يسمى الأحد غدا أحد توما في كنيستي ووضحت مشكلته في القراءة الإنجيلية. وقبل ان أذكر المقول عنه في انجيل يوحنا رأيت أن الكلام على بساطة الرسل فيه شيء من الأسطورة. وهذا وارد في الأدب الديني العام ليقال ان الله يعلم الناس العلم وانهم ما كانوا منه على شيء.

بادئ بدء لم يكن من يهودي لم يدرس الكتاب المقدس في مقامات مختلفة من العلم أقله في ما نسميه نحن «الكتاتيب». ثم لم يظهر العهد الجديد على ان تلاميذ يسوع كانوا جهلة ولو صيادين فاذا قال بطرس الرسول للسيد «انت المسيح ابن الله الحي» كان على الأقل يفهم كلمة المسيح وهي من اللاهوت اليهودي المعاصر وكذلك عبارة «ابن الله» كان في نطقه بهذا إلهام لم يعن هذا ان العقل كان خارجا عن الإلهام.

وتوا بعد هذا كان بين الرسول والمعلّم اختلاف حول موته. وعلى مد الإنجيل كله ما بدا الرسل على انهم كانوا سريعي التصديق ولا شيء بدا على انهم كانوا يؤمنون برسالته بمعناها الروحي وبقوا بعد القيامة ظانين انه سيعيد الملك لاسرائيل. هذا الالتباس بينه وبينهم حول طبيعة رسالته يدلّ على انهم لم يكونوا سذجة.

الى هذا لم يقم دليل على ان الاثني عشر كانوا على مستوى من المعرفة واحد. اولا لم يكونوا كلهم صيادين. متى كان رئيسا بين الجباة ما كان يعني انه كان عالما بالمحاسبة واذا قرأنا انجيله نرى انه مكتظ بمعرفته للعهد القديم وهذا لا يعني انه عرف ذلك فيما بعد موت السيد فقط.

على هذه الخلفية أريد ان اقرأ وضع توما في علاقته مع المعلم قبل القيامة. انجيل يوحنا يذكره غير مرة وفي سرد بعث اليعازر نلمس ايمانه. ماذا حدث بعد هذا؟

يقول النص الذي يلي القيامة انهم كانوا مجتمعين خوفا من اليهود، اذ لا يكفي المجرمين ان يقتلوا رئيس العشيرة. يجب ان يباد اسمه بإبادة انصاره ان امكن او بعض منهم. جاء، عند ذاك، يسوع ووقف في الوسط وأعطاهم سلام القيامة. وبعد هذا أراهم يديه وجنبه. الايمان ليس اعتباطيا. ليس خيالا. كان ينبغي ان يشاهدوا الانسان نفسه الذي شاهدوه على الخشبة. لا يمكن ان يصدق الناس خيالا. كان يجب ان يكشف لهم انهم ليسوا امام خيال يمكن ان ينتجه الخوف الجماعي. كان لا بد لهم من رؤية عيونهم لمواضع من هذا الجسم يمكن لمسها. اكتفوا بالعيون. وهي قالت لهم انهم رأوا الرب. ما يدعم تصديقي لكلام الانجيل ان الاثني عشر لم يكونوا بسطاء. احاديث كثيرة بينه وبينهم دلت غير مرة انهم لم يكونوا سذجة. السؤال الكبير قد يكون لماذا اختار صيادين للقيام بالرسالة معه. الجواب البديهي هو انهم كانوا من منطقته. من راجع خريطة بحيرة طبرية والبلدات الصغرى التي حولها يعرف ان بطرس واندراوس ويوحنا ويعقوب ابني زبدى كانوا من تلك القرى.

الى هذا هذه رسالة قلوب وحنان وإشفاق على المرضى ورسالة من فقراء الى فقراء. ببساطة كلية لم يفتش يسوع في الجليل عن علماء العهد القديم والإنجيل يقول ان الكثير من هؤلاء كانوا مستكبرين ومرائين. لم تكن أدمغتهم مفتوحة على قلوبهم ليتقبلوا منها الحب. كان الناصري عارفا بقدرته على تفجير الحب من قلوب اهل الصناعات الصغرى ومن اولئك القادرين ان يأكلوا خبز الفقراء.

كان ظهوره في قاعة اظن انها كانت تخص احد أصحاب التلاميذ اذ ما كانوا يملكون بيتا في اورشليم. رأوه لما تراءى لهم فيه مساء يوم القيامة. عند حضوره وبعد تعرفهم اياه نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس. هل هذه هي العنصرة التي يعبر عنها انجيل يوحنا؟ انتصار يسوع على الموت ترجمته ليس فقط ظهورات لأصدقائه وهي احدى عشرة ولكن ترجمة الغلبة قدرة التلاميذ على حل الخطايا للناس اي نقلهم بالتوبة الى عهد جديد. لعل الجدة الكبيرة في العهد الجديد قوة المسيح على غفران الخطايا اذ كان هذا الغفران مجهولا بالكلية في العهد القديم. لم يقم نبي ولا معلم في اسرائيل مرة بالغفران للناس.

عند هذا الترائي الأول لم يكن توما معهم. فلما حضر قال له التلاميذ قد رأينا الرب. فقال: «ان لم ابصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في اثر المسامير واضع يدي في جنبه لا اؤمن«. بالذهنية المعاصرة نقول هذه روح نقدية يقدرها كل من كان له عقلية حديثة. حادثة جرت هي القيامة ويجب امتحان الرؤية. هل هذا الذي تقولون انه السيد هو حقا الذي شاهده بعضنا معلقا على الخشبة وشاهده آخرون دفينا. انا لا أريد ان أكون ضحية تخيل. يجب اثبات القيامة. توما التي ودت يده التفتيش وبخه المخلص وقال له: »هات اصبعك الى هنا وابصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل مؤمنا».

لا شيء يدل على ان الرسول لمس ما قال انه يود لمسه. رأى النور على وجه السيد ويديه وعينيه وثيابه. شاهد في عيني القلب ما كان يتمناه فاعترف فورا بقوله: «ربي وإلهي». الربوبية والألوهة بدتا له مما هو فوق المدرك وعاد الى حبه الأول.

ولكن كيف لم يكن مؤمنا اذا أصر على الرؤية؟ لم يكن مؤمنا بشهادة الرسل الذين شاهدوا سمات الآلام. لا نحتاج الا لكلام الذين لازموا السيد. في كل جيل كلامهم كلام الروح القدس.

اهمية توما الاولى انه ما اراد ان يتخلى عن عقله. اهميته الثانية انه اقتبل نور المسيح. رؤيته كانت عنده مصدر القناعة. والرؤية يعطيها صاحبها ولا تحتاج الى المحسوس.