Monthly Archives

October 2004

2004, مقالات, نشرة رعيتي

أولادكم الطلاب/ الأحد في 31 تشرين الأول 2004 / العدد 44

أولادكم رعاية دائمة وحب عظيم. ولكن هذا يتطلب حضورا اليهم قدرا كبيرا من الوقت لاسيما إذا كانوا أطفالا لأن الولد يفهم العطف حضورا. وكما تُعنَوْنَ بهم عناية دقيقة منذ مولدهم حتى الخامسة مثلا فبعد ذلك تبقى العناية دقيقة ولو اتخذت اشكالا أخرى إذ تبين للعلماء ان نضج الولد وصحته النفسية مرتبطان بإحساسه ان له أبًا وأمًا يحضنانه حضنا رؤوفا. مرة أعجبت برجل قال لي انا لم أخرج ليلة واحدة من البيت لما كان أولادي صغارا. المهم ان التوازن بين المكث والسهرة يجب ان يكون لصالح الولد.

            من صور الاعتناء ان تساعدوا الولد في الدرس إذا امكنكم ذلك. فربما امكنكم جميعا ان تعأونوه في حفظ الدرس إذا كان لا يزال في الصفوف الابتدائية ولكن بعضا منكم -بسبب ثقافته- قادر ان يتابع ولده في المرحلة الثانوية. ولعل الميسورين قادرون ان يأتوا اليه بمن يعطيه درسا خصوصيا إذا احتاج إلى ذلك. هذا إذا كان متوسط الذكاء أو مقصرا، ولكن المدرسة بالمبدأ كافية.

            المهم ان تتيقنوا انه فهم الدرس الذي تلقاه في الصف وانه قادر ان يقوله للمعلم في اليوم التالي. الفكرة الأساسية ان يفهم جيدا وان يسمعكم ما فهم بلفظ جيد ولغة فصحى كائنة ما كانت اللغة التي يستعملها وذلك بلا تلعثم أو خوف. تأكدوا انه استوعب ما يقرأ فالقاعدة ان ما لا يستطيع الولد ان يعبر عنه لا يكون قد فهمه. كذلك تأكدوا انه يقوم بأعمال رياضة في المدرسة أو في البيت أو في الحي لأن هذا سبب كبير لحصوله على صحة جسد ترافقه طوال حياته. ان كثيرا من أتعابنا أو امراضنا في سن متقدمة سببه إهمال الرياضة في سن مبكرة.

            إلى هذا احرصوا إذا بلغ العاشرة أو قبل ذلك ان يطالع كتبا خارج البرنامج الذي يجب ان يحفظ لتقوى معرفته ويحصّل أسلوبًا في الكتابة وربما البلاغة. الذي لا يقرأ في طفولته لن يقرأ ابدا. ولكن اعرفوا من اين يأتي بالكتب واسهروا على سلامتها الأخلاقية وقد تكونون قادرين على ان تعرفوا جودتها الأدبية. وفي سن متقدمة نسبيا لا مانع ان يقرأ الجريدة ليتثقف سياسيا إذ يجب ان يعرف ما يحدث في البلد وفي العالم.

            طبعا ينبغي ان تولوا كل أولادكم عناية واحدة ولا تفرّقوا بينهم الا إذا اضطررتم ان تهتموا بالولد المقصر اكثر من اهتمامكم بالولد الناجح.

            إلى هذا أيضا احرصوا ألاَّ تغضبوا إذا كنتم تلقنون درسا والا ينفذ صبركم. وإذا كنتم عاجزين عن ذلك فالأفضل الا تهتموا بتدريس أبنائكم. إن الوداعة بالتعامل أهم من تلقين العلوم.

            وبعد هذا احرصوا على أن يصلي أبناؤكم وبناتكم قبل النوم أو توا بعد الطعام. وإذا كان الولد صغيرا جدا ربما احتاج إلى ان تقفوا إلى جانبه وتلقنوه بعض الصلوات البسيطة يؤلف بعضا منها من عنده أو يمكن العائلة أن تصلي معا عندما يصبح الولد مدركا لمعاني الصلاة.

            التربية متابعة وليست تغنيجًا. تابعوا كل يوم هذا العمل بطريقة هادئة وادرسوا انتم إذا لاحظتم أنكم مقصّرون عن متابعة الولد علميا. واحفظوا أنفسكم من الشرير لتكونوا قدوة فلا الدرس ينفع ولا النصيحة إذا لم تكونوا أعفَّاء اللسان ولم تقيموا في البيت وحدة وتفاهما بين الرجل والمرأة. الولد ينمو بالجودة التي يراها فيكم. الإنجاب يحصل مرة وأما نمو الأولاد فعمل مستمر وسهر وصبر. ليس المهم أن تلدوا أولادًا وحسب فالأهم أن تجعلوهم أبناء لله وبنات.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

مع المسيح صُلبتُ/ الأحد 24 تشرين الأول 2004 / العدد 43

المسيحية ليست مجرد كتاب. فقد عاش المسيحيون الأوائل ما لا يقل عن أربعين سنة قبل تدوين أول إنجيل، وعاشوا ستين سنة قبل ظهور إنجيل يوحنا. ما من شك ان الرسل حفظوا كثيرا من أقوال يسوع يتلونها شفهيا على المؤمنين. ولكنهم قرأوا رسائل بولس الذي استُشهد حول السنة الـ 65. اخذوا روح يسوع عن بولس وجوهر تعليمه. شخص يسوع الحي، القائم من بين الأموات هو ما تعلَّقوا به. فإيماننا نحن ركزه الرسل على محبتنا ليسوع. لذلك قال بولس في رسالة اليوم: «مع المسيح صُلبتُ فأَحيا، لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ» (غلاطية 2: 19).

المسيحية قائمة على هذه الخاصة ان حياة يسوع القائم من بين الأموات تنسكب على أتباعه إذا هم اعتمدوا وآمنوا به. فكما صُلِب هو وأمات الخطيئة وأباد الموت، أَنقطع أنا عن الخطيئة. وهذا هو صليبي. لست أنا أُبيد الخطيئة. انه هو الذي يبيدها فيّ. «حاشا لي ان افتخر الا بصليب ربنا يسوع المسيح» وأنا كنت في أعماقه لما صُلب. لذلك أنا مصلوب.

بعد هذا يقول: «ما لي من الحياة في الجسد أنا أحياه في إيمانِ ابنِ الله الذي أحبّني وبذل نفسه عني». بذل نفسه عني أخذها بولس من إنجيل يوحنا قبل تدوينه أي أخذها بالتواتر. فقد قال يوحنا: «ما من حب أعظم من هذا أن يبذل الإنسان نفسه عن أحبائه». هنا يؤكد كاتب الرسالة إلى غلاطية التي نحن في صددها ان الناموس الموسوي لا يعطي الحياة. هو أحكام لا تستطيع أنت تنفيذها، ومخالفتك اياها فضحتْ شقاءك. توا، وبلا تبرير الناموس لك، يبررك المسيح، وإذا بررك فهو يمجدك. لذلك يجمع بولس كل هذه المعاني فيقول: «ما لي من الحياة (أي الحياة بالروح القدس) في الجسد (أي في كياني كله)»، هذا أتاني من الله وأنا أحياه. كيف أحياه؟ إذا آمنت بابن الله («أنت المسيح ابن الله الحي» كما اعترف بذلك بطرس).

ابن الله هذا أحبني، وما قال أحبنا بصورة الجمع. كل واحد منا عليه ان يؤمن بأنه بات حبيب الله في المسيح يسوع. فكما كان المسيح حبيب الله في الجوهر والأزلية، أنا أصبح حبيب الله بالنعمة التي كشفها لي يسوع بموته وقيامته.

ما هو التعامل بيني وبين ابن الله؟ هو أحبني ويحب ان اعرف هذا. إيماني به هو إيماني بمحبته لي التي أبرزها أو جسّدها بالموت.

ما الذي يجمعنا نحن المسيحيين؟ هو إيماننا بيسوع. ما يعني هذا الإيمان؟ هو يعني أني أومن بأنه مات من أجلي ثم قام. المسيحية هي التعلق بشخص المسيح باعتباره المخلّص. أجل هو مخلص العالم. ولكنه مخلصي أنا أيضا شخصيًا. أنا أنضم إليه بالمعمودية فأموت فيها معه وأحيا معه وأكون قائما من الموت الروحي منذ الآن ومن الموت الجسدي عند القيامة. غير ان السيد يريد منك ان تفعّل معموديتك فتبقى على الدوام مميتا الخطيئة فيك، وعندما تتحرر منها تعرف وتحس انك قائم معه، حي ومنتصر معه.

ولكن هذه القيامة الدائمة تتطلب منك، إلى جانب الإيمان، جهدا موصولا فتهرب من الخطيئة أولا ثم تحيا بالبر، بالكلمة، بالصلاة الدائمة، وذلك في بيتك وفي الطريق وفي الخدمة الإلهية. فأنت لا تسير فقط إلى المسيح بهذه، ولكنك تسير في المسيح وكأنه بحر تسبح به. هذا هو الإيمان الحي الذي من أجله مات الشهداء. هذا هو الإيمان الذي يجعلك ناقلا إياه للآخرين بتبليغهم الكلمة والعمل الصالح.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

مَثَلُ الزارع/ الأحد في 17 تشرين الأول 2004/ العدد 42

            افترض الرب يسوع في مثل اليوم ان كل اليهود يسمعون كلمة الله وانهم فئات لا تقبل الكلمة او ترتدّ عنها او تخنق فيها الكلمة ملذاتها. وافترض مع ذلك فئة تحفظ الكلمة “في قلب جيد صالح” وتثمر بالاستمرار. ان كلام السيد مبني على ان اليهودي يذهب إلى الكنيس يوم السبت ويسمع التلاوة وان الأهل يلقنون اولادهم الكلمة من مخطوطات التوراة التي استغرقت كتابتها سنة او اكثر لعدم وجود الطباعة آنذاك. كذلك نعرف ان عمل الرباني (وبالعامية الحاخام) أن يقضي معظم يومه يدرس التوراة ويحفظها ويستشهد بآيات منها.

            وفي الإسلام من يحفظ القرآن كله ولم يتجاوز الثانية عشرة من عمره وبعد الحفظ يفهم. هل ينطبق مثل الزارع في اوساطنا؟ اي هل في كل بيت نسخة عن الكتاب المقدس، واذا وجدت هل نقرأها. واذا اعتمدنا على الذين يشاركون في القداس فهل “يسمعون” بصورة جيدة انجيلا منغما اي لا يدخل كلمة إلى السمع. وهل من إصغاء إلى الرسائل وهي ايضا مرتلة على بعض من الطرب لسرور المرتل؟ وكم نسبة الحضور في كنائسنا. يقول لي كاهن في هذه الابرشية عليم بالإحصاء انها لا تتجاوز .2% هنا وثمة.

            اجل صلواتنا واناشيدنا فيها الكثير من معاني العهد الجديد اي يدخل شيء من الايمان بالسمع. ولكن لو كان الله يكتفي بالصلوات والاناشيد وهي سابقة لتدوين الأناجيل لما أوحى الرسل الانجيل. قد تكمن الصعوبة الكبرى بالكسل. وما يرضي الله ان نطلب اليه القوة لنمد يدينا إلى الكتاب الموضوع في خزانة او مكتبة وننظفه من الغبار التي تأكله ونقرأه من الدفة إلى الدفة. قرار حازم يأتي من ايماننا بأن هذا الكلام هو “روح وحياة” (يوحنا 6: 63). لما قال يسوع هذا هو كان يعني حقا ما قاله اي ان هذا الكتاب كما سكبه الله في قلوب الرسل ليس مثله ما يأتينا بالروح القدس والحياة المنبثقة منه. وأبسط حجة نقدمها لكم ان ليس مثل الله من تكلم عن الله. وهو القائل: “ليس من الخبز وحده يحيا الانسان بل من كل كلمة تخرج من فم الله”. واذا صعب عليكم في البدء ان تطالعوا على انفراد فاعقدوا حلقات إنجيلية مرة في الأسبوع وطالعوا الكلمة معا بإرشاد مرشد ان وجدتموه في الرعية كاهنا كان ام غير ذلك.

            يقيني الذي لا يزعزعه شيء ان الحياة الموجودة في كلمة الله لا يعوض عنها اية قراءة لكتب روحية مهما سمت. ليس ان معرفة الإنجيل تغنيكم عنها ولكن لا شيء يضاهي الانجيل. هو يدخل الروح القدس اليك مباشرة ان قرأته بروح التوبة ومثل انسان يفتش حقا عن الخلاص وان يصير “خليقة جديدة”. معنى هذا ان هذه القراءة المتأنية تصور المسيح في قلبك فيصير لك فكر المسيح. مع مرور الزمن تحس انك اخذت تواجه شؤون دنياك بفكر المسيح وليس بناء على مصالحك. تفهم ان مصلحتك الحقيقية هي ان تتبنى مشيئة الرب.

            كيف تقرأ؟ في البدء فلتكن قراءتك متواصلة بحيث تأخذ متى ثم مرقس حتى تصل إلى سفر الرؤيا. وتفعل هذا مرتين او ثلاثا او اكثر. وتقرأ في وقت تحدده لنفسك في النهار او في الليل. وبعد اكتسابك هذه المعرفة الشاملة تذكر اي مقطع تحتاج نفسك اليه حسب اوضاعها اي في فرحها او حزنها او بعد سقطة. تفهم مثلا ان العظة على الجبل في متى (الإصحاحات 5 إلى 7) تساعدك أخلاقيا، او تحس انك في حاجة إلى ان ترتفع روحيا بإنجيل يوحنا، او تدرك ان بعض المسائل التي تواجهها واجهها بولس قبلك فتعود اليه. وهكذا تنشأ ألفة بينك وبين الكلام الإلهي.

            وقد يكون من المفيد ان تقتني دفترا تُدوِّن فيه هذه الآية او تلك او هذا المقطع او ذاك مع الأرقام واذا استحسنت مثلا كلاما عن المحبة عند بولس او في رسالة يوحنا الاولى الجامعة فاكتب رقم الآيات واحفظها كما تحفظ الشعر لتعود من ذاكرتك إلى لسانك او إلى سلوكك، فاذا لاحظت في  وضع انت فيه انك قادر ان تستحضر من ذاكرتك قولة إلهية مناسبة للموقع تكون قد بت أليفا للكلمة. وانت في حاجة طوال حياتك إلى كتاب الله. وقد تقرأ مقطعا واحدا مئات المرات وتلاحظ انه ينبوع يتجدد فيك وانك تفهم باكثر عمق آية ظننت انك فهمتها، ويبدو لك عند كل تلاوة انك تفهم اكثر. هذه هي الحياة.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

الراعي والرعية/ الأحد 10 تشرين الاول 2004 / العدد 41

يُسمى الراعي الأول في الكنيسة أسقفًا وهي كلمة أصلها يوناني وتعني المراقب. وهو يراقب بالتعليم والمحبة والإدارة. ولا يعرف أحد رعية بلا راعٍ. والعلاقة بينهما قال عنها الطوباوي اوغسطينس متوجها إلى شعبه: «أنا أخٌ معكم وأسقف (أو رقيب) إزاءكم». والآراء كثيرة بين الناس ومختلفة إلى حد الاختلاف. والاختلاف يجب أن يزول ولو لم يقتنع الكل، ويستحيل أن يتوافق الناس على كل شيء ويجب ان تبت الأمور وان ينتهي الاختلاف إلى حلّ. ويتداول الراعي مع الرعية حتى تأتي الكلمة الفصل من الراعي خوفًا من الانشقاق، والكنيسة لا تستطيع ان تبقى في خلاف. وإذا لم يتراجع احد عن موقفه ليس من وحدة وليس من محبة. والاختلاف يقود أحيانًا إلى صدام. والمتصادمون لا يستطيعون ان يأكلوا معا جسد الرب ويشربوا دمه.

والاختلاف كما أعاينه عندنا يدور عادة على شيئين أولهما لماذا عُيّن فلان في مجلس الرعية ولم أُعيَّن أنا. وثانيهما على قضايا تتعلق بالوقف والبناء وما إلى ذلك. وهذه كلها من هذه الدنيا وعابرة كالدنيا. فلن تخرب المسكونة إذا لم تعيّن، ولن تخرب إذا تباينت أفكارنا على شراء ارض أو القيام ببناء. هذه كلها عابرة مع دنياكم وتبقى الكنيسة هي إياها وتبقى الجماعة المحبة وتبقى الوحدة حول الكأس المقدسة.

والكنيسة فيها طاعة على ما قال بولس: «أطيعوا مرشديكم واخضعوا لهم لأنهم يسهرون لأجل نفوسكم» (عبرانيين 13: 17). المعروف في هذه الأبرشية ان الراعي لا يقهر أحدا ولا يتحيز وليس له مصلحة مادية عند أحد وليس له مصلحة نفوذ ولا يتحزّب لسياسات الضيعة ولا يوجه أحدًا في الانتخابات ولا يطمع بالوقف المحلي ولو كان له الحق في ان يطلب مساعدة لفقراء الأبرشية. وإذا كان عقله سليمًا وقلبه طاهرا في التعاطي مع الناس والمفروض فيه أن يعدل بين الناس فلماذا لا نطيعه؟

لا تمرمروا المطران بسبب أحقادكم أو عنادكم. الإنسان الجيد هو من عاد عن رأيه إذا تبين له الخطأ وإذا لم يتبين له الخطأ يكون المطران مرجعه. لا نستطيع ان نفعل غير ذلك لأن هذا هو قاعدة في الكنيسة الأرثوذكسية. في المبدأ يبذل الراعي نفسه عن الخراف كما فعل السيد أو يحاول فلا تُضيعوا وقته بخلافاتكم. هناك أمور عظيمة يجب ان تتمّوها مع المطران وهو أن تَنْموا بالمسيح وتتعلموا الإنجيل وتتقدسوا. وهذا ما يحصل عند الكثيرين ولكنه لا يحصل عند بعض. لا تجعلوني أفكر عندما يطلب شخص أو وفد مقابلتي: إذًا هناك في هذه القرية مشكلة. قابلوني من اجل نصيحة تحتاجون إليها أو إرشاد أو بنيان روحي ولا تقابلوني من اجل مشاكل. المطران ليس فقط قاضيًا بين المؤمنين. هو بالدرجة الأولى موجّه ومعلّم وأب أي حاضن. لا تعكّروا مزاجه بأمور قائمة على رفض فلان لفلان. لتكن كل أمورنا سلسة. ليس المطران إطفائيًا لأحقادكم.

أحب ان أتعلّم أكثر من اجل تعليمكم وان أحب أكثر لتروا فيّ صورة المسيح. قال القديس إغناطيوس الأنطاكي الشهيد: «الأسقف أيقونة المسيح». هو في الوظيفة الأبوية صورته وفي عمل المحبة صورته.

فمن شاء ان يكرم المسيح يكرم الأسقف. والتكريم ليس بالمجاملة ولكن بالطاعة لكلمة الرب التي يحملها المطران إليكم. ومن المفروض انه يحملها. اذكروا دائما ما قاله بولس ان ثمر الروح هو اللطف. ألطفوا بعضكم ببعض والطفوا بالكاهن المحلي وأطيعوه هو أيضًا وعززوه لأنكم بذلك تكرمون المسيح.

كم أضعنا سنين بالترهات والجدل العقيم والمواقف العدائية وتمزيق بعضنا بعضًا. كم أضعنا فرصة التعلم وفرصة الصلاة الصادقة وفرصة الغفران. «هوذا الوقت وقت مقبول». عودوا إلى اللطف الكبير وإلى المحبة التي لا حد لها وليرأف كل منكم بالآخر ولا يقبحه ولا يكن له ديّانا. دعوني اشعر اننا نمشي معًا واننا اليوم أفضل مما كنا في الأمس واننا غدًا ذاهبون إلى استرضاء الله بالإيمان واننا بتنا مجتمع الكلمة لا مجتمعا مدنيا فقط يسمّينا أرثوذكسيين تسمية. «أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم» ولا تتركوا مجالا للخصام فالله إله سلام وليس إله تفرقة.

Continue reading
2004, مقالات, نشرة رعيتي

العجائب اليوم/ الأحد 3 تشرين الأول 2004 / العدد 40

وعد يسوع بان عجائب ستحدث بعد مروره على الأرض: «هذه الآيات تتبع المؤمنين. يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة. يحملون حيات وان شربوا شيئا مميتا لا يضرهم ويضعون أيديهم على المرضى فيبرأون» (مرقس 16: 17 و18). كذلك سرد سفر أعمال الرسل ان بعضا منهم صنعوا عجائب. ذلك ان قوة المسيح تمتد إلينا عبر الروح القدس. وهذا ليس محصورا في القديسين ولكن ناسا أحياء صنعوا معجزات. ذلك ان لله ان يتدخل في الترتيب الكوني القائم. فهذا الترتيب لا يقيّده هو.

أما كيف يحدث هذا، كيف تتحول عين أعمى إلى عين بصيرة فهذا ما لم يترك الرب لنا علما به. فإذا حصل الشيء نلاحظه ونحن لا نعرف كيف حصل. غير ان الرئاسة الروحية لا تعلن، بصورة عادية، ان الأمر حصل أو لم يحصل. يمكن ان يشهد الأطباء بأن حدثا حدث وان ليس عندهم تفسير علمي له. ويشهدون عن ذلك خصوصا في الأمراض العضوية مثل تمدد شرايين كانت ضيقة أو شفاء سرطان، ولكن الأطباء عادة لا يقيمون وزنا لأمراض الأعصاب كالشلل إذ هم متيقنون ان الكثير منها مرتبط بأسباب نفسانية. ولكن الكنيسة ليست كلية طب وقلما تتكلم عن حدوث شيء.

في هذا الإطار يطرح السؤال عن وجود «أيقونات عجائبية». نحن لا نتكلم على غير الأيقونات إذ ليس عندنا في الفن الطقوسي الأرثوذكسي شيء آخر. في كل البلدان الأرثوذكسية يقولون عن هذه الأيقونة أو تلك انها عجائبية. أما اللاهوتيون فيقولون شيئا آخر. يقولون كل أيقونة عجائبية بمعنى ان الرب يستخدمها لشفاء من صلى أمامها وبمعنى ان ليس من أيقونة محددة تحمل طاقة الشفاء.

يبقى ان الكتاب المقدس لا يريدنا ان نبالغ في الاهتمام بالعجائب. هناك ثلاثة أقوال قاطعة تبعدنا عن حمّى طلبنا للمعجزات. أولاها: «جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطى له آية الا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال» (متى 12: 39 و40). اجل لم يحصر يسوع آياته في قيامته ولكنها آية الآيات بمعنى انها أعظم من كل عجائبه ومن كل العجائب التي ستجري في تاريخ الكنيسة. ثانيها قوله: «آمِنوا بسبب الكلام الذي كلمتكم به والا فآمنوا بسبب الآيات» (يوحنا 14: 11). وهنا يجزم يسوع ان كلامه أهم من كل المعجزات وان الانشغال المفرط بالعجائب يدل على ضعف الإيمان. وثالثها كلام بولس الرسول: «اليهود يطلبون آية واليونانيون يطلبون حكمة، وأما نحن فنكرز بالمسيح مصلوبا عثرةً لليهود وشكًا لليونانيين» (1كورنثوس 1: 22-23). المسيح نفسه هو الذي نبشر به ولا نقضي أوقاتنا لنسرد حكايات حول العجائب.

فإذا أنت رأيت أعجوبة ورويتها لأحد الناس ولم يصدقها، فهو حر ولا تستطيع ان ترميه بتهمة ضعف الإيمان. مرجعيتك ومرجعيته هو ما جاء في كتاب الله والإيمان الأرثوذكسي بعامة. ان تقول ان العذراء ظهرت لفلان أو فلان ولم يصدّق فهو حر أيضا. بعد المسيح لا شيء يربطنا لزوما الا ما قاله هو وقالته الكنيسة عنه.

الناس يحبون الخوارق. والكنيسة حذرة جدا تجاهها. أما إذا حدثت معك أعجوبة فهي رسالة إليك من الله، ولا معنى للمعجزة الا إذا قادتك إلى التوبة. الأعجوبة صلة خاصة بينك وبين الرب وقد تكون صلة بين الرب وبعض من الناس.

الكلمة الإلهية هي الثابتة. وتتلقاها أنت. وإذا فهمتها بشكل صحيح تخلّصك. وأما الباقي فيحتاج إلى تدقيق كثير.

Continue reading