما فيها الوثنيون. والفكرة ان ربنا يصب فيه كل البر الذي كان يحمله اهل الشريعة والذين – كالوثنيين الصالحين – كان ضميرهم شريعة لهم. ولذا وضعت أحد الأجداد قبل أحد النسبة.

         هؤلاء كلهم كانوا يتوقون الى مخلّص. كانوا جالسين بصورة سرية حول مائدة الرب التي سيمدها يسوع للإنسانية بحبه وبموته. والوثنيون معذورون ان لم يلبوا. غير ان اليهود لا عذر لهم لأنهم كانوا يعرفون الأنبياء الذين رأوا الى مجد المسيح وتكلموا عنه. فأخذ هذا يعتذر، وذاك يعتذر عن تلبية الدعوة الى العشاء، وهو عشاء الخلاص. الذين رفضوا الدعوة لم يستطيعوا ان يأكلوا من الطيبات التي أعدت لهم.

         هل نحن مثل هؤلاء لا نلبي الدعوة حقيقة باتباعنا الإنجيل الذي عرفناه وذقنا حلاوة يسوع ولكنا لم نشأ ان نستمر على هذه الحلاوة طوال حياتنا وفضلنا عليه طعاما لا شبع فيه فلم نأكل طعاما إلهيا؟

         كيف نأكل الخبز السماوي؟ عن هذا السؤال يجيب بولس في رسالة اليوم انكم اذا شئتم ان تظهروا مع المسيح في المجد فيجب ان تتطهروا. والتطهر ليس مزحة. يتطلب انضباطا كبيرا وان نطرح كل شهوة رديئة. وآباؤنا فرّقوا بين الشهوة الحلال كالطعام الذي لا ترافقه شراهة وبين الشهوات المؤذية للنفس فسمّاها النص في مرحلة اولى: “الزنى والنجاسة والهوى والطمع”. وذكّر اهل كولوسي الذين أرسلت اليهم هذه الكلمات انهم كانوا هكذا في وثنيتهم وانهم بعد ان صاروا للمسيح فلا محل عندهم للشهوات الرديئة. فيعود في لائحة ثانية للخطايا ويذكر “الغضب والسخط والخبث والكلام القبيح والكذب”.

         هذه القبائح منتشرة في مجتمعنا المسيحي. لاحظت ان الكثيرين لا يستطيعون ان يتكلموا بهدوء وانهم يجرحون مشاعر بعضهم البعض ويظنون السوء في الآخرين. وأكاد اقول ان الصدق الكامل قليل في مجتمعنا واننا على العموم في حالة غضب اي في حالة تجريح. فالبر الذي كان عند ابرار الوثنية او عند الملحدين المهذبين اللطفاء ليس عندنا. وكأن المسيحية لم تغيرنا بشيء.

         ازاء هذا السقوط الذي حذر منه بولس اهل كولوسي (وهو لم يتهمهم صراحة انهم سقطوا فيه) يدعوهم أن “البسوا الانسان الجديد الذي يتجدد للمعرفة على صورة خالقه”. هم يعرفون انهم لبسوا هذا الإنسان عند معموديتهم وقبلوها آنذاك عن وعي. وكان هذا لباسا ابيض. غير ان الرسول خشي عليهم ان يكونوا قد طرحوا الطهارة عن نفوسهم ويرمز الى هذا بقوله ان من ارتكب هذه الفواحش انما يكون قد لطخ ثوبه اي صار كأنه لم يعمَّد. ويذكّرهم بأن المعمودية هي تجديد الكيان وان غايتها ان نعرف الله اي ان نعيش معه ونصير على صورته. وهذا ما يوحدنا ويجعلنا كنيسة واحدة بارة حيث ينتفي الفرق بين اليوناني واليهودي، بين اي عرق وعرق آخر، بين العبد والحر، ويبدو المسيح كل شيء وفي الجميع.

         هذا ما يعيد آخر الرسالة الى اولها اي ان نصير جميعا في المجد كما المسيح في المجد. طبعا يعرف بولس ان هذا لن يصير كاملا الا في اليوم الأخير. ولكن عندما نعلم ان عيد الميلاد كان يقام قديما ضمن عيد الظهور الإلهي في 6 كانون الثاني، لنا ان نفهم ان الميلاد القادم علينا انما يطلب الله فيه الينا ان نكون ايضا على نوع من المجد اي كارهين للرذيلة محبين للخير، فرحين بانتصارنا على الخطيئة وهكذا نستحق ان نكون مشاركين في العيد، جالسين حول مائدة العشاء السري التي دعانا الله اليها.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

التشاور/ الأحد 9 كانون الأول 2001 / العدد 49

كل الكنيسة تقوم على اننا واحد. هذا ما يسمى جسد المسيح بحيث لا يستغني احدنا عن الآخر. فلو كان اخوك قليل المعرفة الا انه قد يكون عظيما في المحبة. وان انت تأنيت عليه وكلّمته بالمنطق قد يصير اكبر عطاء في عقله. وان كان اهوج وعاملته برفق قد يقترب من الوداعة فالتعاون. لا تلغ احدا لأنك بذلك تكون قد تصرفت كأن العالم هو لك وحدك وكأن الله اخطأ لما خلق سواك وسمح بأن يكون كما هو.

         في هذا المعنى قال بولس: “ان قالت الرِجل لأني لست يدا لست من الجسد. أفلم تكن لذلك من الجسد… لو كان الجسد عينا فأين السمع؟” (1 كورنثوس 12: 15-17). ولهذا دعانا الإنجيل الى ان نكون دائما في حالة التشاور وان يكون عندنا فكر المسيح. وفي هذا المنحى اراد ان يجتمع الإخوة ويتحاوروا وألا يستقل احد برأيه. فرأي الآخر قد يزيدك وضوحا وقد يأتي تنقيحا لرأيك فتخرج الحقيقة او الأمر النافع من هذا التقابل. ولهذا اوجد القانون مجلس الرعية ليكلم احدنا الآخر فلا يتفرد احد برأي ولا يفرض رأيا على الإخوة. فالتفرد يجرح من الذي لم يُدعَ الى الاجتماع، وكأنه يقال له انه  غير نافع او كأن رأيه متميز فنخشاه.

         واذا كان من شخص يستشار فهو رئيس الأبرشية لأنه موضوع فيها بقوة المسيح. ومن لا يؤمن بهذا فليس له ان يكون عضوا في اي نشاط كنسي. ولهذا اوصى القديس اغناطيوس الأنطاكي في اوائل المسيحية الا يعمل الإخوة شيئا بلا مشورة الأسقف ليس لأنه أمار ولكن لكونه الأخ الاول بسبب الوكالة الإلهية التي يحمل ونفترض فيه انه غير منحاز ولأنه طبيعي ان يكون بعيدا عن العصبيات المحلية. في كل حال هذه هي كنيستنا.

         ومتروك للإخوة في مجالس الرعايا البت في ما هو عادي او يومي، ولكن اذا شعروا ان للأمر المعروض اهمية خاصة فلا بد من استشارة العقلاء والأتقياء في الرعية من جهة ولا بد من موافقة المطران من جهة اخرى. والقضية لا تنحصر في البيع والشراء، فهذا امر مبتوت في القانون الكنسي وقوانين الدولة. ولكنها تشمل كل امر جديد ذي اهمية.

         هناك قلة تتمنع من استشارتنا بقولها: “الاوقاف اوقافنا. ما علاقة المطران بهذا؟”. الحقيقة ان الوقف ليس ملكا جماعيا للرعية. انه ملك الله. في سجلات الدولة التي تتعاطى الشؤون الدنيا لا بد ان يقال: هذا وقف القرية الفلانية. وفي الحقيقة ما تعودناه ان نكتب: هذا وقف الروم الارثوذكس في القرية الفلانية. هذا مكان الوقف، ولكن الملكية تبقى لله. ومن اراده الرب وارادته الدولة هو ان المطران متولي الوقف.

         انا اقول شيئا بسيطا وهو الا يستغني احدنا عن الآخر لكوننا جسدا واحدا للمسيح.

         الأمر الآخر والأكثر اهمية ان وكلاء الوقف ليسوا اسيادا على الكاهن. فهم لا يعطونه من مالهم الخاص. هم مؤتمنون على مال الجماعة، وليس عليهم ان يأمروا الكاهن بشيء. هم ليسوا رقباء عليه. هو رقيب عليهم. وعليهم ان يكلموه بكل وقار وبنوة لا ان يحسسوه بمنّة. “نحن نعطيك ونحن عم نعيّشك” كلام ليس فيه وقار. هم مجرد ناس ينقلون اليه مال الكنيسة. اذا تحققتُ بعد اليوم ان وكيلا من وكلاء يتصرف هكذا أنزع عنه وكالتي في لحظة.

         تشاوروا بعضكم مع بعض وشاوروا وكونوا متواضعين.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

الحائزون على الدنيا/ الأحد 25 تشرين الثاني 2001/ العدد 47

صعوبة الإنسان ان ينضم إلى الملكوت هو انه يجب الانضمام إلى نفسه. هو مركز الوجود لا الله. الرجل الغني موضوع إنجيلنا اليوم (لوقا 18: 18-27) ظن انه مركز لكونه حفظ الوصايا. ولكن عندما اشترط عليه يسوع ان يبيع كل شيء ليتبعه تراجع. ان يتجرد من كل شيء يعني انه فقد هيمنته على هذا الوجود. هو يهمه هذا الوجود مع حفظ الوصايا. الله والعالم معا. الله وعشق المال معا. لم يصل هذا الغني إلى عراء يسوع على الصليب أي ان يكون قلبه خاليا من كل شيء ما عدا الرب. المال قوة. إذًا الله ليس كل القوة.

المال طريق إلى قوة أعظم منه هي قوة السياسة. ان تسعى إلى دعم الكبار ليس سيئا في بلد تركيبته سيئة. ولكن ان تسعى في كل الوسائل، في مدح النافذين مثلا، في الرشوة، في أي نوع من أنواع الإغراء، فهذه سياسة على الطريقة اللبنانية حيث الشاطر هو كل شيء وحيث مطواعيتنا لرؤساء وهذه الأمة هي كل شيء.

هذا الشاعر بقدرته أو هذا القادر على الكثير لا تسحره قدرة الله الا إذا مرض أو مرض واحد من أولاده. القوي يستغني. هل يعني ذلك انه يجب ان تتخلى عن قوتك في الحكومة أو الدوائر؟ لا، ولكن استعملها بخوف الله فلا تمنن أحدا ولا تظلم ولا تشتر بها ضمير أحد.

هناك سلطة كبيرة هي سلطة الجمال عند النساء. الحسناء كثيرا ما تتباهى فجمالها غنى ونفوذ في الأرض وقد يكون لها مطلب سخيف في المعاملات ولكنها تلبّى. ولا يردّ زوجها سلطانها ولو كانت على خطأ. والتباهي يسير بها إلى الانتفاخ والغرور وتاليا إلى الفراغ.

وهناك لون آخر من التسلط وهو تسلط العلماء والمثقفين والأذكياء. العلم سلطان على أنصاف المتعلمين والبسطاء. والذكاء موقع من مواقع الافتخار مع انه مجرد هبة من الطبيعة صقلتَها أنت بجهودك ولكنك ورثتها بقانون الميراث الطبيعي.

كل هذا الذي ذكرناه حيازة في الدنيا. الجمال والذكاء والمال والسلطان السياسي، كل هذا من هذا العالم، ولا شيء من هذا له قيمة عند الله وعند المقربين إليه. وإذا كان لك شيء من هذا وكان لك به زهو فاعرف انك لن تذوق ملكوت الله. لا شيء من هذه ينفعك بذرّة لتتقدس. فقط إنْ صرت فقيرا إلى الله ومُوقنا بأن فقرك وحده يجلب عليك الغنى الإلهي تصير جميلا من نوع آخر وذكيا من نوع آخر. المتواضعون لهم ذكاء خاص وقدرة خاصة لم يسمع بها أكابر القوم وأكابر الثقافة. المستكبرون صاروا من هذه الدنيا، من ترابها. الذين جمّلهم تواضع يسوع يراهم معلقين عراة مثله على صليبه، متحفزين إلى القيامة.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

العصبية العائلية/ 21 تشرين الأول 2001 / العدد 42

من اشد الصعوبات في حياة أبرشية مؤلفة من قرى العصبية العائلية، وقد عرّف العصبية ابن خلدون بقوله انها «التناصر بين ذوي الأرحام»، وعندنا في الجبل هذا يعني المنحدرين من جد واحد قد يكون والد الوالد أو جد قديم. وهذا معروف بلغة الجبل بالأجباب أو الجباب. وهي جمع الجب أي البئر. وحاولت وأنا أتعاطى الأجباب كل يوم ان افهم سبب تسمية الفرع العائلي جبا ففهمت ان البئر سميت جبا لأنها قُطعت قطعا. ولعل التسمية العامية تعني الفرع المقطوع.

          عندنا مجموعة بيوت من عائلة كبرى اسمها عند العرب قبيلة أو عشيرة وبين أفرادها تماسك وتعاضد حتى حد العصبية وهي مسافة كبيرة أو صغيرة تقيمها أنت بينك وبين الآخرين وتتحكم بالعاطفة. ومن الواضح في الجبال انك اقرب إلى أهل جبك منك إلى الجباب الأخرى ما لم تظهر مودة تقوى على الشعور العائلي.

          لست أريد اليوم ان أكلمكم عن الأذى الكبير الناتج من العصبية العائلية في سلبياتها أكان هذا في حياتنا الوطنية أم حياتنا الكنسية. فإذا لم تقم علاقات ود بين العائلات فالرعية موجودة ظاهرا ولا يراها المسيح واحدة. ويصعب التعامل كثيرا مع وضع كهذا. نحن دعاؤنا إلى الله ان يجعل المحبة في قلوبنا فيبقى التماسك البناء ومن تعابيره الإحسان إلى فقراء العائلة ولكن ليس من تعابيره التمظهر وطلب المجد والسيطرة على احد. يعني هذا ان نحسب الكنيسة مجموعة قبائل تتقارب أحيانا أو تتباعد في روح هذه الدنيا وفي انفعالات لا عقل فيها. والانفعال لا ينشئ التآلف والتآزر الضروريين لكل عمل مشترك.

          ولعل الأهم ان يحس المرء انه شخص وليس جزءا من قبيلة وعلاقته بالأشخاص الآخرين باعتبارهم أعضاء في جسد المسيح. إذا كنت معمدا فأنت ابن الله الآب ولا تجيء من لحم ودم ولكنك تجيء من النعمة الإلهية، وكل إنسان آخر أخوك. وقد تتعاون مع الغريب في العمل الكنسي، وليس من غريب لأن دم المسيح الذي اخذته أنت بالمناولة الإلهية اخذه ذاك أيضا وصرتما من دم إلهي واحد.

          أمام العائلية البغيضة يسأل المؤمن نفسه: ما هو فكر المسيح؟ هل كان السيد يولي أهمية ما للعائلة حتى هذه الصغيرة المؤلفة من والدين وأولادهما؟ هو تكلم على المحبة بحيث اعتبر ان الله الآب هو وحده أبونا جميعا. وأكد وصية موسى: «أكرم أباك وأمك». وقال ان والد الابن الشاطر تحنن عليه وكشف صعوبة العلاقة بين هذا الوالد والابن الآخر. انه لم يقل مرة: ابن خالك أو عمك أقرب إليك من الغريب. وإذا كان الغريب أحوج إليك من النسيب، فتهمل النسيب وتخدم من كان في حاجة إليك.

          إلى هذا نقرأ ان السيد اجتمع إليه جمع. «ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه لأنهم قالوا انه مختل». وبعد هذا ضاقت الحلقة «فجاء حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجا وارسلوا إليه يدعونه». أي ان هؤلاء الأنسباء ما أرادوه ان يبشر. فعلم السيد بهذا وقال عن مؤيديه: «ها أمي وإخوتي» (مرقس، الإصحاح 3). هنا لم يقم يسوع أي وزن للقرابة الجسدية.

          وفي موضع آخر يقول: «جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه والابنة ضد أمها… وأعداء الإنسان أهل بيته» (متى10: 35 و36). والمعنى ان ذويك ان كانوا ضد يسوع فأنت ضدهم ولا يجمعكم الا المسيح. هذا اللحم والدم كلاهما إلى التراب.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

روحية مجالس الرعايا/ الأحد 14 تشرين الأول 2001 / العدد 41

هي مجالس لمعاونة الكاهن في خدمة المؤمنين على صعيد الثقافة الروحية وفي مجال تنمية الأوقاف تعزيزا للكاهن وتعزيزا للإخوة المحتاجين.

الأعضاء في هذه المجالس يعيّنهم المطران تعيينا بعد المشاورة مع أهل التقوى، وينص القانون انهم يكونون من المؤمنين المصلّين الفاهمين بشيء من العمق الأمور التي يجب بحثها. ولذلك أتى مجلس الرعية مستقلا عن كل حزبية محلية كانت أم غير محلية.

ومن الواضح ان المطران لا يسأل أحدا عن انتمائه السياسي لأن المطران ليس عنده لائحة بالموالين لهذا أو ذاك من الناس أو المنخرطين في عقيدة سياسية. هناك من يدلّه على من عنده حماسة روحية وخلق جميل. والمطران ليس خصما لأي زعيم أو نافذ ولا يناقش أحدًا في انتمائه الحزبي ويعتبر المؤمنين جميعا إخوة ويأمل الا تتجاوز الخصومة السياسية ولو شريفة اعتاب الكنيسة والا تخل بالمناقشات، فالمسيح يوّحد المؤمنين ولو اختلفوا في شؤون الدنيا. وهو ينظر إلى المحازبين من كل صوب والملتصقين بهذا وذاك من النافذين على انهم أبناء له، لهم جميعا المحبة نفسها والرعاية نفسها.

فأنت لك ان توالي من تشاء وأي حزب تشاء إذا كان لا يقول شيئا ضد العقيدة المسيحية. كذلك ينظر المطران إلى الزعماء في القرية أو في ما هو أوسع من القرية -إذا كانوا أرثوذكسيين- على انهم أبناؤه أيضا ولكنه يريد منهم الا يعتبروا الكنيسة نطاقا لنفوذهم أو تدخلهم لأن في هذا خلطا بين أمور الله وأمور الدنيا ولأن هذا التدخل من شأنه ان يغذي الانفعالات والتشنج.

من الطبيعي ان أحافظ على مجلس الرعية حتى انتهاء ولايته وهي أربع سنوات إذا لم يرتكب هدرا. ونحن نراقب حساباته. وإذا ارتكب احد من الأعضاء خطأ كبيرا فيستغنى عنه هو. ولكن إذا كان الأداء جيدا فلا يكون المطران على هذه الخفة التي تجعلنا نحل المجلس لكون عدد من أعضائه لا يروق هذا أو ذاك من الناس. المجلس ليس مجلس عائلات. انه مؤلف من أفراد نعيّنهم وفق المعلومات التي تردنا من بعد المشاورات. وليس من مشاورة واحدة في العالم يمكن ان تأتي تامة، مصورة للوضع الحقيقي. الاستنساب يلعب دوره في كل تشاور.

المجلس جيد نسبيا وليس مطلقا. لذلك، حفاظا على الكنيسة، يتعاون الجميع معه حتى يحل محله مجلس آخر عند انتهاء مدته. ان مقاطعته فيها أذى كثير لأن فيها انقساما. فأنت تحتمل أداء ناقصا -وكل أداء هو كذلك- بانتظار الأفضل.

وما يهون على الجميع الأمر هو ان المجلس ليست له صفة تقريرية ولكن صفة استشارية. غير أننا لا نستطيع ان نكون في كل مكان. فما كان استشاريا يصبح في الحقيقة تقريريا حتى يبدو الغلط فننقحه.

على هذا الأساس لا يجوز ان «نحرد» من المجلس أو ان نقاطعه ماليا لأن هذا يؤذي الكنيسة ويقلل من مداخيلها ويضعف عملها. أنت لا تعطي المجلس مالك ولكنك تعطيه للكنيسة، التي هي أمّنا جميعا. وإذا قاطعت فأين تكون مشاركتك وكيف تكون أخا؟ ليس احد يضغط على أمه ليفقرها. وليس لأحد ان يفرض رأيه على الجماعة. انه يبديه. وافترض أننا محبّون بعضنا بعضا فلا يكون المجلس حربا على أحد. ولكن بالمقابل لا يحارب احد المجلس القائم.

اما إذا رأى بعض الإخوة انه حسن ان يؤتى بواحد أو أكثر من واحد ليتحسن الأداء فنحن منفتحون للرأي المصيب. أنت تجاهد من الداخل وتناقش داخل المجلس. وليس من كارثة إذا لم نأخذ هذا أو ذاك. كما انه لا يأتي احد بأعجوبة لو قبلناه. ليس المجلس مكانا للنزاعات ولا لسوء النية كما انه ليس بمعصوم. نحن لا نمارس الإكراه، ومن الطبيعي ان نرفض ان يمارس احد علينا الإكراه.

لا يمكن لأية هيئة في العالم ان تكون مؤلفة من قديسين. المصلحة تقضي بأن نرتضي الموجود. والإصلاح وارد والإلحاح على الإصلاح وارد. وقلبنا مفتوح لأي اقتراح تحسين حتى تبرز المحبة.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

نظافة الكنيسة والكاهن/ الأحد 7 تشرين الأول 2001/ العدد 40

«ما أَحبَّ مساكنك يا رب القوات» (المزامير) وقوله: «يا رب أحببتُ جمال بيتك»، ان كانا يعنيان البهاء الإلهي القائم في هياكلنا، إنما يتضمنان ان القذارة وانعدام الترتيب ليسا شيئا محببا.

الكنيسة مكان وضع الله اسمه فيه ومُسِح بالميرون عند تكريسه وصار مدى يتجلى فيه وملأته الصلوات سنين كثيرة عشرات أو مئات. وأقيمت فيه بنوع خاص الذبيحة الإلهية الأمر الذي دفع المؤمنين إلى الخشوع والارتفاع الروحي. هذا مكان من أمكنة الملكوت.

ورأينا الأجيال البارة ترممه وتحسنه وتحفظه من السقوط والتصدع وأي أذى يأتي من الطبيعة. وسلك الناس وهم يشعرون ان المحافظة على بيت الله جزء من الأمانة لله. وتقدمنا كثيرا في رعاية الهندسة المعمارية البيزنطية. غير ان معابدنا متفاوتة في نظافتها فهناك كنائس قليلة ليست نظيفة حتى النهاية.

الهيكل وهو المكان الأهم، النظافة الأساسية فيه نظافة المائدة والمذبح. والمائدة مجللة بأغطية واحد منها ظاهر لا تمسه يد إذ لا يضع الكاهن عليه يده. ولا يوضع عليه سوى الإنجيل. ثم لا بد من الانتباه إلى الشمع حتى لا يسقط منه قطرات. وإذا حل شيء من الوساخة فواجب الكاهن ان يزيل هذه الوساخة. كل شيء قابل للتنقية. أية قطعة من قماش قابلة لنقاء كامل.

إلى جانب ذلك ارض الهيكل التي لا ينبغي ان نرى عليها فحما أو بخورا ساقطا ولا أثر لمن يمشي عليها.

هذا كله من مسؤولية الكاهن. يوكل من يشاء للقيام بهذا العمل. له ان يستعين بمن تؤهله مواهبه للإشراف على هذا الموضع السامي. ان هاجسا من هواجس الكاهن ان تكون الأواني الكنسية الموضوعة على المذبح لائقة كليا بالله وغير منفرة للمؤمنين وكذلك الأغطية المتصلة بهذه الأواني.

الكاهن وحده مسؤول مباشرة عن هذه الأدوات المطلوب ان تكون كالبلور لئلا يشكك خادم المذبح إخوته العمانيين ويحسبوه مهملا للخدمة. هذه تربية للكاهن حتى يفهم ان أمور الله كلها تجري بترتيب ولياقة وإتقان.

يتصل بهذا جمال الألبسة الكهنوتية التي يستخدمها في الذبيحة الإلهية والصلوات فلا تبقى ممزقة ولا تعتق كثيرا لأنها جزء من جمال الخدمة.

جبة الكاهن وما إليها ينبغي ان تبقى نظيفة دائما وكل ثيابه. هذا بعض من حبه للترتيب. طبعا نحن لسنا طلاب أناقة ولا الإكثار من هذه الأقمشة فهذا إسراف لا يتجانس مع التقشف. المظهر اللائق وان لم يكن فضيلة الا انه ينسجم مع فكرة اللياقات الخارجية التي يجمل بالإكليريكي ان يتحلى بها. قد يكون هذا أحيانا صورة عن طلبه اللياقة في كل شيء.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

هذا الأحد/ 16 ايلول 2001/ العدد 37

هذا الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب يعطينا المعنى العميق لسر الصليب. أن تحمل صليبك اي أتعابك ومشقاتك ماشيا وراء يسوع، أن تكفر بأنانيتك او مركزية الأنا هذا هو السر. أن تخلّص نفسك، وهذه غاية موت يسوع، يعني ان «تُهلكها» اي ان تجاهد جهادا كبيرا، كليا حتى لا تعلق فيك خطيئة. في الحقيقة تُهلك الأنا الطامعة، العابدة نفسها، المستلذّة بما عندها.

          لماذا تفعل هذا، ما مكافأة هذا العناء؟ خلاص النفس. ويذهب الإنجيل إلى ان الإنسان يريد كل شيء في هـذه الدنيا، ان يربح العالم وكل ما فيه من لذات، مـن مال، من مجد. هذا ما يسمى «العالم» بلغة الكتاب. يقول: إن ربحك كل هذا لا يساوي أن تخسر نفسك اي أن تخسر حياتك الروحية وأن يكون المسيح ساكنا فيـك. المسيح أهم من كل ما في دنياك. هذه اشياء مادية وعابرة او هي تدغـدغ كبرياءك وحبك للمجد. بهذا تنتفخ، وفي الحقيقة تبقى فارغا. انت إنْ احببت نفسك حقا وجدّيا تريدها مليئة ولا يملأها فرحا سوى المسيح.

          المسيح ملء وجودك ولكن المسيح له ثمن في دنيا مغرية ومشوّقة. الخطيئة ساحرة للوهلة الاولى. أن تتركها اذا أتتك التجربة يبدو لك شيئا مزعجا. تظن للوهلة الاولى انك ستصير مجرّدا من جمالات العالم، من شهواته. هذا صحيح اذا كانت الشهوات مؤذية، قائمة على إشباع البطن وإذكاء المجد الباطل. ولكن على قدر اقترابك من يسوع تحسّ ان الفرح به هو اعظم من كل لذات العالم، ان لا معادلة بين ما تخسر ومن تربح لأن في المسيح اللطف والتعزية والفرح والوداعة اي الأشياء العميقة والتي تبقى فيك إلى الأبد.

          عطايا المسيح اليك تجعلك قويا فيه، ثابتا، وتشعر بأن ما يعطيه ملء وليس شيئا جزئيا او تافها او مهترئا.

          واذا سكنَتْ فيك كلمة المسيح وبِتَّ مغتذيا بها وناميا بها تحس بغناك الحقيقي وباستغنائك عن الأشياء العابرة والسخيفة.

          انا ما قلت ان يسوع يطلب اليك الا تأكل ولا تشرب ولا تتزوج ولا تحصل على الأموال الضرورية لمعيشتك. هذه اذا أخذتها باعتدال وضمن شريعته لا تبعدك عنه ولكنك تطوعها له. المهم ان تعرف ان السيد هو قائدك في كل شيء وهو الميزان لكل شيء. تأخذ انت من هذا العالم شرط ان يأخذك المسيح اولا وان تعتبره موجِّها لك في ما تأخذ من هذا العالم وفي ما لا تأخذ.

          الصليب ليس فقط إشارة صليب ولا هو مجرد ايقونة. هذا رمز لما هو أعمق. قلبك هو المصلوب. قلبك هو الذي تبيد فيه الشهوات المظلمة التي تكبّلك وتستعبدك. أن تتحرر منها غير ممكن الا اذا جعلت المسيح مَلِكا على قلبك. عندئذ يهون الجهاد وتستطيب الجهادَ طريقا إلى حبيبك يسوع. عندئذ لا تكون فقط حاملا على كتفيك الصليب. تكون مكلَّلا بالقيامة.

Continue reading
2001, مقالات, نشرة رعيتي

أقوال رعائية/ الأحد 9 أيلول 2001 / العدد 36

نشأت عندنا عادات لا أجدها في العالم الأرثوذكسي مثل العمادة والإكليل في الأديرة. الدير ليس مكانا للإكليل لأن الناس الذين يعيشون فيه لا يتزوجون وليس من المستَحَب ان يشاهدوا أعراسا عندهم. كذلك العمادة التي تقول قوانيننا القديمة أنها تجري في كنيسة الرعية وليس في كنيسة خاصة.

أهمية التعميد في كنيسة الرعية ان الطفل المُعَمَد تتقبله الرعية عضوا من أعضائها. ولهذا كانت تتم المعمودية في القداس الإلهي فلم تكن دعوات إلى عمادة، فكلّ الرعية تكون مجتمعة وهي التي تتقبل الولد وتجعله عضوا فيها. الإنسان يعتمد ضمن الجماعة ليصير واحدا منها. ما يجري الآن سواء أكان في الدير أم في كنيسة الحي أو الكاتدرائية ان الأهل يدعون أنسباءهم وأصدقاءهم، والمعمودية عملية جماعية تخصنا جميعا ولا تخص الأهل وحدهم.

لقد قُمنا بهذا الاختبار وأدرجنا العمادة في القداس حسب ترتيب موضوع. كذلك أدرجنا الإكليل في القداس بحيث تتقاطع الصلوات الخاصة بالإكليل والصلوات الخاصة بالقداس وتتصل بعضها ببعض. أنت تتكلل ضمن الجماعة ولا تخرج من كنيسة رعيتك.

اليوم نرى ان معظم الناس لا يُصلّون في الإكليل. الأزياء معروضة بفحش كبير فلا حرمة للمعبد. الناس منشغلون بالناس ولا يبدون منشغلين بالكلام الإلهي. حُرمة الزواج ينتهكها الفحش.

يقولون أنا أتكلل في دير أو أُعَمِد ابني في دير لأن هذا نذر. لماذا تنذر هذا النذر؟ هذا كله يأتي من الروح الفردية. وروحنا نحن جماعية. الكنيسة في أبرشيتنا هي كنيسة القرية. وفيها أنت تولد روحيا وتنشأ روحيا وفيها يتم فرح زواجك ويُصَلّى فيها على جثمانك وتُدفَن بقربها.

هناك نذور كثيرة مغلوطة إذ ليس لها أساس في القانون الكنسي. من هذه النذور أن تشتري صورة أو ثريا وترغم وكلاء الوقف على قبولها. وقد لا تكون هذه الصورة أيقونة أرثوذكسية وتزعل إذا رفضناها ونحن مضطرون إلى الرفض. أنت تتبرع إلى الكنيسة بمبلغ من المال ويشتري وكلاء الكنيسة ما هم في حاجة اليه.

أحمد الله على ان المؤمنين عندنا اخذوا يفهمون هذا وطبقنا هذا في نجاح في الجبل المهجر حيث لا يأتيك احد ليفرض عليك كتابة اسمه. من أعطى يعطي الله ولا يفتش على نقش اسمه على أيقونة أو بلاطة. إذا أحسنت فالرب يسجّل لك ذلك في سفر الحياة.

الشيء الآخر الأساسي هو ان بعض الناس ينفقون كثيرا على أعراسهم والناس يموتون جوعا. في الضائقة التي نمر بها اليوم الإنفاق الكثير على المآدب والاستقبالات شيء فاحش. فليكن للعروسين هذه الشجاعة ان ينفقوا القليل القليل. ان هناء العروسين يبدأ بمحبتهما للفقراء.

ما يؤلمني ان أصحاب العمادة أو الزواج يبالغون في المصروف مبالغة كثيرة بدءا من بطاقة العرس التي صارت أغلى مما يجب. الإكليل يمكن ان يتماشى مع التواضع والخفر. يَجرح الكهنةَ في مناسبات الفرح أنّ أصحاب الاحتفال ينفقون القليل عليهم إذا قيس بما ينفقون على الكوكتيل. مال يهدر على الملذات والمجد الباطل ولا يعطى القليل إحسانا وتقربا من الله.

Continue reading