Monthly Archives

July 2015

2015, جريدة النهار, مقالات

لماذا أكتب؟ / السبت في ٢٥ تموز ٢٠١٥.

أنا المؤمن أكتب لأن الله فوضني بذلك، لأنه يكلم كل الناس ببعض من الناس. أنا لا استطيع ان احتفظ لنفسي بما أخذته منه. «بلغ، انك مبلغ» فالوحي للناس والرسول رسول اليهم. أنت كلمة الله تحضنها وتعطيها. وما استودع رسول كلمة لنفسه.

من أحسّ انه ملهم مضطر على التبليغ. الله يكلم الناس بالملهَمين. إذا أمرهم يكتبون أو يتكلمون. لا يعطي الله دائما كلمات. إذا أراد التبليغ يلهم. ومن استودع الكلمة لا يستطيع حجزها. وإذا حجزها يخون. هناك من يتكلم باسم الله ولست أريد فقط الأنبياء أو المرسلين. أنت ان كنت مؤمنا كبيرا تميز بين من يبلغك كلمة من الله وكلمة من عنده. وان كنت عميق الاحساس بالله تقبل الكلمة التي من عند الله. والكاتب ان كان حقا مؤمنا يعرف ما جاءه من عند الله وما جاءه من نفسه. إذا جاءه القول الإلهي وعرفه يبلغه تبليغا آمرا والا يلازم الصمت. الإلهيون لا يكتبون من أنفسهم ولكن مما استلموا ويعرفون بوضوح الفرق بين الذي نزل عليهم من فوق والكلام الذي من الدنيا. وإذا قبض عليهم الإلهام يضطرون إلى الكلام والا أحسوا بالموت. وأمام الملهمين تحس بالخيانة ان لم تتبعهم. ان كان الله معك واقتنعت بذلك اقتناعا كاملا لا تستطيع ان تناقش. تنقل ما جاءك وان كانت كلمتك حقا كلمة الله ولم يأخذها من اقتنع بها يموت موتا روحيا. الله لم يكلمنا فقط بالكتب المقدسة. فكثيرا ما يكلمنا بالصادقين وبالأبرار. صعب عليك ان ترفض كلمة بار. الخوف ان فعلت ان تموت موتا روحيا.

الحقيقة ان الرب لم يكلمنا فقط بالكتب الموحاة. هو يكلمنا أيضًا بالناس المقدسين بما قالوا أو بما سلكوا. هذا ما يسميه المسيحيون شركة القديسين. عندنا من لم يقرأ الكتاب الإلهي مرة لأنه أمي. له ان يصل إلى معرفة الرب في القلب. الله ليس مقيدا بكتاب.

ولكن هناك من يقرأ. وإذا عرفت الكتابة فعليك ان تكتب. وقد تظن ان أحدا ممن حولك لا يقرأك ثم يكتشف المتتبعون آثارك ان ثمة من قرأك.

أكتب وقد تلحظ ان قراءك قلائل. لا تخشَ. قد يأتي من يقرأك. هذا ما حصل لي منذ خمسين سنة إذ كنت طالبا في بيروت ومستأجرا غرفة في أحد منازل الأشرفية القريب من الجامعة وفي غرفتي كانت مكتبة عظيمة من القرن التاسع عشر وتأثرت ان قلة طالعت ما فيها. ما كنت أعرف ان رجلا من ذاك العصر يعرف الكثير الكثير. هل كان هذا يحسب ان شابا سيأتي بعده ليستأجر غرفة في بيته ويقرأ فيها كتبا بالعربية وغير العربية ويتجدد فكره بها؟ غالبا ما ظن انه يترك المكتبة لأولاده وأحفاده. لم أعرف عنهم شيئا. أنا صرت إذا وريث هذا الرجل.

أكتب ان استطعت لمن يأتي ويقرأ. ما من كلمة تموت. إذا جاءتك كلمة الله خذها واحفظها وبلّغها. لا يحق لك ان تحتفظ لنفسك بطيات الفكر. الفكر فيك عطاء من الله. وزعه، هذا أمر إلهي إلى ان يقبضنا الله في رحمته.

أنت مؤتمن على الفكر الإلهي الذي استقر فيك أي انك مأمور بتبليغه. الحقيقة ليست ملكا لك.

أنت تكتب لأنك مؤمن بأن أحدا سيأتي ويقرأك ويصير بهذا إنسانا سويا. تكتب لأنك تحب من لم تره عيناك. ان كان في فكرك شيء لا تتركه لنفسك. أنت لا تعرف بالضرورة قيمة ما عندك. دع الآخرين يقبلون إلى ما تركت. الكاتب من أحب وترك للناس كلمات قد يحيون بها. هو يستخلف ناسا لا يعرفهم. المعرفة محبة ليس فيها انسباء. أكتب ومت. قد يأتي من يقرأك ويحيا.

فكرك ليس ملكا لك. هو وديعة وفي الكتابة يأخذ الوديعة من استطاع. أنت في الكتابة ليس لك نسيب. الناس كلهم عيالك بدّد إذًا ما عندك ليحفظك الله عنده. ما من سطر فيه فهم لا يظهر يوما أحد لا يكون له قارئا. أكتب ولو بدا لك انك تبدد. قد يأتي يوما من يقرأك تعيش روحه بما قلت.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

عقل وحب / الجمعة في 17 تموز 2015

الله عاقل ولكنه ليس تحت العقل. أنت تحبه. هذا لا يعني انك تجعله تحت المعقولية. غير ان الكتاب قال: «الله محبة». هل أراد في هذا تعريفا عنه أم أراد ان المحبة هي ذاته؟ فكر الآباء ان الله لا يدخل في المعقولية لأنها تحده، بأي معنى يكون إذًا حبيبك وأنت لا تسعه؟ واضح ان العقل ليس عنده جواب واننا في الرؤية.

من كل ما كتبه يوحنا رسول المسيح يفهم انك لا تقدر ان تعقل الله. ان تعقله في اللغة تعني ان تجعله تحت العقل أي ان تقيده بشريًا. لذلك كنت دائما في ضيق أمام محاولات الفلاسفة ان يثبتوا وجود الله. ولنفرض جواز هذا. كيف تكون العلاقة بينك وبينه بالعقل؟ لماذا أراد فلاسفة الدين ان يثبتوا الله بوسائلهم؟ أليس هو المعطى الأول الذي لا يحتاج إلى تأييد عقلي؟ لماذا لا يكون حبنا له وسيلة لمعرفته؟ لماذا الحب أدنى من العقل في الإدراك؟

هذا هو طغيان العقل اليوناني على الفكر انك تحتاج إلى أدلة في تعاطيك الله. العقل اليوناني طغى. لماذا تريد برهانا على الله؟ أليس الله اسطع من البرهان؟ يلفتني القرآن عندما يقول: «قل هو الله أحد». لا يطلب إثباتا. يطلب اعترافا. أليس هذا هو طغيان الفلسفة اليونانية علينا ان نسعى دائما إلى الأدلة؟

المسيحية في أدب يوحنا الرسول قالت ان الله محبة أي انها عرفته بها. ما اكتفت بالقول انه محب، هذا يعني إذًا ان من أحب يكون في الله. المسيحية تاليا في أعلى كلام لها ما أدخلت مقولة العقل في الحديث عن الله ولا إذا اعتبرتم ان قول الكتاب ان الله هو الكلمة في التعريف كما ورد عند يوحنا هو في الصميم يعني ان الله هو العقل الأسمى الذي لا يبلغه عقل بشري. من هذا المنظار وجب القول ان في الله وحده العقل والحب واحد.

إذا كان العقل في الإنسان خاليا من كل خطأ يمكننا القول انه واحد مع الحب. غير ان ميل الفلاسفة اعتبار العقل كاملا لأن الفلاسفة القدماء لم يعرفوا المسيحية وما عرفوا انها كانت ترى خطايا البشر تدخل إلى العقل وتشوهه. مشكلتنا ان الفلسفة اليونانية وهي سابقة للمسيح طغت ولم تعرف خبث الخطيئة وانها قادرة ان تسيء إلى العقل دائمًا. لذلك نرى نحن أتباع المسيح ان العقل يحتاج إلى تصحيح الحب له، الحب الخالي من الشهوات. إذا صححت المحبة قلبك يلتقي العقل. ولما كان آباؤنا في الإيمان يتكلمون عن العقل أرادوا انه الفكر المحرر من الشهوة.

المحبة في أعلى مقامها المحررة من الدنس هي الفكر بمعنى انها الرؤية إذ المحبة عندنا تعني اللصوق أولاً بالله بحيث لا تكون لك رؤية الا رؤيته ولذلك في كنيستي بنوع خاص لا نعتبر أحدا لاهوتيا بالمعنى الكبير الا إذا رأيناه قديسا. الشرق المسيحي لا يعرف الفصل بين العقل والقلب. القلب ليس عندنا ارتعاشات. هو الرؤية.

أهل الغرب يقولون انهم يثبتون الله بالعقل. نقول نحن لهم نقبل كلامكم إذا أردتم انه العقل المحب. اليونانيون القدماء أنفسهم لم يفرقوا العقل عن المحبة. هذا التفريق ابتدأ في الفكر من بعد ديكارت.

عندما تقرأ جيدا وعميقا آباء الكنيسة لا ترى انهم يفرقون بين العقل والقلب. ما كان العقل أبدا عندهم تلك القوة الذهنية المستقلة عن العاطفة. وما فهموا العاطفة ارتجاجات في الذات. لذلك لم ترد لفظة القلب عند الأقدمين مرادفة لما تسميه اليوم العاطفة ولكنها دلت على كل القوة الداخلية في الإنسان عقلا وقلبا.

العاطفة تحتاج إلى فحص إذ قد تدخلها الضلالة. ليس عندنا في ذاتنا مرجعية الحقيقة. الله هو المرجعية. الضمير نفسه يخطئ. الله مرجع الضمير.

Continue reading
2015, جريدة النهار, مقالات

مولدي / السبت في 4 تموز 2015

ولدت في 6 تموز. هذا يهمني لأتذكر نواقصي والتي لا تزول الا بالموت. أنت في الطبيعة ابن والديك. ولكنك تصير مولودا من الله إذا شئت. كلمة لا يستسيغها المسلم لأنها في أذنه تتصل بالولادة البشرية. المسيحيون أدركوا المعنى الروحي للكلمة: تسعون سنة انقضت وأنا في ضعفي. المسيحيون يعيدون لقديس في ذكرى موته وهذا لإيمانهم ان حياته الحقيقية ظهرت شهادة من بعد موته. نحن المسيحين المشرقيين من فترة قريبة ما كنا نقيم مولد أحد منا. كنا نقيم ذكرى موته إذا اعتبرنا انه شهد للحق في حياته.

المولد مجرد وعد لذلك لا تقيم الكنيسة عيدا الا ليوم انتقالنا من هذه الدنيا لأنه التقاؤنا بالله. قبل ذلك الإنسان وعد. لذلك المحافظون في كنيستي لا يهتمون لمولد قديس ولكن لتاريخ موته. كل إنسان وعد والكنيسة لا تطوب بارا الا بعد موته. أهلي لم يذوقوا الحضارة الغربية. لذلك لم يعيدوا لمولدي. عيد الإنسان في موته. لا تعيد لك الكنيسة الشرقية في ذكرى ميلادك فالميلاد عندها المعمودية. بعد اتصالنا بأهل الغرب أي من فترة قصيرة بتنا نعيد لمولدنا. قبل ذلك ما كنا نعرف الا القديسين وأعيادهم. من تكون لنعيد لك في يوم مولدك من امرأة؟

قبل ان تتحقق بالمعمودية تكون من البشرة. وجودك الكبير لا يأتيك منها. البشرة وعد كل شيء من النعمة النازلة عليك من فوق.

في الإيمان المسيحي أنت ابن الله في الخلق. الفداء يعلن بنوتك. المسيحية تصر على إعلان الله أبا لأنها ترى اننا مولودون من الروح القدس أي من الله. وإذا قلنا انك ابن الله فانما نعني انك من جنسه. هذا لا يعرف معناه الحقيقي الا الله. ولكن في الذوق الروحي نعرف اننا من جنس الله. هذا طبعا لا نفهمه الا بالحب إذا سكبه علينا.

Continue reading