1966, لسان الحال, مقالات

ضلّوا كلّهم / الأحد 22 أيار 1966

«ليس بارّ ولا واحد وليس من يفقه ولا من يبتغي الله. ضلّوا كلّهم فرُذلوا جميعًا وليس من يعمل الصلاح ولا واحد… لم يعرفوا سبيل السلام وليست مخافة الله أمام أعينهم» (بولس الرسول). يتعثّر الإنسان في سعيه إلى الله إذا ما عمّ الفساد وشمل الراعي والرعيّة، وإذا صار اللسان الذي يعلّم الشريعة لا شريعة له، وغدا رئيسُ القوم يحمل الحقد. إن ضلّ المسؤول في متاهات شهوته «ففمه مملوء لعنة ومرارة». ولكونه أُوتي سلطانًا ونفوذًا، تزداد قدرته على الإفساد ويزجّ العباد في يأس سحيق، فيفقدون إيمانهم بالصلاح والطّهر وظفر الخير، ويترنّحون بالمطربات لأنّ الصاحي – أو من افترض كذلك – «تاه من المسكر وضلّ في الرؤيا وقلق في القضاء» (أشعياء).

وإذا كان حُماة القيم يدوسونها بأرجلهم فمن يصدّق البشرى؟ وإذا أمسى النور الذي فيهم ظلامًا فالظلام كم يكون؟ في لهجة ليس أقربها الى الحزن، قال السيد عمّن فسدت سيرته: «إنّه لا يصلح لشيء إلاّ لأن يُطرح خارجًا وتدوسه الناس». قال ذلك وهو اللطيف بالناس. وما ذلك إلاّ لأنّ الغصن اليابس يجب أن يُقطع ويلقى بالنار ليحترق. في منتهى الألم يبتر البستانيّ ذلك الغصن عن جذع الشجرة، فقد كان يرعاه فيما مضى. الإنسان يحبّ ما يرعى ولكنّ الشجرة أفضل من أغصانها.

إنها حقًّا مأساة الله أن يكفّ الراعي عن الرعاية أو أن يصبح عدوّ الرعية، فتضحى «مشتتة من غير راعٍ ومأكلاً لكلّ وحش الصحراء» (حزقيال). ولكون الرعاية وكالة – وقد يُفسد الوكيل الوكالة – يقول الله عن الرعاة: «أطلب غنمي من أيديهم وأكفّهم عن رعي الغنم… وأنقذ غنمي من أفواههم… أخلّص غنمي ولا تكون من بعد نهبًا». في أوان الضيق والالتطاخ، الله وحده مرجع الرعية ليكون لها مأمنًا ممن وُلي عليها، «فصدّوا عن سبيل الله أنهم ساء ما كانوا يعملون» (سورة المنافقون).

والله أوصى بجهاد المنافقين عن طريق التمسك بالشريعة والحق ونبذ ما يخالفها، والرحمة بأولي الأمر إذا عادوا عن غيّهم. والتكاتف والتراصّ في سبيل الله لصدّ العدوان عن الرعيّة، تكليف إلهي لا مفرّ منه «فلا محاباة للوجوه لأنّ الحكم لله» (موسى). وقد يضطرّ المرء أن ينفصل عن أعزَّائه في سبيل الحق، لأنّ لله وحده السيادة والعزة. والويل لمن يؤثر انفعالات اللحم والدم على صوت الرب فيه.

وإذا استمرّ الراعي في الغي فلا رعاية له ولا واجب تجاهه، بل الطاعة للخالق أولى في كلّ حال. وقد يتنبّه لفساده بموقف لشعبه حازم. والصلابة هنا تفرض نفسها علينا. ولكن كلّ مقاومة يجب أن تكون شرعيّة وأن تستنفذ كلّ المحاولات لإعادة الضال عن ضلاله.

ولا يسوغ، بحال، أن نسير مع أهل الزيغان شبرًا واحدًا بحيث نقبل بذرة واحدة مما أتوا به، لأنّ كلّ شبه مساومة مع الباطل باطل.

عند تفشّي الإثم ينبغي أن يمتحن كلّ منا قلبه ليعرف مقدار تساهله في الماضي مع المنافقين، ومدى تغاضيه عمّا ارتكبوا. إنّ تناسي الكبائر باسم السلام إشعال لنار الضلالة. فكلّ معصية عند الراعي تؤذي الرعية وتمسّ المبادئ التي تقوم عليها يجب أن تفضح، لأن الراعي لا يملك حياته بل يبذلها عن الخراف. والمعصية تحول دون هذا البذل. لا حقّ لأحد في منصب على حساب الحقيقة والعدل، لأنّ المناصب قائمة فقط لإحقاقهما.

Continue reading