جاءني شاب اعرفه من سنوات، كثير المعرفة باللاهوت، وسألني رأيي في طلبه للكهنوت، وترددت في الجواب القاطع اذ قلت له ان الدرس يستغرق منه وقتا كثيرا وان الكهنوت أيضا يتطلب وقتا كثيرا ويصعب عليك ان تضع مجلدات وان ترعى الرعية.
قد لا يهم الأكثرين ان أحدثكم عن أساتذة اللاهوت وانهم في حاجة إلى كل وقتهم. ولكن يهمكم ان تعرفوا اهتمام كاهنكم بكم وأفترض انه محب ليسوع وانه دخل هذا السلك بسبب من محبته. لقد ولى زمن الكاهن المرتزق، وجاء وقت التضحيات الكبرى أي تخصيص كل وقت الكاهن للرعية. وانتم تعرفون ان القداس يستغرق وقتا، وذلك ليس فقط في الآحاد، وان الخِدَم الأخرى المسائية في الصوم والغروب والأكاليل والمآتم والمعموديات تتطلب أيضا وقتا طويلا ولاسيما إذا كانت العائلات كثيرة. غير ان القضية الأساسية ليست قضية وقت. انها قضية القلب عند الراعي. هل قلبه مع المسيح؟ الكهنوت التزام كامل لقضية الإنجيل بحيث لا يجوز ان يبقى للكاهن فسحة لعمل آخر.
في الماضي السحيق كانوا يرون ان كاهن القرية يمكن ان يكون فلاحا، ثم سمحنا في المدن ان يكون له عمل إضافي بسبب من قلة موارده أو لصغر رعيته. ولكن عندما يكون الكاهن مسؤولا عن رعية كبيرة فليس عنده وقت ليتفرغ لعمل آخر ما لم يجتمع أكثر من كاهن في كنيسة واحدة. هذه يجب ان يكون فيها رئيس متفرغ.
ولكن بصرف النظر عن هذه التفاصيل، الكاهن مأخوذ قلبه بالله ويحتاج إلى ما لا يقل عن ساعتين في اليوم يدرس خلالهما الكتب المقدسة ويطالع المقالات اللاهوتية. إلى هذا الزيارات التي غايتها ليست فقط ان يفتقد المرضى والحزانى ولكن ان يطّلع على الحالة الروحية للبيت ولاسيما على الوفاق الزوجي وتقدم الجميع في معرفة الرب. طبعا هذا غير ممكن بالتدقيق في الرعايا الكبيرة، ولذلك نحن في حاجة إلى كهنة جدد ليقفوا على أحوال كل واحد ما أمكن: «اعرف رعيتي ورعيتي تعرفني. وأنادي خرافي بأسمائها». ولا نستطيع ان نبقي الرعايا كبيرة استرضاء للكاهن وحسن ارتزاقه. هذه أمور لا بد من تدبيرها بقوانين وأنظمة، ولكني لا استطيع ان أضحي بالحاجة الروحية في سبيل رخاء الوضع المالي للكاهن.
ثم الافتقاد: هناك افتقاد جماعي وافتقاد عائلي. جماعيا لا بد من الاجتماعات الإنجيلية في البيوت إذ لا مفر من تفسير الكلمة الإلهية وان نحيا منها وقد تردّ البعض إلى القداس الإلهي الذي يهملون. ولا بد من ان نوزع «رعيتي». هذا حد ادنى من القراءة وهذه صلة محبة بيننا.
ولكن هذه الاجتماعات لا تعوض عن اللقاء الشخصي الذي يقوم به الكاهن مع الذي يطلب منه الإرشاد أو هو يتدخل لبث روح يسوع في كل مؤمن. هذا لا يعني ان العلماني لا يهتم بالعلماني ولا يرشده ويدله على كتب دينية. ولذلك لا بد من تنظيم حلقات روحية يلتقي فيها الناس وتلتهب أرواحهم حبا بالمخلّص حتى نعبد الله في كل مكان وننشر كلمته.
تذهلني رؤيتي للأهل يُعنون بأطفالهم. يذهلني السهر الطويل الدائم حتى يكبر الأولاد ويتغذوا ويلعبوا ويتكلموا ويفهموا. هذا الذي يجري على صعيد الجسد والتربية نحتاج إلى مثله على مستوى الفهم الروحي والتعليم المسيحي والرعاية الدائمة والاهتمام بكل نفس.
وهذا كله ينحدر من قلب الكاهن المتأجج حبا ليسوع. الله قادر ان يصنع له قلبا جديدا.