غدًا نقيم ذكرى لحادثة القيامة ونسعى الى معناها. الحادثة ان يسوع الناصري قام من بين الأموات وتغلب على الموت حسب منطوق النشيد الفصحي في كنيستنا «ووطئ الموت بالموت».
اما الحادثة فقد اهتم لتبيانها الذين كتبوا العهد الجديد بسبب صعوبة تصديقها وبسبب اعتبارهم انها اساس الايمان المسيحي. فإن لم تكن لا يكون الإيمان وتكون البشارة بالمسيح كلها باطلة. المسألة ان القيامة واقعة ولكن يجب إثباتها كواقعة. هذا من جهة ومن جهة ثانية هي صُلب الايمان. عندنا اذًا وجهان لهذه القضية. الوجه الاول شهادة الشهود لظهورات المسيح والوجه الثاني اليقين بالإيمان.
اما ان الأمر هو لب الإيمان المسيحي فيأخذ به بولس الرسول لأنه اول من كتب في المسيحية بمعنى أن هذه القيامة التي علّم عنها انما أخذها من الأوائل ولم يفرق بين الحادثة ومعناها ووضع لاهوتا يختزل بهذه الكلمات: «إن كان المسيح يُكرز به انه قام من الأموات فكيف يقول قوم بينكم ليس قيامة اموات». ما يدعم اذًا الاعتقاد بالقيامة قول الرسول «دُفن وقام في اليوم الثالث كما جاء في الكتب، وانه ظهر لبطرس ثم للرسل الاثني عشر، ثم ظهر لأكثر من خمس مئة أخ معا لا يزال معظمهم حيا وبعضهم ماتوا، ثم ظهر ليعقوب، ثم لجميع الرسل حتى ظهر لي آخرا أنا أيضا كأني سقط» (1كورنثوس 15: 4-8).
إلى هذا الايضاح، عندنا شهود عيان لموته وبقوا شهودا عيانا لظهوراته من بعد القيامة بمعنى أنهم عرفوا أن هذا الذي تراءى لهم هو إياه الذي عُلّق على الخشبة وهؤلاء هم مريم المجدلية، وحاملات الطيب، وسمعان بطرس، وتلميذا عمواس، والرسل المجتمعون في غياب توما ثم في حضوره، وبعض الرسل على بحيرة طبرية، والرسل في الجليل، وإليهم ايضا عند صعوده الى السماء. وهذه الظهورات هي إحدى عشرة نقرأ عن واحدة منها كل أحد في الكنيسة الارثوذكسية.
سرد هذه الظهورات يدلّ على الروح النقدية عند الرسل. وظاهر لي في هذا السرد أن الرسل كانوا متحررين من كل عقلية شعبية متهوّرة. كانوا بعيدين عن كل تصديق متسرع متهيّج.
ان رفض توما في البداءة للقيامة يدلّ على انه كان على روح نقدية كبيرة وأنه لم يؤخذ بكلام التلاميذ. في الأسبوع اللاحق تراءى لهم ومعهم توما.
# #
#
غير أن العيد لا ينحصر في أن يكون خروج الناصري من القبر وهو مغارة وليس حفرة ترابية. العيد تعبير عن كل الخلاص الذي أُوتيناه منذ تجسد ابن الله وبخاصة الذي نلناه من الصليب. فقبل لحظة الصلب قال يسوع «قد أُكملَ» أي اني أَتممت ما كلّفني الآب به وحقّقت كل كلمة من الأنبياء. ولنا نحن أن نفهم أن كل جليل وطاهر وحق من بعد يسوع إنما نحن مدينون به له أي ان كمال الفكر والنتاج العقلي والفنّيّ وانتصار الإنسان المظلوم كلها استمدّت إلهامها من حياة يسوع وأقواله. من هذه الزاوية نرجو في هذا اليوم قيامة من التعب الشخصي والسقوط ونطلب التطلعات الى السماء. من ناحية العقيدة عندنا بالفصح وعد أننا سنقوم في اليوم الأخير. لقد ظهر في المسيح كمال الله. قيامة المخلّص تُنبئنا بأن دعوة يسوع لنا أن «كونوا كاملين».
العيد هو الخلاص من كل انواع الموت في حياتنا الشخصية وحياة الذين حولنا ومن نخدمهم. هو حدث مستمر فينا الى أن ينتهي الدهر. ولذلك يمتد عيد القيامة من يوم الجمعة العظيم الى صباح العيد. هذه الثلاثية اذا دخلت إلينا بقوة كل يوم فيها نكون قد أقمنا العيد ووعدنا بأن كل أيام حياتنا تكون فصحا أبديا. الفرح عندنا مؤسّس في انتصار يسوع ولسنا نستقبل بهجة في هذا اليوم وحزنا في ذاك. «افرحوا ايضا في كل حين وايضا أقول افرحوا». لذلك اذا قال بعض الناس اننا نتألم مع المسيح لا نريد أن وجع الجسد او النفس أفضل من السلامة. لنا أن نتقبّل الآلام على أنها أحيانا وجه من وجوه السلامة الداخلية. اذا كانت السماء في الأخير هي انتصارنا على الخطيئة والموت فنحن فيها، واذا انسكبت السماء علينا في حياتنا اليومية فنكون قوما فصحيين، ولنا أن نُنشد عند ذاك: «المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت».
لذلك لا حقيقة في ما قيل لي يوما: «المسيحية ديانة مأسويّة». قلت لهذا الذي كلّمني بهذا الكلام: المأساة بمعناه اليوناني أن تكون سجين غرفة مغلقة. نحن على الأقل ليس فوقنا سقف. ليس فوق رؤوسنا الا السقف السماوي. نحن خرجنا من كل السجون الى «حرية أبناء الله». لذلك نحت أحد قديسينا مؤخرا تحيةً كان يقولها لكل صديق التقاه: «يا فرحي، المسيح قام».
هذه كلمة أُسلّم بها على كل من قرأني بين اليوم والغد حتى يزول الحزن عن هذا الوجود.